• 25 حزيران 2024
  • حكايات مقدسية

 

 

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

البارحة توجهنا لتهنئة جارنا وعياله (الحاج محمد) بعد أن أدى فريضة الحج تجاذبنا أطراف الحديث وهو يروي لنا رحلته وقد شاركنا أحدهم عن سنوات عجاف خلت كيف كان الحج قديماً واليوم

الحج هو الركن الأعظم من أركان الإسلام، من هذا المنطلق صارت رحلة الحج بالنسبة للمسلم من أهم ما يتمناه ويرجوه في حياته، فيركب لها الأهوال ويتجشم من أجلها الصعاب حتى شاع في العصر الوسيط مثلٌ يصف المجهول الذي قد يصادف الحجاج في طريق الحج ذهابًا وإيابًا بالقول "الذاهب إلى الحج مفقود والعائد منه مولود" نتيجة لصعوبة المسالك وكثرة المخاطر والمهالك في الطريق؛ إذ كان على الحاج   توديع أهله، وكتابة وصيته، فلربما لن يعود إليهم، ولن يعرفوا مثواه فالحاج المحرم أشعث أغبر  

رحلة الحج قديماً تبدأ عندما ينوي المرء أن يحج ويعقد العزم على ذلك باستعداده قبل موسم الحج بعدة أشهر، حيث يعد له راحلة يطعمها ويهتم بها لتقوى على قطع مهالك الطريق ويحاو جاهداً أن يؤمن وسيلة مواصلات ورفقة طيبة وبعد ذلك يبدأ الحاج في جمع ما يحتاجه من نقود بسيطة لقلة ذات يد الكثيرين في ذلك الزمن فتراه يضاعف جهده من أجل شراء الراحلة وتأمين لقمة العيش التي ستسد رمقه وزاده وشرابه ومؤنة عياله أثناء سفره قدر الاستطاعة 

يرتبط موسم الحج في ذاكرة المسلمين، بالعديد من القصص والروايات والطقوس التي ترافق قوافل الحجيج إلى البقاع المشرفة، ولعل أكثر ما يميز الوارد إلينا من أخبار الحج القديم التي نقرأها في الكتب ورأيناها في بعض الصور العتيقة المأخوذة منذ أكثر من قرن، هو محمل الحج العظيم. وكان المحمل العثماني مكسوا بقماش مخملي أخضر كتبت عليه آيات من القرآن الكريم ويحمله جمل عليه حلة مزركشة بأنواع الأقمشة والجلود وقد خيطت عليه الأصداف الصغيرة والمرايا

كلمة المحمل تعني الهودج المحمول على البعير (الجمل)، وغالبًا ما يُخصص لركوب النساء على الراحلة، (الهودج) ويكون مغطّى بقماش يحيط به من جميع الجهات.

أما المحمل النبوي الشريف فهو هودج مغطّى بعدة قطع من القماش المزخرف بالآيات القرآنية، كان يُحمل على جمل خاص ضمن موكب خاص مع قافلة الحج. ويحوي هذا المحمل أستار الكعبة المشرفة (الكسوة)، وهدايا ذات قيمة عالية للحرمين الشريفين، وصرة سلطانية كبيرة (كمية من الأموال) تحتوي على قطع ذهبية كثيرة ومجوهرات كريمة، توزّع على أهل الحجاز، وتصرف على إصلاح طرق الحج وموارد الماء وإعمار مكة المكرمة والمدينة المنورة ومرافق الحرم النبوي الشريف. وسمي المحمل النبوي الشريف لأنه في الأساس هدية الخلفاء إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وإلى أتباعه المسلمين في الحجاز، وخاصة في الحرمين الشريفين، ويستفيد منه الحجاج والمعتمرون. جرت العادة على إرسال كسوة للكعبة تعظيمًا لها. وبدأت عادة إرسال الصرة بانتظام إلى الحرمين الشريفين في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (295 - 320هـ / 908 - 932م). كما تشير الوثائق إلى أن حكام مصر من الفاطميين ثم السلاطين المماليك، كانوا يرسلون الكسوة وصرة إلى الحجاز أيضًا في احتفالات خاصة.

قبل سفر الحاج بأيام معدودة يتوافد جمع من أهالي القدس إلى بيت الحاج لوداعه والدعاء له، تنطلق قافلة بيت المقدس من المسجد الأقصى المبارك بعد أداء صلاة الفجر وتقام حلقات الذكر والدفوف والرايات وتشارك بعض الطرق الصوفية وتنطلق الحناجر بالأناشيد “حجنا طاح البحر في يده كيله.. يا رب ترده سالم للعيلة” وحجنا طاح البحر في يده الإبريق يا رب ترده سالم من الطريق”.

ناموا ناموا ناموا وعيني ما تنام   وعلى بير زمزم نصبوا الخيام” بهذا المقطع الغنائي نشيد خاص يسميه المقدسين “التحنين”

ثم ينتظروا يوم عودته بفارغ الصبر حين عودة الحاج   فكانوا يستقبلونه بالأهازيج وبنحر الذبائح وإعداد ولائم يدعون لها الأهل والجيران ويتم توزيع الهدايا، التي تكون عادة مسبحة أو تمرا أو سجادة للصلاة أو حناء.

وبعد تأدية فريضة الحج تأتي زيارة الحجاج لزيارة القدس، فهي كالعُمرة ليست فرضاً واجباً، إنما تختلف عنها كونها غير خاضعة لشعائر 

تقديس الحج" نسبة إلى زيارة مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك بعد فريضة الحج، عادة قديمة تعود إلى زمن الدولة العثمانية، عندما كانت الزيارة ركناً أساسياً اعتاد الحجاج على القيام به قبل الحج أو خلال رحلة العودة، يهدف إلى ربط المسجد بشعائر ركن الإسلام الأعظم وهو الحج ويُستحسن أن تبدأ رحلة العمرة من مدينة القدس، وأن ينتهي الحج بأداء الصلاة في القدس، وهو ما يُدعى بتقديس الحج. كما جرت عادة أهل مدينة القدس فكان يستحبّ الإهلال بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عند الشافعية والحنابلة كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 

مَن أَهلَّ بحجَّةٍ أو عُمرةٍ منَ المسجدِ الأقصى إلى المسجِدِ الحرامِ غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وما تأخَّرَ أو وجبَت لَهُ الجنَّةُ   

أمّا زيارة القدس، فهي كالعُمرة ليست فرضاً واجباً، إنما تختلف عنها كونها غير خاضعة لشعائر محددة. ويُستحسن أن تبدأ رحلة العمرة من مدينة القدس، وأن ينتهي الحج بأداء الصلاة في القدس، وهو ما يُدعى بتقديس الحج. ويمكنك أن تشاهد في القدس فلسطينيين أو مسلمين آخرين في لباس الإحرام وهم يستعدون للرحيل إلى مكة..

كان الحجاج قديماً يشدُّون رحالهم، بعد قضاء مناسك الحج والعمرة، نحو الأراضي المقدسة في فلسطين لإكمال شعائر الحج في المسجد الأقصى، القبلة الأولى للمسلمين والحرم الثالث، وبوصلة النضال العربي والإسلامي اليوم، في طقوس ومناسك إسلامية وعربية وقومية كانت تبجل المسجد الأقصى وتوحد الهوية الإسلامية

تعود عادة "تقديس الحج" إلى زمن الدولة العثمانية عندما كانت زيارة المسجد الأقصى ركناً أساسياً اعتاد الحجاج على القيام به في رحلة العودة بعد انتهاء موسم الحج، فهو عرف اجتماعي ترسخ مع الوقت لربط المسجد الأقصى بركن الإسلام الأعظم، وبالمسجد الحرام والمسجد النبوي.

كانت إحدى وسائل الموصلات المتجه إلى الديار الحجازية لأداء مناسك الحج بخط الحجاز عُرف في السجلات العثمانية باسم «خط شمندفر الحجاز» أو «خط حديد الحجاز الحميدي» كان الخط ينطلق من دمشق، ويتفرع من بصري جنوب سوريا إلى حطين، أحدهما يصل إلى الجنوب نحو الأردن، أما الآخر فكان يتجه غرباً نحو فلسطين، وتعد نابلس وحيفا وعكا أهم محطات الخط في فلسطين، ويتفرع من حيفا خط يربط الأخيرة بمصر. كان مسار خط الحج ينطلق من مدينة دمشق ويعبر سهل حوران ويمر بالمز يريب بالإضافة إلى عدد من المناطق الواقعة جنوب سوريا وصولاً إلى مدينة درعا ثم إلى الأردن حيث يمر بكل من المفرق والزرقاء وعمّان ومعان على التوالي، ويكمل سيره جنوباً إلى أن يدخل أراضي الحجاز حيث ينتهي بالمدينة المنورة

وعن طريق البر سواء أكانت قوافل الجمال أو المركبات تخرج قوافل الحجيج جماعات خوفاً من وعثاء السفر وسوء المنقلب 

‏تبدأ بمحمل الحج الشامي، وأمير الحج يبدأ من قصر العظم، بدمشق وهو الموكب الذي يضم الحجاج الذاهبين لتأدية فريضة الحج من بلاد الشام بعد تجمعهم بمدينة دمشق وصولاً إلى مكة المكرمة. كان المحمل الشامي يخرج من دمشق في منتصف شهر شوال ويصل مكة المكرمة أوائل ذي الحجة

ثم المحمل المصري   أول ذكر لارتباط اسم مصر بالكعبة يعود إلى زمن الخليفة عمر بن الخطاب الذي طلب صناعة كسوة الكعبة من القماش القباطي الذي اشتهرت به مدينة الفيوم المصرية. وبدأت فكرة المحمل المصري من عهد شجرة الدر في عهد المماليك، وكانت الكسوة الخاصة بالكعبة توضع في صناديق تحملها الجمال، ومع قدوم الظاهر بيبرس بدأت أشكال الاحتفال بانطلاق المحمل تزداد وتكثر، الجدير بالذكر أن بيبرس كان يُلقب بخادم الحرمين. والمحمل المصري عبارة عن إطار مربع من الخشب هرمي القمة مغطى بستار من الديباج الأحمر أو الأخضر، مطرز بخيوط من الذهب، ويوضع بداخله مصحفان صغيران

وتأتي قافلة الحج العراقي وتضم حجاج العراق وفارس، وتسلك الطريق الذي يعبر جزيرة العرب نفسها. وكان كثير من حجاج فارس والخليج العربي واليمن يفضلون طريق البحر والسفن البحرية

ثم يتبعها قافلة الحج اليمني وتضم حجيج اليمن والهند وماليزيا وإندونيسيا، وينضم إليهم حجاج الحبشة والصومال والأفارقة الذين يصلون إلى مصوع وسواكن وموانئ اليمن.

الحج صورةُ مُصغرةُ عن الإسلام لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى أوليس هذا الدين عظيم هو الرسالة الوحيدة التي تستطيع أن تنقذ العالم من الانهيار والانحلال   وتوصل البشرية إلى السعادة الحقيقية الأبدية هذا الدين العظيم الذى تضافر على خذلانه أبناؤه وأعداؤه   أصبح اليوم من أحوج الأديان إلى من يتعلمه على حقيقته كما جاء من عند الله   وكما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم 

المصادر

التخريج   أخرجه أبو داود (1741) واللفظ له، وابن ماجه (3002) بمعناه، وأحمد (26558) باختلاف يسير رواه أبو داود وابن ماجة والدار قطني والبيهقي وأحمد، وهذا الحديث ضعيف، ضعفه البخاري والمنذري وابن حزم والنووي وابن كثير وابن القيم والحافظ ابن حجر وغيرهم، قال الشيخ ابن حزم وظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور   إن الإحرام من الميقات أفضل من بيت المقدس   وكذلك ذكر القاضي وغيره من أصحابنا ثم منهم من ضعف الحديث