• 22 نيسان 2023
  • إقتصاد وحياة

 

بقلم: ديمتري دلياني

 

في الآونة الأخيرة، انتشر بشكل سريع ومتزايد في وسائل الإعلام المالية و التواصل الاجتماعي مصطلح "فينفلونسر"، وهو مصطلح يجمع ما بين عالم الإعلام الحديث وعالم المال والاستثمار. فهذا المصطلح بات يشير إلى الشخص الذي يمتلك تأثيراً اعلامياً على قرارات المستثمرين عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك نتيجة مكانته/ها الثقافية أو الشهرة التي يتمتع او تتمتع بها. ويتضمن هذا المصطلح عدداً من المشاهير الذين يتابعهم جمهور كبير على منصات مثل يوتيوب وتيك توك، وكذلك شخصيات اقتصادية كبيرة مثل إيلون ماسك، الذي وضع صورة العملة الرقمية "دوج كوين" الشهر الماضي على حسابه على تويتر ( الذي يملكه) فرفع من سعر العملة الرقمية بحوالي ٣٠٪؜ خلال ساعات قليلة. ويتضمن ايضاً مشاهير مثل كيم كارداشيان وممثلين ومذيعين في برامج تلفزيون متخصصة في الاستثمار.

ولا يعتبر ال " فينفلونسر " محلل/ة مالي/ة تقليدي/ة، إذ يركز أساساً على ما يسمى مستثمري التجزئة ( اي الأفراد) ويدعي عادةً إلى السعي لتحقيق المساواة بينهم وبين المؤسسات الاقتصادية من ناحية الوصول إلى المعلومات والتحليلات والنصيحة المالية. وعلى الرغم من أن ظاهرة الفينفلونسر ظهرت حديثاً في المجال المالي، إلا أن الشخصيات الإعلامية مثل "جيم كريمر" الذي يقوم بتحليل سوق الأسهم على قناة CNBC وغيرها ولديهم تأثير كبير في هذا المجال منذ أكثر من عقدين من الزمن. ومن المثير للاهتمام أن ظاهرة التأثير في المجال المالي ليست جديدة على الإطلاق، إذ كانت عالمة الفلك "إيفانجلين آدمز" قبل حدوث أزمة البورصة في عام 1929 لديها تأثير كبير على المستثمرين، بما في ذلك المشاهير مثل "تشارلي تشابلن" وعمالقة الاقتصاد العالمي مثل "جيه بي مورجان"، بل أكثر من ذلك أنها كانت تُصدر نشرة مالية تضم مائة ألف مشترك!

رغم تورط بعض ال " فينفلونسر " في أنشطة احتيالية وتلاعب في الأسهم، إلا أن هناك آخرين قاموا بدور حاسم في دعم "دَمَقرَطَة" عالم الاستثمار وزيادة وصول المستثمرين الصغار للمعلومات الهامة. وكان أول "فينفلونسر" في الإنترنت تورط في التلاعب بالأسهم، كما أذكر، هو جوناثان ليبيد عام ٢٠٠٠ حين كان صبياً في الخامسة عشرة من عمره. وكانت خطته تتضمن زيادة سعر الأسهم الصغيرة المتداولة بصورة مغرية من خلال تشجيع شرائها وبالتالي زيادة الطلب عليها، ثم إسقاطها في منتديات "ياهو" المالية من خلال بيع اكبر قدر منها بشكل سريع الأمر الذي يسحق قيمتها لكنه يحقق له أكبر قدر ممكن من المرابح. واستخدم لييبد الأحرف الأصفر الزاهي وعلامات التعجب لجذب الانتباه والاهتمام. وهذا الأسلوب مازال مستخدماً الآن من قبل العديد من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأثارت حالة ليبيد تساؤلات حول نطاق حظر التلاعب في سوق الأسهم، حيث يبدو أن توقعات أسعار الأسهم وتقديم المشورة الاستثمارية بناءً على تلك التوقعات شبيهة إلى حد كبير بما يحدث فعلاً، وبشكل يومي في مركز الاستثمارات العالمية "وول ستريت". لكن المشورة المالية الشخصية التي يقدمها خبراء وول ستريت هي مشورة مرتفعة التكلفة، لأن المشورة المالية الجيدة تدرس الوضع المالي الفردي للشخص، ومدى تحمل المخاطر، وأهدافه المالية قصيرة المدى والاستراتيجية قبل اسداء النُصح. وبسبب هذه التكلفة العالية، يقوم الكثيرون بالبحث عن المشورة المالية من المؤثرين على الانترنت.

وتتسع مجالات النُصح العام في الأمور المالية والاستثمارات الشخصية بشكل كبير، وذلك يظهر من خلال إعداد بيع الكتب الشهيرة مثل "الأب الغني والأب الفقير" لروبرت كيوساكي، حيث بلغ عدد النسخ المباعة 32 مليون نسخة منذ عام 1997، و"التحول المال الكلي" لديف رامزي الذي بيع منه 1.5 مليون نسخة منذ عام 2013. ويزعم موقع "رامزي" على الانترنت أن برنامجه الإذاعي يستقطب 18 مليون مستمع في الأسبوع. 

وتتمتع هذه الشخصيات الإعلامية في مجال الاستثمار الشخصي بتأثير كبير جدًا، حيث وجدت دراسة بحثية للباحث فيلكس شوبرا عام 2021 أن المستمعين لبرنامج ديف رامزي الإذاعي، والذي يشجع على معدلات عالية من التوفير، يقللوا من الإنفاق الأُسَري بنسبة 5.4% على الأقل. كما وجد الأستاذ جيمس تشوي، المتخصص في المالية في جامعة ييل الامريكية، أن النصائح التي يقدمها أشهر الكُتاب في مجال الاستثمار الشخصي مثل كيوساكي ورامزي كانت مختلفة بشكل كبير عن النصائح التي يقدمها الأكاديميون. فقد قام الدكتور تشوي بتحليل 50 كتابًا في مجال الاستثمارات الشخصية ووجد أن النصائح التي يقدمها النجوم والمشاهير كانت مختلفة جدًا عن ما ينصح به الأكاديميون، مما يمكن أن يؤدي الى تعرُض عشرات الملايين من القراء لنصائح لا تصب في مصلحتهم.

بشكل عام، فقد حقق  ال "فينفلونسريون" تأثيرًا كبيرًا على المستثمرين العاديين من خلال تواجدهم على منصات التواصل الاجتماعي، ويحمل هذا التأثير تغيراً في أسلوب الاستثمار الشخصي ويحدث انقلاباً في موازين التأثير الاستثمارية وما يحمله هكذا انقلاب على الاسواق المالية والأحوال الاقتصادية العالمية.