• 7 كانون الثاني 2023
  • حكايات مقدسية

 

 إعداد :  حازم زكي البكري

 

مُقدمه: 

تعلق أفئدة وقلوب  البكريين أحفاد الخليفة ابي بكر الصديق كغيرهم من المُسلمين  في بيت المقدس وأكنافها لزيارته او الإقامة فيه  إمتثالاُ للتوجيه السماوي والحث النبوي ,  فعن  ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: "أرض المحشر، والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره"، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: "فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه". 

وعَنْ ذِي الأَصَابِعِ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِ ابْتُلِينَا بِالْبَقَاءِ بَعْدَكَ ، فَأَيْنَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَنْزِلَ ؟ قَالَ : " انْزِلْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ ذُرِّيَّةً يَعْمُرُونَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ ، يَغْدُونَ إِلَيْهِ وَيَرُوحُونَ "

وقد ألف جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي البكري الصديقي التيمي القرشي المتوفى عام 597 هجري كتابه عن تاريخ بيت المقدس وفضائله هذا الكتاب يتحدث عن بيت المقدس، ويروي لنا الكثير من الآثار والأخبار والأحاديث التي جاءت في هذه البقعة المباركة، ويوضح تاريخ بيت المقدس منذ القدم، وما مر به من الأحداث، و يسلط الضوء على فضل الصلاة في بيت المقدس، وفضل الإحرام فيه، وفضل الصدقة والصيام فيه، ويحدثنا عن الصخرة وأنها من الجنة، وعن البلاطة السوداء ومن أين تدخل الصخرة، وفي قبة المعراج، ويحدثنا عن عين سلوان وبناء بيت المقدس وفضل جب الورقة، وفضل الساهرة وفضل من مات بها.

ومن مشاهير  البكريين الذين شاركوا في تحرير فلسطين من الفرنجه

الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ ابي النجيب السهروردي البكري الصديقي

قبل الحديث عن شيخنا عبد اللطيف البكري الصديقي الذي شارك بتحرير عكا من الفرنجة ,  نبدأ بالتعريف بأبيه الذي رفض الاقامة في بيت المقدس بسبب انفساخ الهدنة مع الفرنج وهو الفقيه الشافعي المتصوف أبو النجيب السهروردي  (واسمه عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه بن سعد البكري الصديقي) ، ، ولد بسهرورد (1) عام 490 هـ \1097 م واليها يُنسب (وهي بلدة قريبة من زنجان) وهو عم شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي البغدادي  مؤسس الطريقة السهرورديه.

وأبو النجيب من نسل الخليفة ابي بكر الصديق رضي الله عنه , توجه إلى الشام سنة سبع وخمسين وخمسمائة (557 هجرية) لزيارة بيت المقدس والاقامة فيها، فلم يتفق له ذلك لانفساخ الهدنة (2) بين المسلمين  ,  والفرنج فأقام بدمشق مدة يسيرة، وعقد له مجلس الوعظ وأكرم الملك العادل مورده، وعاد إلى بغداد،  ودرس الحديث فيها في المدرسة النظامية وبنى فيها على الشط الغربي (رباطاً) , ولُقب بمفتي العراقيين وقدوة الفريقين  وكانت وفاته في بغداد عام  553 هـ \1168م.

من آثاره «آداب المريدين» و«شرح الأسماء الحسنى» و«غريب المصابيح».  

وقد خرج من بيت السهروردي البكري الصديقي جماعة من اهل العلم والمشايخ والفقهاء (3)  .

انجب الفقيه ابو ابو النجيب السهرورود ولده (4) عبد اللطيف سنة 534 للهجره في بغداد الذي تفقه على يده ثم سافر الشيخ عبد اللطيف  الى خراسان ودخل ما وراء النهر فوفد على (الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي  ) (5) وأصبح الشيخ عبد اللطيف بن عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه ابو محمد بن الشيخ ابي النجيب السهروردي (البكري الصديقي) مع الفقيه ضياء الدين عيسى الهكاري (6)  من قادة الناصر صلاح الدين الذين شاركوه  بتحرير عكا الذي أتمه الله عليهم في الجمعة الثانية من شهر جمادي الاول من عام 573 هـ بعد حصار.

ويوم التحرير أسند  الناصر صلاح الدين للشيخ عبد اللطيف البكري الصديقي أمر الخطابة والإمامة في عكا , فأول ما قام به شيخنا عبد اللطيف بإعادة الكنيسة العظمى الى أصلها كمسجد جامع وامر ببناء القبلة والمنبر وأقام بها  اول صلاة جمعة جامعة بالساحل الشامي (7) . 

وقد وصف ابن جبير(8)  احوال مساجد عكا  أثناء احتلالها حيث قال:

“انتزعها الإفرنج من أيدي المسلمين في العشر الأول من المئة السادسة، فبكى لها الإسلام ملء جفونه، وكانت أحد شجونه، فعادت مساجدها كنائس، وصوامعها مضارب للنواقس. وطهر الله من مسجدها الجامع بقعة، بقيت بأيدي المسلمين مسجداً صغيراً، يجتمع الغرباء منهم فيه لإقامة فريضة الصلاة، وعند محرابه قبر صالح النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء، فحرس الله هذه البقعة من رجس الكفرة ببركة هذا القبر المقدس."

وكان للشيخ عبد اللطيف البكري اليد البيضاء في عودة مساجد عكا الى سابق عهدها  .

وقد اكرم الناصر صلاح الدين الايوبي شيخنا البكري عبد اللطيف بن ابي النجيب السهرودري بأن عينه على قضاء كل بلد فتحه واسند اليه عدة مناصب على عكا منها الخطابة والامامه والقضاء والحسبة والوقف   .(9)

وكما اكرم ايضا الناصر صلاح الدين  الفقيه الهكاري فخصص له بعد فتح عكا كل ما يتعلق بجماعة الفرسان الداويه (10)  من منازل وضياع ومواضع ورباع(11)  فأخذها بما فيها من غلال ومتاع.

واستمر شيخنا عبد اللطيف البكري الصديقي بالجهاد ثم سافر الى بغداد واقام بها مدة ثم عاد إلى بغداد، ودرس بمدرسة والده(12) وانتقل بعد ذلك  الى اربل(13) حتى توفاه الله بها سنة 610 هـ .

الهوامش

 

1- سهرورد: بضم أوَّله، وسكون ثانيه، وفتح الراء والواو، وسكون الراء، ودال مهملة، هي بلدة قريبة من "زنجان" بالجبال، هكذا وصفها ياقوت الحموي في معجم البلدان.

2- عقد الناصر صلاح الدين أكثر من هدنة مع الفرنجة وابرزها في الأعوام 571 و 584 , و587 هجري.

3- من هؤلاء اهل العلم وغير المذكورين في هذا البحث  :

• عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن بن عبد الله بن السهروردي، أبو حفص، وأبو عبدالله، الصوفي الواعظ، ابن أخي الشيخ أبي النجيب، فقد قتل والده وعمره 6 شهور، فنشأ في حجر عمه أبي النجيب، وقدم معه من سُهْرَوَرْد إلى بغداد، وعنه أخذ التصوف والوعظ، ولد سنة 539 هـ، وتوفِّي سنة 631 هـ.

• وعبدالرحيم بن عبدالقاهر بن عبدالله بن محمد بن عمويه السهروردي، تفقَّه على أبيه، ودرَّس بمدرسته، وسمع الحديث ووعظ، رحل إلى بيت المقدس، وتوفِّي بدمشق في الطريق إليها سنة 567 هـ.

• وعبدالملك بن محمد بن عمويه السهروردي، أخو عمر، وكان أصغر منه، وعم الشيخ أبي النجيب، ذكر يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي أنه رآه ببغداد، وكان صالحًا زاهدًا، وأنه عمِّر سبعًا وسبعين سنة.

• وعبيد الله بن عبدالملك السهروردي وهو محدِّث.

• ومحمد بن أعز بن عمر بن محمد بن عبد الله بن سعد البكري أبو عبد الله الصوفي السهروردي، البغدادي الدار، من أبناء المشايخ، ولد سنة​527  هـ، وتوفِّي سنة 607 هـ.

• وأسعد بن محمد بن أعز السهروردي البغدادي الدار، من بيت مشهور بالتصوف، ولد سنة 547 هـ، وتوفِّي سنة 614 هـ.

• ويحيى بن عبد الله بن أعز بن عمر السهروردي أبو زكريا، توفِّي سنة 616 هـ.

4- ووجدنا  لأبو النجيب ولد آخر اسمه عبد الرَّحِيم بن عبد القاهر بن عبد الله بن عموية السهروردي أَبُو الرِّضَا بن أبي النجيب الْوَاعِظ الصُّوفِي مَاتَ بعد السِّتين والخمسمائة الذي اعقب سيدة بنت عبد الرحيم بن أبي النجيب عبد القاهر بن عبد الله السهروردي زوجة الشيخ شهاب الدين السهروردي. ولدت في سنة ثلاث وستين.وسمعت من تجني الوهبانية. وحدثت.وأجازت للقاضي تقي الدين، ولسعد الدين، وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى بن معالي، وأحمد ابن الشحنة، والبجدي، وبنت الواسطي، وجماعة.وكان فيها صلاح، وخير، وتعبد.توفيت في سادس عشر رجب.

5- الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدُويني التكريتي (532 - 589 هـ / 1138 - 1193 م)، المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد مسلم أسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة

6- الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن أحمد بن يوسف بن القاسم ابن عيسى بن محمد بن القاسم بن محمد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هكذا أملى علي نسبه ولد ولد أخيه، ويقال له الهكاري، الملقب ضياء الدين.كان أحد الأمراء بالدولة الصلاحية، كبير القدر وافر الحرمة معولاً عليه في الآراء والمشورات  . وكان في مبدأ أمره يشتغل في الفقه بالمدرسة الزجاجية بمدينة حلب، فاتصل بالأمير أسد الدين شيركوه، عم السلطان صلاح الدين - المقدم ذكره  - وصار إمامه يصلي به الفرائض الخمس. ولما توجه أسد الدين إلى الديار المصرية، وتولى الوزارة - كما سبق شرحه - كان في صحبته.ولما توفي أسد الدين اتفق الفقيه عيسى المذكور والطواشي بهاء الدين قراقوش - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - على ترتيب السلطان صلاح الدين موضعه في الوزارة، ودققا الحيلة في ذلك حتى بلغا المقصود، وشرح ذلك يطول؛ فلما تولى صلاح الدين رأى له ذلك واعتمد عليه، ولم يكن يخرج عن رأيه، وكان كثير الإدلال عليه، يخاطبه بما لا يقدر عليه غيره من الكلام، وكان واسطة خير للناس نفع بجاهه خلقاً كثيراً.ولم يزل على مكانته وتوفر حرمته إلى أن توفي في يوم الثلاثاء عند طلوع الشمس، التاسع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالمخيم بمنزلة الخروبة، ثم نقل إلى القدس ودفن بظاهرها، رحمه الله تعالى. كتاب وفيات الأعيان [ابن خلكان]

7-  أول جمعة أقيمت بالمسجد الأقصى بعد تحريره من الصليبيين سنة 583هـ/1187م.

8- ابن جبير : من الرحالة الأفذاذ الذين زاروا الشام في أثناء الاحتلال الصليبي في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي الشاطبي البلنسي الشهير باسم ابن جبير.

9- صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 554

10- فرسان الداويه :منظمة صليبية تأسست سنة 513هـ/ 1119م فجمعت بين نقيضين: الرهبة والجدية. وعرف أعضاؤها في العصور الوسطى باسم “فرسان المسيح الفقراء”، أو “فرسان الهيكل” وسماهم مؤرخو الحروب الصليبية العرب “الداوية” وكان هدف المنظمة كمثيلتها الاسبتارية* إيواء الحجاج المسيحيين في المشافي ومداواتهم وحمايتهم.

11-الرِّبَاعُ :العقار، والْبِنَاءِ، وَحَائِطِ النَّخْل يُحَوَّطُ عَلَيْهِ بِجِدَارٍ، ونحو ذلك . ومن أمثلته البناء، والشجر يتبعان الأرض في البيع، والقسمة، ونحوها .

12- الوافي بالوفيات : دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19

13- إربل: قلعة حصينة، ومدينة كبيرة، في فضاء من الأرض واسع بسيط، ولقلعتها خندق عميق، وهي في طرف من المدينة، وسور المدينة ينقطع في نصفها، وهي على تلّ عال من التراب، عظيم واسع الرأس، وفي هذه القلعة أسواق ومنازل للرعية، وجامع للصلاة، وهي شبيهة بقلعة حلب، إلّا أنها أكبر وأوسع رقعة. وطول إربل تسع وستون درجة ونصف، وعرضها خمس وثلاثون درجة ونصف وثلث، وهي بين الزابين، تعدّ من أعمال الموصل، وبينهما مسيرة يومين.(معجم البلدان , ياقوت الحموي)