- 28 حزيران 2025
- حكايات مقدسية
القدس - أخبار البلد - كتب المحرر الثقافي
يعتبر الدكتور" أحمد الشرقاوي" واحدا من أشهر المؤرخين المتخصصين في الحقبة العثمانية وله في ذلك العديد من المؤلفات الهامة التي فتحت الطريق أمام الباحثين في هذا المجال ، وقد شارك الدكتور الشرقاوي في المؤتمر الأخير الذي عقد في عمان تحت عنوان مؤتمر مؤرخو القدس حيث تحدث عن القدس في الفترة العثمانية .
وفي رسالة الماجستير للدكتور الشرقاوي والتي كانت تحت عنوان دور الأوقاف في المجتمع التركي ،خصص حيزا للحديث عن "الوقف النقدي" أو ما يسمى "وقف الدراهم"
ويسعدنا في جريدة " أخبار البلد" المقدسية ان ننشر جزءا مما كتبه الصديق المؤرخ الدكتور الشرقاوي والذي ابدى ترحيبه بهذا النشر، من باب إلقاء مزيد من الضوء على الفترة العثمانية في البلاد العربية عامة وفي القدس بشكل خاص ، تلك المدينة التي كانت تحظى باهتمام خاص لدى السلاطين العثمانيين ،
الوقف النقدي ( وقف الدراهم )
بالإضافة إلى الأنواع الكثيرة من الأوقاف في الدولة العثمانية ، والتي أسهمت بشكل أساسي – يتفوق في كثير من الأحيان على دور الدولة نفسها – في تنمية واستقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والتعليمية بل والعسكرية والسياسية أيضا ؛ يعد وقف النقود أو الوقف النقدي من الظواهر المميزة للعصر العثماني، فقد برز شكل جديد للوقف يقوم على وقف مبالغ كبيرة تقدم بفائدة محدودة للتجار وأصحاب الحرف، وهى قروض ذات فوائد تتراوح في العادة بين 10% إلى11% وربما تزيد أحياناً إلى 15% .
الوقف النقدي ظهر أولاً في أدرنه (العاصمة الأوروبية للدولة العثمانية حينئذ سنة 1423هـ) ثم في بقية المدن البلقانية، وبعد ذلك ظهر في استانبول بعد فتحها (1453م).
إن مكانة إستانبول كمركز تجاري مهم لشرق المتوسط منذ قرون عديدة قد أثرت في ازدهار هذا النوع الجديد من الوقف الذي يناسب المراكز التجارية الحرفية . ومن هناك انتقل جنوباً باتجاه بلاد الشام ، نجده في وقف مصلح الدين ، وهو من الحجم الصغير ، أي أن المبلغ الموقوف عشرة آلاف أقجة ، بينما نسبة الفائدة السنوية 10% .
ثم أخذ حجم المبالغ الموقوفة يتضخم ، وقد بقى ينمو باستمرار في المدن البلقانية حتى وصل إلى مئات الألوف ، ثم إلى ملايين الأقجات في القرن اللاحق (السادس عشر الميلادى) .
فإذا جمعنا المبالغ المذكورة في مئات الوثائق الوقفية الموجودة والمنتشرة والمتعلقة بوقف النقود ، لأصبح الأمر يتعلق بعشرات أو مئات الملايين ، ويرى بعض المؤرخين الآن أن عدم تجميد هذه المبالغ الكبيرة ، وتفضيل استثمارها باستمرار مع التجار وأصحاب الحرف ، كان يساهم في تحريك النشاط الاقتصادي ؛ فقد أصبح الوقف يقوم بدور جديد في تنشيط الحياة التجارية والحرفية في الدولة ، كما يوفر لنفسه من الفوائد التي حصل عليها مصدر ثابت لتغطية نفقات الخدمات المجانية التي يقدمها للمجتمع المحلى .
وعلى الرغم من كون مشكلة إعطاء فائدة للأموال الموقوفة عن طريق المعاملة الشرعية أو الحيلة الشرعية سبباً في الخلافات الحادة بين الفقهاء عبر العهود الإسلامية ، فلقد استمر العمل على إقامة الأوقاف (بالنقد المادي) وذلك بسبب ضرورات اقتصادية .
ويحاول أحد الباحثين هنا إيجاد مبررات تعفى الواقفين من شبهة الربا فيقول أن ذلك كان يتم بالمعاملة الشرعية أو بنظام المرابحة أو الاستغلال (الاستثمار) على الوجه الحلال ... ويمكن القول بأنه منقذ للاحتياجات المالية للأوقاف ، كذلك منقذ من أيدي الذين يغالون في المراباة بفوائد مالية باهظة .
هذا الأمر بالطبع لم يمر مروراً عابراً على الفقهاء بل إنه قسم الفقهاء إلى فريقين : أغلبية أقرت هذا الوقف ، وخاصة مع مؤلفات شيخ الإسلام أبي السعود أفندي في كتابه (رسالة في صحة وقف الدراهم والدنانير) ، وقسم آخر هم الأقلية كان من أبرزهم قاضي عسكر الرومللي (جوى زاده) وكذلك محمد البركوى الذي رفـض هذا الوقف في مؤلفاته ككتـاب (السيف الصارم في عدم وقف النقود والدراهم) .