- 21 كانون الثاني 2025
- حكايات مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن أهرام
امشي بين الطرقات اتجول بين الحواري والازقة لعل قلمي يسعفني بكلمة أو حكاية أسردها بحروف من نور لغيرك يا قدس لن أبوح ولا ترتقيك الكلمات مقاماً ومقالا حروفي باتت عصية غير قادرة على التشكيل ياقدس من غيرك يترجم عذاباتي.. ومن غيرك يحكي فرحي.. ومن غيرك يسطر لحظاتي..
ايها القلم الصامت.. احتاج لكل قطرة من حبرك.. لكل حرف دافئ تخطه.. لكل كلمة ناطقة ترسمها.. لكل سطر يحكي لواعج القلب.. أسلْ حبِرك على اوراقي.. أشرق بحروفك عليها.. هي بحاجة لتمتلئ بنبضك في غفلة الحياة أسير في البلدة القديمة في سويقة علون وعلى مفترق الطريق بخط داود عليه السلام
استوقفني صاحب حانوت تجاري امتهن بيع الُتحف السياحية جلس البائع على كرسي خشبي مقشش ينتظر زبوناً يشتري شيئا ما لعله يستفتح في نهاره ثمن بضع أرغفة من الخبز يسد رمق عياله ولعله أراد أن يعلل عن نفسه ويخفي مشاعره الجياشة من خلف نظارته الأنيقة وزّع نظراته بين عابري الطريق في فتور وسكون ثم ركّز بصره صوبي ألقيت عليه التحية فبادرني بوجهه البشوش ودعاني لاحتساء فنجان قهوة بمعيته في زاوية الحانوت وبين المحتويات المبعثرة جاروشة رحى طاحونة قمح قديمة عفا عليها الزمن أشار وقال:
ساق الله على أيام زمان تلك الجاروشة لم تخلو يوما من الأيام في البيوت المقدسية والقرى الفلسطينية، واليوم أصبحت تحفة أثرية فنية ينفض عنها غبار الزمن بين ثناياها بمنفضة مجدولة بريش النعام وكأنه يوقظ بها أيام الزمان وبدأ يتغزل ويتشبب و يسرد حكايته
هي حكاية ورواية النسوة وهن في ساعات الصباح ومع إشراق الشمس وأشعتها التي تعلن بداية يوم عمل من مسؤوليات الزوجة في المنزل لإعداد رغيف خبز أو لقمة طعام نقية تطحن القمح أو البرغل أو الفريكة أو العدس والشعير والمفتول والحساء والحصيدة والذرة كانت من الأشياء الضرورية
كم هي بسيطة تلك الجاروشة كعيشة زمان حجر أسود مصنوع من صخور قطعتين اسطوانية الشكل حيث يوضع الحب المراد طحنه من خلال الفتحة الدائرية التي بوسط الأسطوانة العليا فيتسرب الحَبُ بين الأسطوانتين الحجريتين وتدور الجاروشة كساعة دهرية أوقفها الزمان آه من جاروشة الزمان طوت أجيال وأجيال ولم تبقى إلا ذكريات الزمان الحكايات الجميلة والأحداث الرائعة، قدرها أن تبقى مبتورة بلا نهاية، ليحاول الجميع أن يجد نهايتها في مخيلته، فتتشعب وتتعقد وتتجدد من حيث يُظنُّ أنها قد فنيت وتبددت وانتهت، فيكتب لها البقاء والنماء والخلود ولغيرها الفناء والجمود، فأعداد نهايات القصص الرائعة كأعداد أنفاس البشر وحبَّات المطر ونجوم السماء ورمال الصحراء. وحبات القمح بين فكي الجاروشة
من زمان وزمان
الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه تولى حكم البلاد والعباد وساد العدل والأمن والأمان في قولته المشهورة “أنثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”
لمّا فاض بيت مال المسلمين بالجبايات والأموال٫ أمر عمر عمّاله بتوزيع المال حسب حاجة الناس الأول فالأول٫ فلما فضل جاءه عمّاله٬ فقالوا زاد المال يا أمير المؤمنين٫ فقال هل أخذ كل حقه٫ فقالوا نعم؟ فقال هل نظرتم في أهل الكتاب فينا فلهم عهد وذمة ٫فقالوا لا فقال أرزقوهم منه٫ ففعلوا فزاد المال٫ ثم رجعوا وقالوا زاد المال٫ وهكذا فسألهم أن يتتبعوا الفقراء حيث كانوا في ظل بلاد الإسلام حينها وفي خلافته الراشدة٫ فمازال في المال فضل٫ فقالوا يا أمير المؤمنين زاد المال وفضل٫ فقال حينها خذوا القمح وأنثروه على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين قاعدة عظمية ولفتة من أمير ذا عدل وإنصاف٫ ملئ بالرحمة والرفق والعدل على رعيته من مشاشط رأسه إلى مشاشط قدميه٫ وعَلِمَ أن المال الذي ولّاه الله هو من حق الرعية
زمان وأيام زمان أيام المجاعة التي عمت وطمت كان أخوة النبي يوسف عليه السلام وعلى نبينا سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام بحاجة إلى حفنة قمح سافروا إلى مصر فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين
روح الله عيسى بن مريم عليه السلام ذكر الحنطة في الكثير من أمثاله، كما في مثل الزارع ومثل الحنطة والزوان ومثل البذار التي تنمو من ذاتها والرجل الغني الذي أخصبت كورته وكذلك في تشبيه نفسه بحبة الحنطة التي تقع على الأرض وتموت لتأتي بثمر كثير
زمان ومن زمان حفنة قمح حفنة واحدة من قمح جعلت الحمام يهوي إلى الأرض ودعت مئات العشاق للجلوس في سعادة وغزل هكذا هو الحب فالحَمَامُ رَمْزُ َالعِفّةِ والحُبّ والدِّعَة والسَّلاَم اوحت الحمامة في قصيدة الغزل العربية بمعاني الحُبِ والصبوة وكان لها علاقة بموضوع العشق فارتبطت بالمرأة اقوى الارتباط، وكانت صورة لها، كما ارتبطت بمحور اساسي بالحَب والقمح
من زمان وزمان تجد قفة الخبز معلقة على باب الفران معجونة بكرامة الجوعى تتوارى عن أعين الناس
من زمان وزمان تحسب الصدقة با لمد فالنصاب الذي تجب فيه الزكاة من القمح والشعير هو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد بمده عليه الصلاة والسلام، هذا المد الذي ضبطه أهل العلم بكونه ملء اليديين المتوسطتين بين الكبر والصغر، لا مقبوضتين ولا مبسوطتين المد حفنة بكفي رجل معتدل
من زمان وزمان كان حَفْنِة وعْرامْ
الحفنة والعرام من أدوات قياس الأشياء الجافة، فتصلح مثلاُ، في قياس القمح والطحين والعدس والتراب وما شابه.
الأولى، أي الحفنة (وهي كلمة فصيحة)، هي مقدار ما تتسع له كفتا اليدين نصف مضمومتين أما العرام فهي مقدار ما تتسع له كفة اليد الواحدة نصف مضمومة وفي الحالتين عندما نقول “نصف مضمومة”، فذلك لكي تتسع لأكبر كمية ممكنة. وأشهر الحفنات، هي تلك التي كانت تقدم للأولاد على البيادر من محصول الحبوب، وتقدم على سبيل جلب البركة ومن هنا تسمى “بْراكة” أما العرام، ورغم ما للكملة من أصل فصيح، إلا أنه مختلف عن معناه في كلامنا الدارج، حيث يستخدم الفعل عرّم، يعرّم، كثيراً ولكافة الآنية والأوعية. وشرط تعريم الإناء أن يزيد مستوى ما فيه عن مستوى حوافه، فيقال “مْعَرّم”، وعندما يكون ما فيه غير زائد عن مستوى حوافه، يسمى “ممسوحاً” أو “ممسحاً” أو “إمّسّح”
الله يا زمان على بيت المونة وحفنة عدس وحفنة قمح وبسيسة ورطل قطين ونصية حلاوة وشوية عجوة من النملية وزير الفخار وحزمة حطب من زيتونات الوعرة وكانون في قرامي حطب وإبريق الشاي المعطر بالمرامية يحلي السهر ونسمع عودة الحجاج أشتقنا لحكيات الختيارية وجهاز العروس والدفع بعد موسم الحصاد وباقي قنوط الفرح وعن الثلجة الكبيرة وسنة المحل والجراد وسعد بلع وسعد السعود وسعد ذابح وسعد الخبايا والمربعنية وخراريف حديدون ونص نصيص والغولة
من زمان وزمان آخ يا زمن!!!!
انسينا الطراحة والوسادة والملحفة والدوشك والجنبية
انسينا القبعة والجونه والترويج ومكشة النتش والقصرية
انسينا الشاعوب والمذراة والمنساس والفاس والطورية
وهدينا الطابون وخم الجاج وطواقي الحمام والعلية
كسرنا الشربة والكراز والبطة والجرة وآخر اشي العسلية
آخ على هيك زمن ربطة الخبز معلقة على حاوية النفايات
الناس بطرت معيشتها والأمراض سارية فيها
والأطباء ما عندهم حيلة والأسعار نار والطفر ضارب أوتاره