• 15 كانون أول 2022
  • حكايات مقدسية

 

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

فَزَّاعَةُ الطُّيُورِ: تِمْثَالٌ عَلَى شَكْلِ إِنْسَانٍ مِنَ الْقَشِّ وَالثَّوْبِ يُنْصَبُ فِي الْمَزَارِعِ لِتَخْوِيفِ الطُّيُورِ وَالحْيَوَانَاتِ وهي دمية يصنعها المزارع وتكون على هيئة شخص يتم صناعتها من الخشب والملابس القديمة ويتم تثبيتها في الحقول. في دول الخليج تُسمى خيال المآته أو المِجْدَار وتُسمى في بلاد الشام "المخيال" وفي اللهجة المصرية وهي كلمة فرعونية الأصل وفي اللهجات العمانية (الرُوْع). وفي بعض لهجات العراق. (خرّاعة الخضرة) و"نطُاٌر" وهو ما يكون على هيئة رجل ينصب في الزرع لإخافة الطيور وإبعاد الحيوانات المضرة به من "نوطورو". أراميه (معربة). وهناك أسماء كثيرة للفزاعة مثل البعبع وهي دمية أو مانيكان عادة على شكل إنسان مصنوعة من القش المخبأ في ثياب. والمخيول يصنعها الراعي وهي عصا طويلة تركز في الأرض يضع الراعي عليها عباءته، ليوهم الأغنام بوجوده فلا تذهب بعيدا، ولتخويف السباع فتظنه أنسانا. والمخيول هو ما يكون على هيئة رجل ينصب بين الزرع لإخافة العصافير.

 تعمل الفزاعة على حماية الحقل من اللصوص والعابثين أحياناً   وقد أطلق عليهً بعض الفلاحين (شرشوح القثة) تستخدم الفزاعات عادة لإخافة الطيور أو كأهداف للتدريب على الرمي أو ضربات السيف أو كدمى للحرق أو للفت انتباه الثيران. 

والغرض من صناعتها هو اسم على مسمى لتخويف الطيور والحيوانات التي قد تغزو وتهجم على المحاصيل الزراعية وتصيبها بالخراب والدمار في معظم الأحيان. وهذه الدمية تكون مصنوعة في معظم الأحيان على هيئة رجل ممدود الأيدي والأرجل وهذا دليل على السيطرة والقوة  

تفاوتت علاقة البشر والطيور بين حرب وسلام. فهناك الطيور المغرّدة التي يهوى الناس زقزقتها ويحاولون حبسها في أقفاص داخل بيوتهم، أو يتمتعون بوجودها في الطبيعة فيكتبون فيها شعراً ويمتدحون ألوانها وطيرانها وحريتها. وهناك الطيور المدجّنة أو البرية الصالحة للأكل بعد صيدها، ثم الطيور الكاسرة التي يحاولون الابتعاد عنها أو طردها من محيطهم. لكن حين يتعلّق الأمر بالحفاظ على الغلال المزروعة تنطلق الحرب بين البشر والطير، 

ويعبر شمس التبريزي عن بعض حالات الخوف الناجمة عن الوهم فيقول: "رأيت حشوداً من الناس في ذعر وهلع. تقدمت.. خوَّفوني. قالوا: حذَارِ ففي الداخل تنين يستطيع أن يجعل العالم كله لقمة واحدة. لم أُعِر الأمر أهمية، تقدمت أكثر. رأيت بابا حديديا ضخما مغلقا. قال أحدهم: هنا التنين ذو الرؤوس السبعة، فلا تحم حول الباب. اندفعت، كسرت القفل ودخلت. رأيت دودة صغيرة سحقتها تحت قدمي، وخرجت"! أراد شمس التبريزي أن يقول:

 إن بعض مخاوفنا مجرد أوهام، وإن التفكير فيما نخشاه لا يعالج الشعور بالخوف. فقد يكون ما نخشاه فزَّاعةً من قشّ وقماش، أو نمراً من ورق. وإن أفضل طريقة للتحرر من الخوف، هي الطريقة التي تلخصها الحكمة القائلة: "إذا هبتَ أمراً فقعْ فيه".

وفي المجال السياسي فإن اختلاق العدو الفزاعة أسلوب قديم، وقد انتهجته الدول الكبرى وسخَّرت لخدمته المنابر الإعلامية المختلفة، إما لبسط الهيمنة التي ترتدي قناع الحماية، أو لغرض اقتصادي يهدف إلى إنعاش سوق بيع الأسلحة. ذلك أن الخوف من المجهول في عالم تتقاذفه رياح الأزمات والصراعات دافعٌ قوي للبحث عن عوامل القوة والمنعة. لكن القوة وحدها لا تمنع الكارثة. ما يمنعها هو تحكيم العقل. وقد لخص المتنبي هذا المعنى بقوله: "الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ". أما في المجال الثقافي فقد نصب بعضهم فزَّاعة ثقافية تؤدي إلى الانغلاق على الذات، عندما صوَّروا التَّماس مع الثقافات الأخرى استلابا وغزوا ثقافيا، واعتبروا التواصل الثقافي طمساً للهوية، وحوَّلوا مفهوم الخصوصية ومسألة الهوية إلى جدران عازلة. لا شيء أسرع انتشارا كالخوف.

ولسان الحال  كم من فزاعة أُحيكت  في وطننا  المقهور  يصنع الساسة العرب بمهارة فائقة التميز  كل يوم فزّاعة  جديدة، يتم نصبها في كل زاوية من زوايا الوطن ، يمنحونها حجماً أكبر من حجمها  ، يوظفون و يستثمرون وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئية الرسمية و أحياناً غير الرسمية حتى يجعلونها ترتدي الملابس المخيفة وعلى قاعدة من يملك الإعلام يملك الرأي العام و بعد فترة قصيرة تصبح الشعوب تنظر إليها برعب ووجل وهي ليست سوى قطعة قماش معلقة في عصا تم نصبها في عقولهم في رأس كل منا فزّاعة  لها شكل مختلف  هذه  فزّاعة  نصبها السياسي البارع ، وتلك  فزّاعة أخرى  صنعتها ثقافة الأمة التي هي عبارة عن نمط الحياة السائد بين أفراد المجتمع ، و  فزّاعة  ثالثة من صنع التربوي الماهر و رابعة من صنع اقتصادي حاذق ، و خامسة توارثناها أب عن جد .. كما حكايات الجدات والأمهات المرعبة ومهمة كل فزّاعة طرد طيور الأفكار الحرة من حقل الرأس.

دائمًا ما يلجأ النظام المستبد في سبيل توطيد حكمه إلى القمع والبطش بمعارضيه، حتى وإن كان رأيهم فيه الصواب، ضاربًا بكل القوانين والحريات عرض الحائط، وما ينتج من ذلك من آثار تساعد على توطيد الاستبداد المشؤوم مستغلًا حالة الخوف والرعب التي تُصيب الأسرى، ويرتكز في ذلك إلى المثل القائل «اضرب المربوط يخاف السايب»، 

فهو ينكل بالمعارضين أصحاب الرأي الذين يملكون رصيدًا من المجد في نفوس العامة بغرض بث الرعب، وسلب حق الرأي من نفوس العامة ولكن ما القمع؟ لغة/ قمع الشخص: أبعده عما يريد وقهره، وفي السياسة: وهو اضطهاد فرد أو مجموعة بهدف تقييدهم ومنعهم من المشاركة في نواحي الحياة 

 وفي فلسطين يستمر قادة الكيان التنمر كفزاعة للتغطية على سياساتهم في إنكار وتجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والعمل على الهيمنة ونفوذها في المنطقة باستباحة العالم العربي باسم التطبيع وفتح أبواب السلام على مصراعيه والأغرب نرى قادة الدول العربية يهرولون بأمر من أسيادهم خوفاً ووجلاً يلهثون في سراب دامس وظلام حالك وأسى ً مقيم وشرٌ شاملٌ وأذى ً شديد رغماً عن أُنوف شعوبهم وحفاظاً على كراسيهم بسلام مُوبِئ يُقصف منذ قرنٍ ونيف بشتى صنوف المآسي والعذابات بغية انتزاعه من حالة استعصائه على الانقياد فوق أرض المسرى والأسرى وظلم السجان وهدم البيوت وقطع الزيتون وتزوير طال التغيير أسماء 667 موقعا تراثيا وأثريا في القدس، مشيرة إلى وجود تدمير ممنهج لجميع المواقع التراثية والأثرية المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة أظهرتها المرئيات الفضائية المأخوذة من المدينة عبر التسلسل الزمني. والعبث بالآثار التاريخية أو ذات الطابع التاريخي قد يشكل جريمة حرب وهو يرقى إلى مرتبة التشويه والإضرار بالآثار ذات الطابع التاريخي أو الديني.

وعلى ضوء ذلك نرى قادة الكيان أقصى غلاة ساستهم من تربع سدة الحكم البطش وعبارات القذف والتهديد والتوعد إلى متى يستمر هذا العبث والاستغلال واللعب الوقح من قبلهم على حساب الأرض والشعب الفلسطيني أولا وعلى حساب بقية الشعوب العربية ثانية؟!

لقد وصل الأمر بهم إلى آتون المقدسات (المسجد الأقصى المبارك)

والدعوة لتقسيم الزمان والمكان بل لأحلام تجاوزت شتى أنواع القهر والظلم وتناسيتم ماذا فعل بكم الغرب والنازيون منذ سنوات خلت من تنكيل وإجرام 

وبالمقابل أتذكرون كيف كان رغد العيش في العالم العربي والإسلامي ارجعوا إلى أباءكم ينبؤنكم هل نسيتم ام تناسيتم؟؟؟

قال المخدوعون إذا صرح الملثم صدقوه.!

لقد آن الأوان لوقف هذا العبث المركب واللامعقول في المنطقة من أجل أن يتمتع الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة، حتى يسود الأمن والسلام في المنطقة..  إن استمرار هذه السياسات العبثية والعدوانية غير العقلانية التي ينتهجها الكيان المتكامل مع دور الفزاعة الصهيونية تمثل التحدي الكبير والخطير للأمن والسلم ولمستقبل شعوب المنطقة، يجب أن تتوقف وأن يوضع لها حد، حتى تستعيد المنطقة أمنها واستقرارها أليس فيهم رجل رشيد يوقف العبث بنار تأكل الأخضر واليابس لا تبقى ولاتذر

ورسالة ثانية 

في عالم المتناقضات، وحين نرى الضعاف غير المؤهلين يتولون أمور الناس، فتضيع حقوقهم بل كرامتهم ومقدرات بلدانهم، ينقدح في الذهن سؤال: 

كيف وصل هؤلاء إلى مواقع المسؤولية؟ وهلا استشعروا أمانة هذه المسؤولية وحقوق الرعية؟ وهلا تذكروا أنه مثلما لهم حقوق فعليهم حقوق؛ بل بدأ الله بذكر واجباتهم (حقوق الرعية) ليكونوا قدوة، ومن ثم جاءت واجبات الرعية (حقوق الراعي)؟

في هذا الشأن، استوقفني حديث النبي صلى الله عليه وسلم في نهي أبي ذر الغفاري عن تولي الإمارة، حين قال له: 

“يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الأمانة عليه فيها نحتاج في واقعنا إلى الصراحة مع النصيحة، وتعظيم حقوق الناس؛ فلا تستقيم الحياة وتزدهر إلا بالطمأنينة؛ ولا طمأنينة بدون عدالة ورعاية لحقوق الناس. فحين يكون المسؤولون قدوة، عندها فقط تكون الطاعة المنبئة عن رضا، ويكون الولاء المفضي إلى تضحية وتفانٍ، ويكون الإبداع الذي طالما كان في دولة الحق والعدل. ورحم الله ابن تيمية وهو يؤكد: “إن الله يؤيد الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يؤيد الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة”. وهي هنا مسلمة شكلاً لا مضمونا، فلو كانت مسلمة فعلاً لكانت عادلة، لأن العدل أساس الحكم.

المراجع 

المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 

شمس الدين التبريزي محمد بن ملك داد التبريزي (مواليد 1185 تبريز- 1248 خوي)، (582-645 هـ) عارف وشاعر متصوف، كتب جل شعره بالفارسية وأقله بالتركية والعربية، مسلم صوفي المشرب شافعي المذهب يُنسب إلى مدينة تبريز. يُعتبر المُعلم الروحي لجلال الدين الرومي (مولانا). كتب ديوان التبريزي (الديوان الكبير) الذي كتبه في مجال العِشق الإلهي.

أبو الطيّب المُتنبّي واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي ولقبه شاعر العرب (303هـ - 354هـ) (915م - 965م)؛ أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكنًا من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، 

أبو ذر جُنْدَب بن جنادة الغفاري (المتوفى سنة 31 هـ أو 32 هـ) صحابي من السابقين إلى الإسلام. قيل إنَّه رابع أو خامس من دخل في الإسلام، وأحد الذين جهروا بالإسلام في مكة قبل الهجرة النبوية.

جدعون ليفي/هآرتس 30/6/2010 - 

إصدارات هيئة أشراف بيت المقدس