- 10 آذار 2025
- حكايات مقدسية
بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام
موضوع أرقني كثيراً عند زيارتي لإحدى المشافي حيث شاهدت بعض المرضى جلوساً على أسرة يتناوبون في عملية غسل الكلى في فترة زمنية تتراوح في الجلسة الواحدة بضعة ساعات بمعدل ثلاثة أيام أُسبوعيا ورغم المعاناة والصبر إلا أنه في هكذا موقف تعظم قدرة الله الخالق العظيم ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)الانفطار
الله سبحانه وتعالى كرم الانسان وفضله على كثير من المخلوقات، حيث قال سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
كما امر الله سبحانه بالمحافظة على النفس البشرية وحرم قتلها الا بالحق وضمن لها حق الحياة، حق التملك، حق صيانة العرض، حق الحرية، حق المساواة وحق التعليم وكما القرآن كرم الأنسان كرمته ايضا السنة النبوية في كثير من النصوص الواردة عن رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم منها خطبته في حجة الوداع فقال
) ايها الناس، ان دمائكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا (وقول آخر) دم المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه (ومن اول هذه الحقوق التي اعتنى بها القرآن والسنة النبوية الشريفة هو حق الحياة وهو حق مقدس لا يحل استباحته وانتهاك حرمته...
كيف للإنسان أن يرى أخاه الإنسان في حالة كهذه؟
وما الوسيلة التي ممكن أن ينقذ حياة أخيه الأنسان وقفت ملياً أُحدث نفسي صرخة تتصعد من قلبي ووجداني كيف السبيل وما قيمة الأنسان إن لم تتجلى الرحمة بين البشر!!!
فما هو الحكم الشرعي بالتبرع بأعضاء الانسان من الحي الى الحي واراء العلماء فيه ومناقشتها
يعتبر التبرع من اعمال الخير، لأنها من قبيل العطاء من دون مقابل وتفضيل للغير على النفس، فتظهر الاعمال التي يقوم بها الانسان مشروعة ومستندة من مبادئ وتعاليم الديانات السماوية فالتبرع بالأعضاء فيه من تأليف بين القلوب وتوثيق للمحبة بين الناس وأننا نعلم ان جميع الكتب السماوية تدعوا الى العطاء والمحبة، ونظرا لخطورة التبرع واهميته بين الناس وضعت القواعد المنظمة له. وإذا كان لا يوجد نص في القرآن او السنة حول هذا الموضوع الذي هو محل البحث، يلجأ العلماء الى الاجتهاد ولذلك فأن قضية التبرع ونقل الاعضاء في الجانب الفقهي هي قضية محل خلاف، وهي قضية اجتهادية في مقامها الاول، ولابد من تحكيم العقل وصولا للحكم الشرعي الصحيح والسديد التبرع بأعضاء الانسان الحي الى الحي واراء العلماء فيه ومناقشتها
المطلب الاول: ادلة المجيزين للتبرع ومناقشتها.
كثير من الفقهاء قالوا بجواز التبرع من اجل الضرورة ولأجل تطبيقها لابد من توافر ظروف معينة، مثل وجود خطر يمس بحالة المريض الصحية، وعدم اعطائه العضو يؤدي الى فقدان حياته ولابد من تفادي الخطر بنسبة أكبر من الضرر الذي وقع، وان يكون التبرع واعطاء العضو وزرعه في المريض هي وسيلة لا يوجد غيرها لإنقاذ حالة المريض وان لا ينتج عن استئصال العضو هلاك وتدهور حالة المتبرع وتعتبر عمل التبرع من اعمال الخير عند جمهور الفقهاء
توافر الشروط من البلوغ والعقل وانه صدر عن رضا وسيلة وحيدة لمعالجة المريض المضطر ونجاح العملية للتبرع لابد ان يكون محققا في الغالب وان لا تفضي العملية لمفاسد شرعية، كالتبرع بالأعضاء التناسلية كالمبيض والخصية، فهذا يمنع منه لأنه يؤدي الى اختلاط الجينات الوراثية في الانسان لانهما تحملان الافرازات والصفات الوراثية للمنقول منه لذا امر الشارع باجتنابها
فقد أفتى الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
الجمهور الأعظم من علماء المسلمين ذهبوا إلى جواز نقل الأعضاء للأسباب الآتية:
التبرع بالأعضاء هو عملية جراحية يتم فيها إزالة أحد الأعضاء من جسم الشخص المُتبرّع بهدف نقله وزرعه في جسم شخص آخر مُتلقي يحتاج لزرع عضو جديد نتيجة وجود ضرر في أحد أعضائه وتُعد زراعة الأعضاء أحد أهم التطورات الطبية الحديثة، لكن توجد فجوة كبيرة بين أعداد الحالات التي تحتاج إلى زراعة أعضاء وبين عدد المتبرعين بالأعضاء. تتم معظم عمليات زراعة الأعضاء عن طريق توفر أعضاء لأناس متوفين، بالإضافة إلى إمكانية تبرّع بعض الأشخاص لعضو أو جزء منه في حياتهم.
قد يشمل التبرّع بالأعضاء كل مما يأتي:
الرئة. القلب. البنكرياس الكلى. الكبد. الأمعاء.
هل يجوز للمسلم أن يتبرع بعضو من جسمه وهو حي؟
قد يقال: إن تبرع الإنسان إنما يجوز فيما يملكه، وهل يملك الإنسان جسمه بحيث يتصرف فيه بالتبرع أو غيره؟ أو هو وديعة عنده من الله تعالى، فلا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنه؟ وكما لا يجوز له أن يتصرف في نفسه حياته بالإزهاق والقتل، فكذلك لا يجوز له أن يتصرف في جزء من بدنه بما يعود عليه بالضرر
ويمكن النظر هنا بأن الجسم وإن كان وديعة من الله تعالى، فقد مكن الإنسان من الانتفاع به والتصرف فيه، كالمال، فهو مال الله تعالى حقيقة، كما أشار إلى ذلك القرآن بمثل قوله تعالى: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)، ولكنه ملك الإنسان هذا المال بتمكينه من الاختصاص به والتصرف فيه فكما يجوز للإنسان التبرع بجزء من ماله لمصلحة غيره ممن يحتاج إليه، فكذلك يجوز له التبرع بجزء من بدنه لمن يحتاج إليه والفرق بينهما أن الإنسان قد يجوز له التبرع أو التصدق بماله كله، ولكن في البدن لا يجوز التبرع ببدنه كله، بل لا يجوز أن يجود المسلم
وفى عصرنا رأينا التبرع بالدم، وهو جزء من جسم الإنسان، يتم في بلاد المسلمين، دون نكير من أحد من العلماء، بل هم يقرون الحث عليه أو يشاركون فيه، فدل هذا الإجماع السكوتي إلى جواز بعض الفتاوى الصادرة في ذلك على أنه مقبول شرعًا.
وفى القواعد الشرعية المقررة: أن الضرر يزال بقدر الإمكان، ومن أجل هذا شرع إغاثة المضطر، وإسعاف الجريح، وإطعام الجائع، وفك الأسير، ومداواة المريض، وإنقاذ كل مشرف على هلاك في النفس أو ما دونها. ولا يجوز لمسلم أن يرى ضررًا ينزل بفرد أو جماعة، يقدر على إزالته ولا يزيله، أو يسعى في إزالته بحسب وسعه.
إن السعي في إزالة ضرر يعانيه مسلم من فشل الكلية مثلاً، بأن يتبرع له متبرع بإحدى كليتيه السليمتين، فهذا مشروع، بل محمود ويؤجر عليه من فعله، لأنه رحم من في الأرض، فاستحق رحمة من في السماء.
مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات قد اطلع على الأسئلة الواردة حول جواز التبرع بالكلى وبعد الدراسة ومداولة الرأي قرر المجلس ما يأتي:
التبرع بالكلى جائز لا حرج فيه إذا تحققت الشروط الشرعية الواجبة، بل يرى المجلس أن من تبرع بنية الإحسان إلى المريض فله الثواب عند الله، فقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة/32.
وأما الشروط الشرعية الواجب توافرها فهي:
أولا: أن يكون المتبرع كامل الأهلية، مع التحقق من رضاه وعدم تعرضه للاستغلال، وخاصة النساء.
ثانيا: أن يتم التحقق الطبي من نجاح عملية نقل الكلية وفائدتها على المريض، وسلامة المتبرع أيضا؛ لأن القاعدة الشرعية تقرر أن "الضرر لا يزال بضرر مثله"، وهذا يقتضي أن يستوثق الأطباء المختصون في الأمر عند كل عملية
ثالثا: أن يتم الأمر على سبيل التبرع، وبدون مقابل مادي، وللتحقق من هذا الأمر لا بد من بذل أسباب التحري الكافية من قبل الجهات الطبية والقانونية والرقابية، ولهذه الجهات تقييد التبرع بالقرابة ودرجتها التي تراها مناسبة، بحسب الحقائق التي تستبين لها، وبما تراه مناسبا لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة.
رابعا: أن تستنفد وسائل العلاج الأخرى. والله أعلم