• 27 حزيران 2022
  • حكايات مقدسية

 

 القدس - أخبار البلد - نشرت صحيفة الدستور الأردنية مقالة  موسعة عن كنيسة القيامة  في القدس الشريف بما في ذلك  حكاية مفاتيح الكنيسة والترميم  والدعم الهاشمي  وغيرها من التفاصيل ، والذي يسعدنا في شبكة " أخبار البلد"  إعادة نشر تلك المقالة : 

يعتبر كنيسة القيامة بيته الثاني، وهو من ورث عبر التاريخ المتواتر والموثق أمانة الحفاظ على مفاتيحها، فمنذ ان حرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس من الصليبيين عام 1187م وقام بإرجاع أمانات الكنائس لأصحابها المسيحيين تعهد بأن يسير على خطى الفاروق الخليفة عمر بن الخطاب عندما أعطى حرية العبادة وبناء الكنائس والأمن والأمان للمسيحيين في المدينة.

ومنذ ذلك الحين غدا آل جودة الحسيني أمناء مفاتيح واحدة من اقدس الاماكن المسيحية في العالم، انهم المسلمون الذين يحتفظون بمفتاح كنيسة القيامة، ويختمون بالشمع الباب الذي يخرج منه النور المقدس، مجسدين صورة حية للعيش الإسلامي المسيحي الحقيقي، محفورة في القدس منذ مئات السنين.

ضيف «الدستور»أديب بن جواد بن محمد جودة الحسيني «آل غضية الهاشمي» امين مفتاح كنيسة القيامة المقدسة وحامل ختم القبر المقدس، في حوار خاص يروي فيه حاضر المكان الذي يعيش ترميما هاشميا سخيا، واعتداءات وضغوطات من الكيان الاسرائيلي الغاصب، وتاليا نص الحوار:

الدستور: الوصاية التاريخية للهاشميين على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ما اهميتها اليوم؟

- الحسيني: وقعت مدينة القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي في حزيران سنة 1967 ومنذ ذلك الحين الموقف الاردني الثابت وهو ان القدس الشرقية هي أرض محتلة والسيادة عليها هي للفلسطينيين، واما الوصاية على مقدساتها الاسلامية والمسيحية فهي هاشمية، حيث يتولى هذه الوصاية ملك المملكة الاردنية الهاشمية، وهي اليوم في عهدة  جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي لم يتوان ابدا كأبيه وأجداده عن صون المقدسات وحمايتها، مؤكدا على الدوام الموقف الاردني بأن القدس الشرقية هي جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967.

ويؤكد الاردن قيادة وحكومة وشعبا دائما أن جميع الاجراءات الاسرائيلية الاحادية سواء في ما يتعلق بالنشاطات الاستيطانية ومصادرة الاراضي او التهجير او تغيير طابع المدينة هي إجراءات مخالفة للقانون الدولي وللقرارات الدولية ذات الصلة بموضوع القدس. 

وتمارس المملكة الاردنية الهاشمية مسؤوليتها تجاه المقدسات في القدس انطلاقًا من الوصاية الهاشمية التاريخية عليها، فقد ارتبط الهاشميون تاريخيا جيلا بعد جيل في المدينة المقدسة، فحفظوا لها مكانتها، وقاموا وما يزالون القائمين على رعايتها خير رعاية، مستندين إلى ارثٍ ديني وتاريخي وقومي، حيث إن العائلة الهاشمية من نسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وستبقى القدس على رأس أولويات جلالة الملك عبدالله الثاني كما كان أسلافه رحمهم الله، وللتذكير بأن هذه الوصاية التاريخية قدمت للهاشميين عام 1924 من قبل الفلسطينيين حيث قدمت حينها للشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه والذي كان أول المتبرعين لاعادة اعمار المسجد الاقصى المبارك، حيث بادر حينها مع الامير عبدالله رحمه الله الى تقديم مبلغ 50 ألف ليرة ذهبية وذلك من اجل إعمار المقدسات وهو ما سُمي (الإعمار الهاشمي الاول). 

وتغير المملكة الاردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الاهتمام الكبير للكنائس في مدينة القدس وفلسطين، وتعمل دائمًا على منع وقوع الانتهاكات الاسرائيلية على الكنائس وتقدم ايضا الدعم والاسناد للمسيحيين وتمكنهم من الإشراف على كنائسهم وعقاراتهم وفقا للوضع القائم (الستاتيكو)، حيث يمارس الاردن الضغوط على الاحتلال وذلك من أجل منع تغيير المعالم التاريخية والتراثية للمدينة المقدسة، وانطلاقًا من الوصاية الهاشمية التاريخية والتي يتولاها جلالة الملك عبدالله الثاني والدور الهام في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية وحمايتهم من الاعتداءات، حيث يعمل ايضا جلالته على تثبيت عروبة القدس واهلها وتعزيز صمودهم على ارضها المباركة.

باختصار اننا اليوم نجدد الالتزام اكثر بهذه الوصاية الشرعية التاريخية العادلة.

الدستور: أين وصل الترميم الهاشمي الثاني لكنيسة القيامة؟ لنتحدث أكثر عن عملية الترميم؟

- الحسيني: إن المكارم الملكية من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني لا تتوقف وهي دائمة باستمرار، وترميمات كنيسة القيامة لا تتوقف على مدار السنة، الكنيسة تخضع دائما وباستمرار للترميمات والتصليحات المختلفة وذلك بسبب طبيعة المنطقة الصخرية والمتشعبة بالرطوبة، حيث يُلزم الكنائس بالعمل باستمرار للحفاظ على الكنيسة الاثرية من وقوع الأضرار الطبيعة لها. 

في العام 2017 تم الانتهاء من ترميم مقصورة القبر المقدس وكان ذلك على نفقة جلالة الملك عبدالله الثاني حيث يحرص جلالته على ان تكون كنيسة القيامة على أفضل حال، وها نحن اليوم نشهد دعما آخر من جلالته وهو ترميم ارضية كنيسة القيامة المتآكلة على مر الزمان وذلك على نفقة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، حيث تحظى كنيسة القيامة باهتمام بالغ من جلالته كما هي المقدسات الاسلامية ايضا، حيث يشير جلالته دائما الى ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها، هذا الدور الأمين على المقدسات الاسلامية والمسيحية والذي يقدره ويحترمه الشعب الفلسطيني.

في عام 2021 وبالتحديد في 2021/9/27 تم إبرام اتفاقية من قبل رؤوساء الكنائس والتي تنص على صيانة وتجديد أرضية كنيسة القيامة المقدسة. 

بتاريخ 2022/3/15 بدأت أعمال صيانة أرضية كنيسة القيامة حيث كانت محصورة في بقعة صغيرة دخل كنيسة الاقواس السبعة المعروفة بكنيسة اقواس السيدة مريم.

بعد مشاهدتي اليومية لأعمال الترميم لا استطيع الا ان اصرح بأنها حقيقة عملية حساسة في بداية الامر، وانها أعمال صعبة جدا ومعقدة بعض الشيء من حيث الموقع واثرية المكان وقدسيته. 

اعمال الترميم اليوم اخذت بالتوسع حيث تم إغلاق مرافق عدة داخل الكنيسة منها جزء من الجدار الخارجي لمقمورة القبر المقدس، وكنيسة الاقواس السبعة (أقواس السيدة مريم)، حيث يشرف على هذه الاعمال فريق متخصص من جامعة (سابينزا) الايطالية، هذه الجامعة والتي صنفت في المركز الاول من بين ثلاثين جامعة اوروبية كبرى في العالم، هذا وقد قام هذا الفريق اليوم في الكشف عن جدران الهيكل والذي يعود تاريخه الى العصر الروماني، والذي سبق بناء كنيسة القيامة، أي في عهد الامبراطور قسطنطين، وتم الكشف ايضا عن اثار بنيت في عهد الاباطرة البيزنطيين، حيث تم الكشف عن احدى الصخور في الجزء الشمالي الشرقي من الأرضية التي تدعم مقمورة القبر المقدس، حيث نشاهد صخرة منحوتة برسم مخطط مقمورة القبر المقدس. 

وستشمل أعمال ترميم أرضية كنيسة القيامة، استبدال خطوط الصرف الصحي بخطوط جديدة، تمديد شبكات كهرباء، تمديد شبكات اتصالات وتكنولوجيا متطورة، ترميم ارضية كنيسة القيامة حيث سيتم استبدال البلاط المتضرر والذي يستحيل ترميمه بقطع تليق بقدسية المكان وتاريخه العريق. 

اما بالنسبة للمدة الزمنية المحددة لهذه الترميمات فهي كما حددها المختصون ستستغرق 26 شهرا قابلة للتجديد، اما التكلفة الاولية لاعمال الترميم كاملة فهي 11 مليون يورو.

الدستور: في القدس يتم التضييق على المسيحيين من قبل سلطات الاحتلال؟ هل هذا نوع من تفريغ القدس ممن تبقى من مسيحييها؟

- الحسيني: التضيقات مستمرة دائما من قبل الاحتلال على المجتمع المسيحي في المدينة المقدسة، واكبر دليل على ذلك هو ما نشاهده عبر وسائل الإعلام، وما يشاهده المواطنون على ارض الواقع في مناسبة عيد الفصح المجيد، حيث تقوم قوات الاحتلال بإغلاق جميع الطرق المؤدية الى كنيسة القيامة من اجل الاحتفال بهذا اليوم الديني الكبير لدى ابناء الشعب المسيحي، حيث يختلق الاحتلال الحجج الواهية مدعية سلامة الحجيج، وتم في هذا اليوم المبارك إغلاق الطرق المؤدية الى الوصول الى كنيسة القيامة ومنع المؤمنين من الوصول للاحتفال بصلوات عيد الفصح المجيد، وكانت قوات الاحتلال تنتشر بأعدادها الهائلة والتي تفوق أعداد المشاركين بالطقوس الدينية، وتقوم بنشر المتاريس الحديدية ومنع المؤمنين من الوصول الى الكنيسة بالقوة المفرطة حيث يقوم عدد من افراد الشرطة بالاعتداءات الجسدية على العامة وعلى رجال الدين والراهبات ايضا وذلك لمنعهم من الوصول الى كنيسة القيامة من اجل الاحتفال بالعيد المجيد، وقامت ايضا قوات الاحتلال باعتقال المواطنين بدعوى الاعتداء على رجال الامن واعاقة اعمالهم. 

هذه الاعمال الهمجية من قبل قوات الاحتلال تستنكرها الكنائس والمجتمع الدولي والمدني، وفي هذا العام قامت وزارة الخارجية الاردنية بمطالبة الحكومة الاسرائيلية والضغط عليها لوقف تغولها على مدينة القدس ومقدساتها المسيحية والاسلامية وإجبارها على التراجع فورا عن التضييقات والعراقيل التي تضعها في طريق المصلين والسماح لهم بحرية العبادة كما هي الاعراف والقوانين الدولية بشأن حرية العبادة في جميع الدول.

الدستور: اعتداءات الجمعيات المتطرفة على العقارات الارثوذكسية مؤخرا.. هل هو نوع جديد من الاعتداءات على الممتلكات بغلاف قرار قانوني بالنسبة للاحتلال؟

- الحسيني: تهديد الجمعيات والمؤسسات الصهيونية المتطرفة للمجتمعات المسيحية وممتلكاتهم وعقاراتهم لم تتوقف منذ العام 1948، حيث تسعى حكومة الاحتلال بمساعدة جمعياتها الصهيونية المتطرفة وبمساعدة الجهاز القضائي الاسرائيلي الى القضاء على الوجود المسيحي وخصوصا في مدينة القدس، حيث تعمل دائمًا بمخططات واساليب مشبوهة مثل التهديد وتزوير الوثائق وما شابه من اساليب احتيالية عديدة وذلك من اجل الاستيلاء على الممتلكات والعقارات التابعة للكنائس المختلفة في فلسطين، حيث تشهد اليوم الكنيسة الارثوذكسية هجمات وحشية من قبل المؤسسات المتطرفة وذلك في الاستيلاء على عدة عقارات تقع في قلب المدينة المقدسة حيث موقعها الاستراتيجي يساندها في اعمالها المشبوهة الحكومة الاسرائيلية ومؤسساتها القضائية العنصرية.

وتقود الكنيسة الارثوذكسية وعلى رأسها غبطة بطريرك القدس ثيوفيلوس الثالث، حربا شعواء ضد قرارات جهاز القضاء في الحكومة الاسرائيلية العنصرية منذ اكثر من 10 سنوات، بكل ما أوتي من قوة من اجل عدم المساس بعقارات الكنيسة الارثوذكسية، فهو يسعى يوميا من خلال لقاءاته مع شخصيات سياسية ووطنية من اجل وقف الاعتداءات على الممتلكات المسيحية الارثوذكسية حيث يقف ايضا بجانب بطريرك المدينة المقدسة جميع رؤساء الكنائس والشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين، ويقف ايضا مناصرا لهذه الحرب والتي يقودها غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثاني، جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس. 

كلنا أمل بأن ينتصر غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث في نضاله الشرس ضد هؤلاء المعتدين على املاك الكنيسة الارثوذكسية، فجميع الشرفاء في مدينة القدس يقدر هذا العمل الوطني والذي يقوم به غبطة بطريرك القدس وذلك من اجل منع المستوطنين المتطرفين من وضع اليد على ممتلكات الكنيسة الارثوذكسية او غيرها من عقارات الكنائس الاخرى او اي عقار يقع في البلدة القديمة.

الدستور: كيف تسير الحياة في مدينة القدس؟ هل عاد اليها زوارها بعد جائحة كورونا؟

- الحسيني: منذ العام 2020 شُلت المدينة المقدسة وذلك بسبب غزو جائحة كورونا، حيث غزى هذا الفيروس القاتل العالم فحصد ارواحا كثيرة واصاب الاقتصاد العالمي باضرار كبيرة. 

اغلقت الاسواق التجارية ابوابها في مدينة القدس وتم ايضا اغلاق الحدود والمطارات، حيث اغلق الاحتلال الاسرائيلي مجاله الجوي وبسبب تفشي الامراض شُلت الحركات التجارية واغلقت الاسواق والجوامع والكنائس ابوابها ومنذ سنتين لم تر مدينة القدس زائرا.

في شهر نيسان من هذا العام بدأت القيود والتي اصدرتها وزارة الصحة الاسرائيلية الى الانخفاض نسبيا وذلك مع انخفاض تصاعد اعداد المصابين وبعد تجاوب المواطنين لاخد اللقاحات ضد فيروس كورونا، ومع حلول عيد الفصح المجيد بدأت الاسواق الفلسطينية تستعيد انفاسها بشكل تدريجي، ولكن ليس حسب ما توقعه التاجر الفلسطيني، حيث ان السياحة لم تتجاوز 10 % منذ فك القيود على السياح الوافدين، ولكن ومع الاسف الشديد حتى فرحة المواطن الفلسطيني بفك القيود واستقبال اعداد ضئيلة جدا من السياح اعلنت قبل ايام وزارة الصحة ببدء الموجة السادسة لفيروس كورونا حيث بدأ ارقام المرضى بالتصاعد ونشرت الوزارة بالالتزام بمعايير الصحة العامة والتباعد ووضع الكمامات في الاماكن المغلقة، وتحذر اليوم وزارة الصحة من اتخاذ الاجراءات الاكثر صعوبة في حالة ارتفاع الاصابات بفيروس كورونا. 

هذه الاخبار طبعا لا تأتي على المواطن بخير، وهنا باعتقادي سنعود ادراجنا الى الوراء فما زالت كورونا تسكننا حتى بعد تلقينا اللقاح الثالث.

يذكر بأنه وقبل تفشي فيروس كورونا كانت المدينة المقدسة تستقبل ما يزيد على مليون سائح من جميع انحاء العالم ومن جميع الجنسيات العربية والاجنبية منهم الروس والامريكان والاوكران والبريطانيون والاتراك والماليزيون ومن عدد من الدول العربية الشقيقة، لكن ومع الاسف بعد تفشي كورونا لم تستقبل المدينة المقدسة سوى عدة مئات من السياح والذين ايضا انقطعوا في هذه الايام بسبب تفشي الموجه السادسة من فيروس كورونا.--