• 18 كانون أول 2021
  • حكايات مقدسية

 

 

 

 بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام 

 

حكايتنا اليوم بينما نحن جلوساً في المسجد الأقصى المبارك  ريثما إقامة صلاة الظهر أنظر وأتأمل  أروقة المسجد  رجعت بي الذاكرة إلى سنوات خلت وجالت الفكرة بسؤال  عن كيفية إضاءة  المسجد  وأي الوسائل التي كانت والطرائق وتتابعت السرديات والحكايا .  

 فلا بد من دلالة شرعية آية أو حديث لجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله  وصحبه وسلم )وربما أثر أو نص يجيب عما أضحى سالفاً !!

فحديث ميمونة بنت سعد،احد هذه الاحاديث والتي قالت..

 "يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس،فقال أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه،فإن كل صلاة فيه كألف صلاة قلنا:

 يا رسول الله فمن لم يستطع أن يصلي فيه؟

قال فمن لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتاً ُيسرج في قناديله فان من أهدى إليه زيتاً كان كمن أتاه

 في حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه وسلم:

( فإن من أسرج في بيت المقدس سراجاً لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوؤه في المسجد)

الوصول للمسجد  وإسراج الأقصى، صلة بالمسجد، فإن لم يكن  المقدرة للوصول إليه فعبر أشكال اخرى يعرفها كل الناس،هذه الأيام،وتماثل إسراج المسجد قديماً بلغة هذه الأيام، الواجب شرعي واخلاقي لنصرة المسجد الأقصى وأهله وجواره، بقدر الاستطاعة  والمساندة وبعدم تغييب قضية الأقصى عن ذاكرة الناس،وإطلاق الحملات السياسية والإعلامية والمالية لنصرة الأقصى،حتى يأتي الله بوعده، وأمره 

قصة بئر الزيت موجودة تحت الأقصى المعروف بقبته الزرقاء،وفي المسجد الأقصى القديم بئر عميقة استخدمت مخزناً للزيت الذي كان يضاء به المسجد الأقصى،فيتم تخزين الزيت في البئر،من اجل استعماله على مدى العام، لإشعال المصابيح والقناديل والسراجات،والمتبرعون كانوا يقدمون المال لشراء الزيت،او يأتون بالزيت لصبه في البئر وقد ورد في سجلات المحكمة الشرعية  أنه يُوقف من محصول الزيت من أرض فلسطين  زيتاً يؤتى به كل عام إلى آبار الزيت المقامة خصيصاً  لإنارة المسجد  وباحاته ومرافقه وكان المسجد الأقصى يضاء بالزيت الموقوف عليه إضافة لشجر الزيتون المزروع في باحات المسجد ومن  سائر  فلسطين والبلدان  تُضاء  آلاف القناديل،فكان أهل الخير يوقفون أراضيهم لصالح إنارة المسجد المبارك، ومن هذه الوقفيات المُشار إليها ما أُوقف على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة من وظائف كتلاوة القرآن الكريم وحلقات العلم  والمدارس والزوايا  والإنارة والشعالة والسقاية والسدانة  والعقارات التي تعود جبايتها لمصالح  الأقصى 

كان "الشعال" يتولى إضاءة هذه القناديل في أوقات الليل  وقد سُجلت وقفيات وردت  في الصرة العثمانية نفقة للشعال  حِسبةً  وأجراً

والشعال الذي كان يقوم بنقل الزيت من البئر بالأدوات المخصصة، ثم يبدأ بتوزيعها على القناديل والأسرجة المعلقة في القباب، وكانت هذه العملية تتم مرتين يوميا:

 الأولى قبل صلاة الفجر والثانية من صلاة المغرب وحتى انتهاء صلاة العشاء، 

إن إضاءة المسجد المبارك ومرافقه بالكهرباء تمت عام 1931 لكنه ظل قبل ذلك يضاء بالزيت عبر آلاف القناديل والشموع الضخمة المصنوعة من شمع المناحل بعد إستخراج العسل .

لم تكن وظيفة القناديل إنارة المسجد الأقصى فحسب، بل كان طلبة العلم الدارسين بالمسجد الشريف ومحيطه يعتمدون عليها خلال مذاكرتهم ليلا، كما كان حراس المسجد المبارك يضيئون المشاعل التي تعينهم على تفقد باحات المسجد بالزيت أيضا.
ولا نستبعد إمكانية وجود آبار عديدة للزيت في المسجد الأقصى، وأن البئر الموجودة أسفل المسجد الأقصى قديما يعتقد أنها كانت تستخدم لحفظ الزيت، لكن البئر أسفل القبة النحوية هي الوحيدة التي حافظت على وجودها.و إن البئر بُنيت في حقبة أموية، بعمق نحو مترين ونصف المتر وبعرض مترين، بينما بنيت جدرانها الداخلية بملاط "قصارة" ناعمة جدا وخالية من المسامات، وتحفظ فيها زيت الزيتون المعصور بعد قطفه من أشجار الزيتون المزروعة في باحات المسجد الشريف.

بالإضافة إلى البئر كان للزيت أدوات تستخدم لنقله وحفظه، ولا يزال بعضها محفوظا في متحف التراث الإسلامي داخل الأقصى، ومنها القِرب الجلدية والفخارية، بالإضافة إلى الأواني الزجاجية والأباريق، وقطع الشاش (قمش) التي كانت تستخدم مصفاة عند صب الزيت.

وكان لكل حقبة زمنية قناديلها، لكن الفترة المملوكية كانت الأجمل ومكوناتها إبداعية: زجاجها رقيق ومغطى بألوان جميلة وكتابات مميزة، مطعمة ومعشقة، أكسبوها جمالية للناظر فازدادت نورا على نور

المؤرخ "مجير الدين الحنبلي" يقول أنه كان يتم إيقاد القناديل والسراجات كل ليلة في الحرم القدسي وقتي العشاء والفجر، وعند مدخل الأقصى القديم يذكر ايضاً،في كتابه "الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل"..ان عدد هذه القناديل في داخل المسجد الأقصى،وعلى أبوابه بلغ 755 قنديلا،وفي مسجد قبة الصخرة بلغ خمسمئه وأربعين قنديلا بالاضافة الى مايوقد في الأروقة

عدد السراجات كان يصل إلى عشرات الالاف في المناسبات الدينية كما يتضح من رواية الحنبلي الذي يقول.." 

و في ذات المشهد كانت تتكرر المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف لسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله  وصحبه  وسلم )وليالي شهر رمضان المبارك وفي ذكرى الاسراء والمعراج، وفي ليلة القدر و ليلة النصف من شعبان فقد كان يوقد في المسجد الأقصى وقبة الصخرة ما يزيد على عشرين ألف قنديل وهذه الليلة كانت من عجائب الدنيا،فتضيء كل منطقة الحرم القدسي بعشرات الاف السراجات إذا كان عدد المصابيح يصل إلى نحو عشرين ألف قنديل فإن هذا يفسر عمق البئر،حتى تكفي مخزون الزيت المبارك،وعلينا ان نتخيل صورة الحرم القدسي وقد اضيئ بعشرات الاف السراجات،ُمبدّدة العتمة،ويالها من صورة رائعة وجميلة

تعود الجرار الفخاريّة بحجميها الكبير والصغير إلى فترات إسلاميّة مختلفة تعاقبت على فلسطين، وكانت تستخدم لحفظ الماء وتخزين الزيت. لم تكن الجرار الأداة الوحيدة لتخزين المياه والزيت، إذ استُخْدِمَتْ حينها القِرب الجلديّة والأواني والأباريق الزجاجيّة

روى الحافظ بهاء الدين بن عساكر أن المسجد الأقصى في زمن عبد الملك بن مروان كان فيه من الخشب المسقف، سوى أعمدة خشبيه، ستة آلاف خشبة، وفيه من الأبواب خمسون باباً.

 قال القرطبي:

ومن السلاسل للقناديل أربعماية سلسلة إلا خمسة عشر، منها مئتا سلسلة وثلاثون سلسلة في المسجد الأقصى. والباقي في قبة الصخرة. وذرع السلاسل أربعة آلاف ذراع. ووزنها ثلاثة وأربعون ألف رطل بالشامي. وفيه من القناديل خمسة آلاف قنديل. وكان يسرج مع القناديل ألفا شمعة ليالي الجمع، وفي ليلة نصف رجب وشعبان ورمضان، وفي ليلتي العيدين. وكل ذلك عمل في أيام عبد الملك بن مروان. 

المراجع:

روى الإمام أحمد من حديث مَيْمُونَةَ،ورواه ابن ماجه، رواه ابن ماجة برقم (1407)، وأبو داود برقم رواه ابن ماجه برقم (1407)، وقد نقل عبد الباقي في تعليقه على هذا الحديث عن البوصيري قوله: "وإسناد طريق ابن ماجة صحيح ورجاله ثقات(457)

عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن من أسرج في بيت المقدس سراجاً لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوؤه في المسجد

فالحديث رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده وأبو الشيخ بدون ذكر الكنس    ينظر: السيوطي، إتحاف 1/ 153

القنديل في الصورة زجاجيّ مذهّب، أوقفه أمير الشام تنكز (1310 - 1340م) على مدرسته في القدس، وقد نُقِلَ في فترة لاحقة إلى المسجد الإبراهيميّ في الخليل، وفي عام 1927 نُقِلَ إلى المتحف الإسلاميّ. يحمل القنديل نصًّا قرآنيًّا من سورة التوبة: "إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر

المتحف الإسلامي متحف في الحرم القدسي الشريف يقع إلى الغرب من المسجد الأقصى في القدس الشرقية. يحتوي المتحف على عروض من عشرة حقب من التاريخ الإسلامي بالأصل، كان المتحف الإسلامي قاعة تابعة لمدرسة فخر الدين محمد المجاورة، بناها المنصور قلاوون أثناء الحكم المملوكي لفلسطين عام 1282. بني المتحف الحديث بأمر من المجلس الإسلامي الأعلى عام 1923،

القبة النحوية :هي إحدى القباب الأيوبية داخل باحات الأقصى، وتستخدم اليوم مقرا لمحكمة الاستئناف الشرعية، وما زالت البئر موجودة أسفلها لكنها غير مستخدمة.

الشقف: هي قطع الخزف أو الفخار

أبو اليمن مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، النجف: المكتبة الحيدرية ومطبعتها، 1966، ج2، ص 179- 180.

الأستاذ ماهر أبو طير 

الصحافيّة هبة أصلان

اصدار هيئة أشراف بيت المقدس