• 17 آب 2022
  • من اسطنبول

 

 اسطنبول - أخبار البلد - كتب أحمد هيمت :   مع ارتفاع وتيرة  مظاهر العنصرية في اسطنبول ضد العرب بشكل خاص وليس ضد الغرباء الأجانب ، تزامنا مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير ومستمر، كل هذه المعايير دفعت العديد من العرب بالبحث عن فرصة اخرى للعيش خارج تركيا، فهناك العديد من السوريين أصحاب الشهادات العليا اخبروا شبكة " أخبار البلد؛ أنهم بدوا فعليا بالبحث عن دولة أوروبية  للسفر اليها والعيش رغم انهم كانوا يأملون ان يعيشون بكرامة في تركيا . وكان موقع " حبر " الأردني قد نشر مقالة مطولة عن تفكير العديد من الاردنيين العودة الى الاردن  والعدول عن قرارهم السابق الانتقال للعيش في اسطنبول بشكل خاص 

 واليكم بعض المقتطفات من تلك المقالة المهنية " 

سافر عمران* إلى تركيا في 2017 لدراسة الماجستير في العلوم السياسية. وبمجرد وصوله، حسم أن هذه هي البلد التي يريد إكمال حياته فيها. خطته بعد إنهاء الدكتوراه، كانت الحصول على عمل داخل البلد، ثم الزواج وتأسيس عائلة هناك.

يقول إن ما أبهره وقتها ليس فقط طبيعة البلد، وتنظيمها، وارتفاع مستوى الخدمات والبنية التحتية فيها، بل أيضًا حقيقة أنه يمكنه العيش فيها بمستوى من «الرفاهية» بدخل يحتاج إلى أضعافه فيما لو كان في الأردن. على سبيل المثال، في السنة التي وصل فيها، استأجر في مدينة قونيا مع زميله شقة مكونة من غرفتين وصالة في مجمع سكني حديث، يضم عدة مسابح وملاعب رياضة ومساحات خضراء، بمبلغ مقداره 850 ليرة، كان يساوي وقتها 170 دينارًا أردنيًا. وكان يوميًا، يرتاد المطاعم والمقاهي بأسعار تقل من نصف ما كان يدفعه في الأردن.

لكن خطة عمران، الذي التحق قبل عام ببرنامج الدكتوراه، تغيرت تمامًا. وخلال السنوات القليلة الماضية انهارت الليرة التركية، وارتفعت الأسعار بشكل كبير. والأسوأ، كما يقول، إنه مع تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق، تصاعدت المشاعر العدائية للمهاجرين، في بلد يقيم فيه ملايين الأجانب من لاجئين ومهاجرين، صار ينظر إليهم بوصفهم عبئًا على موارد البلد الذي يكافح أبناؤه لتأمين معيشتهم.

يبلغ  عدد السكان في تركيا 85 مليونًا تقريبًا، وتستقبل تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، ففيها اربعة ملايين لاجئ وطالب لجوء، يبلغ عدد السوريين منهم ثلاثة ملايين و700 ألف تقريبًا، وهناك مليون و300 ألف أجنبي مقيمون بشكل قانوني، بينهم 24 ألف أردني تقريبًا، وفق أرقام 2021. ويضاف إلى كل هؤلاء المهاجرون غير النظاميين وعددهم غير معروف، لكن تركيا تقول إنها قبضت على مليون و200 ألف منهم منذ العام 2016. وغادرها ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ ومهاجر غير نظامي منذ 2016 عائدين إلى بلادهم أو متوطّنين في أوروبا.

يقول عمران إنه عندما وصل إلى تركيا، كان الدولار الأمريكي يساوي ثلاث ليرات تركية ونصف تقريبًا، أما الآن فالدولار يساوي 18 ليرة تقريبًا. وكان عمران يشتري رغيف الخبز التركي بليرة وربع، وهو يشتريه الآن بأربع ليرات. أما الشقة التي استأجرها بـ850 ليرة، صارت تؤجر بـ2500  ليرة الآن، وكان قيمة فاتورتي الماء والكهرباء تبلغ 150 ليرة، وهي الآن لا تقل عن 450 ليرة. أما فاتورة الغاز المستخدم في التدفئة، فكانت تبلغ في الشتاء 300 ليرة، ولم تعد الآن تقل عن ألف ليرة.

في مواجهة تناقص قيمة الليرة، رفعت الحكومة التركية الحد الأدنى للأجور عدة مرات، منها مرتان خلال العام الحالي وحده. في كانون الثاني الماضي، ارتفعت الأجور بنسبة 50%، فوصلت إلى 4250 ليرة، ثم رفعت بداية تموز إلى 5500 ليرة [أي 371 دولار].[1]

لكن رفع الأجور، يقول عمران، لم يعوض تمامًا ارتفاع الأسعار، إضافة إلى أنه يخص العاملين النظاميين. في حين تحول الأمر إلى مأساة بالنسبة للمهاجرين، من بينهم الأردنيون، الذين يعمل عدد كبيرة منهم بشكل غير نظامي، ويتلقون بسبب ذلك أجورًا أقل من الحد الأدنى.

يستدرك عمران بأن المهاجرين الذين تأثروا بالوضع الحالي هم الذين يتلقون دخلهم بالعملة المحلية مثله. لقد درس عمران الماجستير بمنحة من الحكومة التركية، لكنه يدرس الآن الدكتوراه على حسابه. بعد إنهائه الماجستير، أسّس شركة خدمات سياحية، لكنها أغلقت مؤخرًا. وهو الآن يؤمن معيشته بصعوبة معتمدًا على مبلغ ادخره، وعلى بعض الخدمات السياحية التي ما زال يقدمها بشكل حرّ، مثل تأمين حجوزات السفر. كما يكتب، بشكل غير منتظم، مقالات دوريات مختلفة.

على عكس عمران، فإن ريم* (30 عامًا)، والتي تقيم في إسطنبول، يأتي راتبها من الأردن، حيث تعمل «أونلاين». لهذا، فإن ارتفاع الأسعار لا يؤثر عليها. لقد سافرت هناك نهاية العام الماضي، وكان التضخم قد وصل إلى مستوى قياسي. لكن الأسعار كانت أقل بشكل واضح خارج إسطنبول، كما تقول. عندما ذهبت، سكنت لعدة أشهر في ولاية تبعد عن إسطنبول سبع ساعات، حيث تشاركت السكن مع خمس فتيات، وكانت تدفع 400 ليرة شهريًا، شامل الفواتير، وهذا كان يعني وقتها 17 دينارًا. تقول إنها وزميلتين لها كن يذهبن أسبوعيًا إلى السوق الشعبي (البازار) لشراء مؤونة الأسبوع من الخضار والفواكه، بما لا يتجاوز خمسة دنانير لثلاثتهنّ. عندما انتقلت إلى إسطنبول وجدت الأسعار أعلى كثيرًا، فقد استأجرت شقة مفروشة بستة آلاف ليرة (237 دينارًا) تشمل الفواتير، وتتقاسم أجرتها مع فتاة أخرى. مع العلم أن التفاوت الكبير في الأسعار واضح حتى بين مناطق إسطنبول نفسها.

رغم كل ذلك، تقول إن الكلفة أقل من الأردن. وهذا بالنسبة لها ميزة تضاف للسبب الأساسي الذي دفعها للقدوم إلى تركيا، وهو نمط الحياة والثقافة التي توفّر للنساء حياة أقل قيودًا. تقول إنها أرادت الاستقلال عن عائلتها، وهذه خطوة، ما زالت مرفوضة اجتماعيًا في حال تمت في مكان سكن العائلة، لكنها صارت، إلى حد كبير، مقبولة إذا كانت في بلد آخر بهدف العمل أو الدراسة. وإن لم يكن الأمر سهلًا بالنسبة لها، فقد اضطرت إلى خوض مواجهة عنيفة مع عائلتها، بما في ذلك «الأعمام والأخوال وأصدقاء العيلة». تقول إن كل ما أرادته كفتاة وصلت عمر الثلاثين هو أن يكون لديها بعض الخصوصية، الأمر الذي كان مفقودًا في منزلها، حيث الحيوات مفتوحة على بعضها، والجميع يشاركون في اتخاذ القرارات في أدق الشؤون خصوصيةً. أرادت أيضا حرية الحركة. تقول إنها في تركيا تخرج يوميًا للجري في الشارع العام دون أن يثير هذا انتباه أحد من المارة.

من ناحية اخرى  تنامي المشاعر العدائية تجاه الأجانب، مع تردي الأوضاع الاقتصادية، دفعت العديد من الاردنيين الى التفكير بالعودة الى الاردن حتى ان السيد مريم  توصي أبناءها ألا يتحدثوا في الأماكن العامة إلا بالتركية. تؤكد على ذلك ريم، التي تقول إن عدة مواقف حدثت معها جعلتها تتجنب الحديث بالعربية. «إنك تحكي عربي في المواصلات العامة بصيروا يتطلعوا عليك بطريقة غريبة (..) أنا وصاحبتي متفقين نحكي إنجليزي».

لقد رصدت الكثير من التقارير الصحفية مشاعر العداء للأجانب في تركيا، لكن التركيز دائمًا يكون على أن مشاعر العداء توجّه أساسًا للاجئين، وبالتحديد  السوريين منهم، إلا أن عمران يقول إنه في الفترة الأخيرة، ومع تردي الوضع الاقتصادي، صار ملاحظًا أن العداء صار  يشمل أي «يبانجي»، وهي الكلمة التركية للدلالة على الأجنبي.

يذكر أنه في أيار الماضي، تعرض ثلاثة شباب أردنيين، كانوا ينتظرون سيارة أجرة في الشارع، للضرب من قبل رجال نزلوا من سيارة مارة، وصرخوا عليهم أن يعودوا «للسعودية». فهل يعني ذلك أن تركيا فقدت جاذبيتها للأردنيين، كوجهة للاستقرار؟