• 6 نيسان 2025
  • حكايات مقدسية

 

 

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

إن كنت من عشاق الوصول إلى الحقيقة.. هات غربالك واتبعني

(الشمس لا تُغطّى بغربال)

الغِرْبَالُ أو المُنْخُل أو المِبْزَلة هو أداة تسمح بفصل أجزاء من المادة إما لاستخراجها أو للتخلص منها.  واللفظة آرامية الأصل أوردها نخلة في كتابه وجمعها " غرابيل " وبها تكلمت العرب قديماً وقالوا:

أغربالاً إذا استودعت سراً *** وكانوناً على المتحدثينا

مصدر اسم الغربال

سَارودَ مِنَ السِريَانِيّةِ وَبعضُ العَامِةُ تَلفظُهَا سَاروط أي الغربال الكَبير الوَاسع، وهو منَ الآرامِية سَرادَ يُقَابِلهُ في لَهجَةِ السّاحلِ مَسرَد وَفِي العَربيّةِ سَرد، سَانوط الغربال الكَبير مِنَ الآرامِيَّة، صَانوط لهجةٌ حَلبيةٌ واستَمَدّتِ التِركيَّة الغربال منَ العَربِيّةِ وحَرّفَتْهَا إلى قَالبورْ وَتُلفَظُ غَالبورْ وَاستَمَدّتْهُ الفَارِسِيّةُ فَقَالتْ غربال.

يُطلَقُ على مُمتَهِنِ هَذهِ الحِرفَة بالغَرابِيليِّ نِسبَةً إلى الغرابيل وَهيَ جَمعُ غربال؛ وهَذهِ الحِرفَة مشتَقّةٌ منْ حِرفَةِ النِجَارَةِ العَربيّة وَهيَ قَديمَةٌ جدّاً والسّبَب لِحَاجَةِ الأهَالي إليهَا في تَنْقِيَةِ البُقولِيّاتِ.

الغربال والمنخل لفظتان آرامية الأصل وجمعهما غرابيل ومناخل والمغربل هو من يقوم بغربلة الحبوب بالغربال لتنقيتها من الشوائب وجمعهم مغربلين أما كلمة غربلة فهي تعني البحث والتفتيش فيقول الرجل لآخر غربله أي فتشه جيدا ويقولون عن آخرين غربلناهم أي قمنا بالتفتيش وتعد مهنة صانع المناخل والغرابيل مهنة يدوية قديمة من التراث إلا أنها مازالت موجودة ولكن علي نطاق ضيق خاصة في الريف فالمنخل والغربال لا غنى عنهما فى البيئة الريفية التى تعتمد على إستخدام الحبوب من القمح والأرز والفول وغيرها ولا تعتمد على شرائها من السوق كما تعتمد علي إستخدام الدقيق في صناعة الخبز في الأفران البلدية في الدور والبيوت  

حقيقة الأمثال الشعبية وردت من حكايا ت درجت في شعوب العالم وخاصة في الوطن العربي وربما تختلف من بلد إلى بلد أخر حسب اللهجات الدارجة أو حسب المناسبة التي قيل بها المثل وهنا الكثير من الأمثال الشعبية التي يسمعها الإنسان ومن هذه الأمثلة المثل الذي يقول (الشمس ما تتغطى بغربال)

الغربال هو أحد المؤلفات النقدية المعروفة لميخائيل نعيمة، وهو مقالات نقدية كتبها بجرأة وعفوية ناعياً الشعر الرث. وقد حاول بجرأة أيضا غربلة الكتّاب والشعراء والمفكرين مدليّا بآرائه، وذلك بقراءة نصوصهم وافكارهم من منظاره كأديب. صدرت أول طبعة من الكتاب عام 1923، في المطبعة العصرية.

يقول ميخائيل نعيمة في مقدمة كتابه "إن مهنة الناقد الغربلة، لكنها ليست غربلة الناس، بل غربلة ما يدوّنه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول، وما يدونّه الناس من الأفكار والشعور والميول هو ما تعودنا أن ندعوه أدباً، فمهنة الناقد، إذن هي غربلة الآثار الأدبية لا غربلة أصحابها صفاء في الذهن واستقامة في النقد، وغيره على الإصلاح،

الغربال والإبرة  

جاء فى أحد الأمثال أن الغربال قال للإبرة” فيك ثقب “!

لعل أقرب أمثال المسيح عليه السلام لهذا هو” لماذا تنظر القذى الذي فى عين أخيك، وأماّ الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها؟ يامرائى اخرج اولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك” (مت7: 1).

ان الغربال هو المنخُل الكبير الممتلئ بالثقوب والواسع الثقوب ينتقد الإبرة التى فيها ثقب واحد ضيق وصغير! أليست هذه نكته؟

أنها حقيقة نراها كل يوم حولنا وربما توجد فينا دون أن ندرى عندما نرى ائ خطأ فى حياة الغير فندينه وننتقده ونشهر به ولا نحس بإخطائنا الخاصة الأكثر منها أضعافاً والأخطر والأكبر منها!

الى كل غربال من هؤلاء الناس يحذر رب المجد قائلاً: لا تدينوا لكيلا تدانوا” والاّ فبالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم ويزاد “، ومن كان منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر”! ليت مثل الغربال والابرة يكون بمثابة فرامل لنا من آدانة الآخرين

اقتباس / للقس أوغسطينوس حنا

الغربال رمز النقاء في الذاكرة الجماعية

كان للغربال دور مهمّ في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فهو جزء من نشاط العائلة ومناسبة لاجتماعها، ومثل للعديد من الحرفيين مهنة لها أصولها وفنونها، فتمرّ صناعة الغربال بعدّة مراحل حسب ما تتطلبه من مواد من الجلد أو الخشب. ويصنع الغربال من الجلد الطبيعيّ وأجوده يكون من جلد الجمال. فيقوم الغرابلي أو صانع الغربال بالحصول على جلود الحيوانات ودباغتها ثمّ تحويلها إلى خطوط رقيقة ومتماسكة تشدّ إلى إطار الغربال السميك من الخشب الرفيع، ويتشكل الغربال من مواد أساسية قوية تقاوم الزمن وتثبت مهارة الأيدي في صناعته.

وأثبت الغربال صموده واستمراره في تناقله بين أيادي الجدات والأمهات، متعدّد الأسماء والألوان والأحجام في شكل دائريّ واحد، فيسمّى كربالا أو كربالة ومسردا ومنخلا في فلسطين والشام، والكربالة غربال خشن يحتوي على فتحات أكثر اتساعا من فتحات الغربال. 

ويرتبط الغربال بتقاليد احتفالية في العديد من المناطق العربية عند الولادة وتحديدا في اليوم السابع، فيوضع الطفل المولود داخل غربال قد وقع تزيينه مسبقا لهذا الغرض وتقع غربلته عن طريق إحدى السيدات المتخصصات في ذلك، وتقوم أم الطفل بالمرور على طفلها من خلال هذا الغربال، وسط أجواء احتفالية تعمّها الزغاريد والأناشيد. أن يغربل المولود في غربال هو حرص من الأمّ والأسرة على أن يصير في المستقبل صالحا ونقيا وصافيا لا تشوبه شائبة وهو ما تفعله المرأة للحصول على دقيق قمح أو شعير صاف ونقيّ ويكون صالحا للاستعمال، وهو ما يحافظ عليه الغربال أما ما سقط منه فهو حصى وشوائب يرمى بها في القمامة.

وفي وضع المولود في الغربال تيمّن بصلاحه ونقاء جوهره فهو لا يسقط من الغربال، بل يثبت فيه ثبات الاعتقاد السائد بأنّ الغربال يحميه ويطمئن الأم على صغيرها الذي تأمل أن يكون سليما سلامة الحبوب المنقّاة التي حفظها الغربال.

الغربال يحضر في المتخيّل الرمزي أكثر من حضوره كأداة مادية في حياتنا اليومية لحاجتنا إليه في غربلة الواقع والحياة

ويتوافق هذا التأويل مع رمزية الغربال في الرؤيا فكثيرا ما يرتبط تفسير الأحلام بالخيال الشعبي، فيدلّ الغربال في المنام حسب ما ينسب إلى ابن سيرين من تأويل، على العلم والتميز والعز والمنصب، والفرق بين الحق والباطل، ويؤوّل بإنسان ذي بصيرة، وقيل الغربال يؤول بناقد الدراهم والدنانير، ومن رأى أنه يغربل شيئاً للناس من الحبوب فإنه يدل على أنه يفعل شيئاً يكون منفعة للناس ومضرة له، ومن رأى أنه يغربل لنفسه لا لغيره فإنه يدل على حصول منفعة له.

“البحر غربال الخيبة”: مثل عربي يعكس عبثية التوقعات المستحيلة

يُستخدم هذا المثل في مواقف يشعر فيها الإنسان بأن جهوده لا تحقق أي نتائج ملموسة رغم المحاولات المتكررة. يُعتبر البحر في هذا المثل رمزًا للغموض والاتساع اللامتناهي، بينما يُمثل الغربال أداة ذات وظيفة محددة لا يمكن أن تُطبق على البحر.

المثل العربي الشهير البحر غربال الخيبة حكمة إنسانية عظيمة تُحذر من   المساعي العقيمة والتوقعات   غير الواقعية وقد قيل   هذا المثل   لوصف حالة اجتماعية يُبذل فيها جهد كبير لكن تأتي النتيجة بالفشل والخيبة الحتمية وترتبط حكاية المثل   قديما بشخص   حاول عبثاً استخدم   البحر كغربال دلالة رمزية لحالة ميؤوس منها تعكس 

 حالنا بمواقف متعددة مشابهة لما تشهده حالة التشرذم في واقعنا العربي مِن هوان وخذلان علما أن البحر رمزاً للغموض والاتساع اللامتناهي بينما يمثل الغربال عبارة عن أداة محدودة لا تُقاص بالبحر 

مثلنا اليوم   قصة شعبية سردية الزمان والمكان تحاكي الاستحالة لتحقيق هدف لا يمكن تحقيقه   إشارة إلى السخرية من النتائج الحتمية الفشل وخيبة الأمل وتنساب الرواية الشعبية في رواية المثل على صعيد تجربة أضحت ميتتةً في مهدها دون أن يُحسب نتائجها ومآلتاها وعدم الانجراف وراء سراب يحسبه الظمأن ماء 

لنفقه الدرس جيداً ما يوقفك على باب الاندال إلا المنخل والغربال

ونستحضر هذا المثل من خلال ثقافتنا العربية ونتعلم من دروس الماضي العبر المتمثلة من الحكمة والإدراك والمعرفة وعدم الجري وراء أحلام من درب الخيال أو الاعتماد على وعد عرقوب 

صارت مواعيد عرقوب لها مثلاً *وما مواعيدها إلا الأباطيل

فليس تنجز ميعاداً إذا وعدت * إلا كما يمسك الماءَ الغرابيلُ

في نهاية المطاف يبقى البحر غربال الخيبة مثلاً خالداً يُحذر أهلُ فلسطين و يحمِلُ   في طياته حكمة عظيمة أفرزتها   تجارب إنسانية يرسمُ ُشكلاً مرجعياً لفهم طبيعة التوقعات والإمكانيات المستقبلية ......!!!!