• 23 نيسان 2020
  • حكايات مقدسية

 

القدس – اخبار البلد -  لقد ارتبط اسم شهر رمضان المبارك بصوت  المدفع ، ذلك التقليد الذي اصبح جزء لا يتجزء من الهوية الجمعية المقدسية، ورغم الإجراءات الإسرائيلية التي تهدد بقاء هذه العادة الاصلية  الا ان الكثيرين منا لا زال ترتبط ذاكرته بصوت هذا المدفع في ساعة المغرب ليكون الخط الفاصل بين الصوم والافطار

 وبهذه المناسبة كتب الباحث الشيخ مازن اهرام المتخصص بالقدس بجوامعها واثارها وتاريخها هذه المقالة  لشبكة " أخبار البلد"  عن مدفع رمضان وحكاياته .

قال تعالى:”شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)

ونحن في إستقبال شهر رمضان المُبارك، ودخل مُسلموا العالم في أجواءه ونفحاته الإيمانية مُبكراً، حيث يتوق جميعهم إلى فريضة الصيام، وصلاة التراويح في المساجد وإقامة العشر الاواخر في أجواء تعكس جمال الإسلام وسماحة الدين الإسلامي العظيم، وكرم الله سبحانه وتعالى الذي يفتح باب التوبة أمام عباده الصالحين، الباحثين عن الأجر والثواب، ولكن هذا العام وبسبب انتشار فيروس كورونا فان الكثير من تلك المظاهر التراثية سوف تختفى حفاظا على أرواح الناس .

 

وفي هذه الأيام المُباركة في أجواء الشهر الفضيل، يتداول المُسلمون أجمل عبارات التهنئة بشهر رمضان المُبارك، وبدأت الناس تلقي رسائل التهنئة بمناسبة حلول شهر رمضان المُبارك، الذي نتمنى أن يُقبل علينا في هذا الموسم حاملاً معه كل الخير والبركة، وأن يطغى على نفوس المُسلمين صفة التسامح والإخاء، وتُنقى القلوب من الشوائب، وأن يَعم الخير والأمن والامان على عموم الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع.

ما تتميز به مدينتي

 لا زاالت  ذكريات رمضان عالقة في الذهن  ، ففي القدس كل شيئ يوجد بها يتميز عن غيرها من سائر المدن  والبلدات ،  وقد أشرف علينا اليوم شهر رمضان المبارك  بنكتهه  وروحانيته  وصلاته وموائده  ولمة الأهل  الأجداد  والأباء حتى الأطفال  وتعويدهم على الصيام بالتدرج  نصوم ( درج الصخرة ) وذلك من الصباح  إلى موعد أذان الظهر  وبعد أيام  من العشر الأوائل يمتد الصيام للعصر  وفي الثلث الأخير  يتم الصيام  طول النهار  والتزاحم على اقيام للسحور  وبتشجيع من الأهل  وعرض الهديا وملابس العيد  والعديات  لنقف وننتظر  على الدور لتقبيل  الأيادي والحصول  المعايدات  ثم التوجه إلى المسجد الأقصى المبارك برفقة الوالد  لصلاة عيد الفطر المبارك  وخطبة العيد حيث يرتقي فضيلة الشيخ جميل الخطيب الكناني  منبر الأقصى ويصدع بصوته الشجي  أروقة المسجد داعياً وواعظاً  وما أن يفرغ  حتى يصافح الجموع  بعضهم بالتحيات  والتهاني  والسلام  ،ننطلق عبر أزقة البلدة  القديمة  لنشارك في الزيارات ( صلة الأرحام )  والمودة والتراحم . وفي يوم العيد تنطلق أصوات  مدفع رمضان تلك الطلقات تُشير أن اليوم هو العيد  واليوم ماذا نقول:

 عيد بأي حال عدت يا عيد *** بما مضى أم بأمر فيك تجديد

انها ذكريات  لن تمحى من ذاكرة  المقدسيين ، واهم هذه الذكريات الباقية الحية صوت مدفع رمضان الذي ينطلق صوت المدفع من مقبرة المجاهدين المقامة على تلة مرتفعة في شارع صلاح الدين، الذي يعتبر قلب المدينة التجاري خارج أسوار البلدة القديمة ، حيث يعتمد الكثيرون في البلدة القديمة بمدينة القدس ومحيطها على صوت مدفع لإنهاء صيام يومهم ،ونفس المدفع يعلن بدا صيام يوم جديد ، هذا المدفع الذي  يعود تاريخه إلى الحقبة العثمانية، لتحديد مواقيت الإفطار والسحور خلال شهر رمضان ، تُشرف على هذه المهنة عائلة صندوقة(العوضي ) نسبة إلى جدهم الشيخ عوض في مدينة عسقلان  ،حيث يوجد مقامه  وهو مقام به مسجد على تل مرتفعة عن سطح البحر ، ويقع مباشرة على البحر تحيط به كروم العنب ، ويبعد حوالي 2 كيلو متر شمال قرية الجورة ، ولا يزال المقام قائماً ، لكنه معرض للخراب بسبب عدم العناية به ، وكان المقام مكان تجمع للزائرين والمصلين الذين ينشدون الراحة والاستجمام في أيام الصيف . وكان المقام يجدد باستمرار وتتم العناية به وبنظافته ، وللشيخ عوض مكانة سامية في نفوس الناس مرتبطة بالصلاح والتقوى.

 عائلة صندوقة (العوضي) التي تستمر بإطلاق مدفع رمضان منذ 120 عاما من مقبرة المجاهدين بالقدس، كانت  مسؤولية الجد الحاج أمين، ومن بعده الوالد الحاج يحيى، قبل أن يتولى الابن  رجائي المهمة , وكان صندوقة الجد يستخدم مدفعا عثمانيا، لكن في ستينيات القرن الماضي استبدلت الحكومة الأردنية المدفع العثماني بآخر يستخدم حاليا، في حين نُقل المدفع العثماني إلى المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى، بحسب صندوقة

وسط القبور المتراصة داخل المقبرة الإسلامية، في مدينة القدس، يتربع المدفع الرمضاني، الذي ما زال يُعد من أبرز مظاهر شهر الصيام، في المدينة المقدسة ، يوضح  رجائي صندوقة، أن اختيار المدفع، وسط المقبرة، جاء لكونها المكان الأعلى والأكثر ارتفاعا في البلدة القديمة، وأضاف:" كان المقدسيون جميعا في السابق، يعيشون داخل أسوار البلدة القديمة، ولهذا تم اختيار هذا المكان ويعبر صندوقة عن فخره بتولي هذه المسؤولية، التي ورثها عن آبائه وأجداده، ويقول:" منذ 30 عاما، وأنا أتولى مهمة ضرب هذا المدفع؛ لقد ورثت المهمة عن آبائي وأجدادي، فعائلتي هي المسؤولة عنها منذ العهد العثماني

حكايات مدفع رمضان

 هناك اكثر من حكاية حول بداية المدفع رمضان ، منها حكاية تقول ان القاهرة عاصمة مصر كانت  أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان. فعند غروب أول يوم من رمضان عام 865 هـ أراد السلطان المملوكي خشقدم أن يجرب مدفعًا جديدًا وصل إليه. وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى أن موعد الإفطار قد حان، فخرجت جموع الأهالي إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التي استحدثها، وعندما رأى السلطان سرورهم قرر المضي في إطلاق المدفع كل يوم إيذانًا بالإفطار ثم أضاف بعد ذلك مدفعي السحور والإمساك.

 بدأت الفكرة تنتشر في أقطار الشام أولا، القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونيسيا سنة 1944

حكاية مدفع إفطار الحاجة فاطمة

الحاجة فاطمة هي سمو الأميرة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل رحمة الله عليها تعشق الخير والعلم وتبرعت بكامل ارضيها لانشاء الجامعة الأهلية (جامعه القاهرة) وكل مجوهراتها الثمينة للإنفاق علي تكاليف البناء. كان الجنود يقومون بتنظيف أحد المدافع, فانطلقت قذيفة خطأ مع وقت أذان المغرب في أحد ايام رمضان فاعتقد الناس انه نظام جديد للاعلان عن موعد الافطارفعلمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بهذا الامرفأصدرت فرمانا ليتم استخدام هذا المدفع عند الافطار والامساك وفي الاعياد الرسمية, وقد ارتبط اسم المدفع باسم الأميرة

 واستمر هذا التقليد حتى يومنا هذا ،  كما استمر المدفع يعمل بالذخيرة الحية حتى عام 1859 ميلادية ولكن امتداد العمران حول مكان المدفع قرب القلعة وظهور جيل جديد من المدافع التي تعمل بالذخيرة غير الحقيقية أدى إلى الاستغناء عن الذخيرة الحية، كما كانت هناك شكاوى من تأثير الذخيرة الحية على مباني القلعة الشهيرة، ولذلك تم نقل المدفع من القلعة إلى نقطة الإطفاء في منطقة الدراسة القريبة من الأزهر الشريف، ثم نُقل مرة ثالثة إلى منطقة البعوث قرب جامعة الأزهر

يعد مدفع رمضان من أشهر المدافع فى التاريخ، فاسمه له وقع السحر، ويرتبط في أذهان سكان القدس  خاصة الكبار بذكريات كثيرة ومرتبط بعادات وطقوس دينية واجتماعية خلال الشهر الكريم