- 22 آب 2024
- إقتصاد وحياة
في إطار التعاون بين جريدة "اخبار البلد" المقدسية والمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية من أجل صقل المهارات والقدرات المهنية للطلبة في المجالات المختلفة بما في ذلك الإعلام وتمكينها من إيصال رسالتهم للجمهور ، فإن جريدة " أخبار البلد" تقوم بنشر سلسلة التقارير والمقالات لمجموعة مميزة من الطلبة في جامعة بوليتكنك فلسطين ، هذه المقالات والتقارير ذات طابع علمي واجتماعي واقتصادي.
وفي هذا المقام نخص بالشكر على انجاح هذه المبادرة الأولى من نوعها في التعاون الصديق العزيز الدكتور "نزار الحرباوي" وهو الإعلامي الناجح الذي عرفناه في مجالات الإعلام المختلفة المحلية والدولية وفي المجال الأكاديمي أيضا.
بقلم : دعاء طارق النتشة
دعوني أكون صريحة في هذه المدونة التي هي مدونتي الأولى , ففي وقتٍ تغزونا فيه الشعارات البراقة, يغزونا الجهل المقنع , و كلما زاد حديثُ الإعلام عن التنمية زدنا غوصًا و غرقًا في وحل الجهل و التخلف و ضياع الفرص و الاستبداد , فكثيرًا ما نسمع أن التعليم يعتبر الركيزة الأساسية لبناء الأمم وتطوير المجتمعات ، فهو يطلق العنان لشتى الفرص، وهو الاستثمار الحقيقي في المستقبل، ومع ذلك، تواجه أنظمة التعليم في العديد من البلدان العربية، بما فيها بلادنا تحديات ؛كبيرة تعيق تقدمها وتؤثر سلبًا على جودة التعليم ومكانته وأثره .
فمن التحديات التي تواجه التعليم اليوم ، عدم التمييز بين التعليم والتعلم ، فالتعلم يكون بأي وقت متاح وفي أي مكان، وقد يكون ذاتي أو غير ذاتي ، بينما التعليم بالعكس تمامًا حيث يكون لمراحل معينة وفي فترات محددة ، ويكون بوجود معلم وفي قاعات دراسية وبوجود منهج ثابت لا يتغير ، حيث أنه نظام تلقين بحت ، فيجعل الطالب غير قادر على التفكير بشكل مستقل, و اتخاذ قرارات سليمة ، حيث إننا لا يمكن أن نبذر القمح على الصخر ونقول له يا قمح انبت!
لن ينبت القمح ولن نجد ما نحصده في موسم الحصاد ، وكذلك العقول ، لن نستطيع طلب الإبداع منها ونحن نكبلها بمعلومات محدودة ، علمًا أن التعليم ليس مجرد حشو الرأس بالمعلومات، وتفريغها بورقة الامتحان ونسيانها ، بل هو إشعال شرارة الفضول والرغبة في التعلم المستمر، والحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات والاستفادة منها.
ومن المؤثرات السلبية التي تواجه التعليم : أن جيل اليوم اعتاد على الأخذ دون العطاء, وتعلم سبل غش عديدة ومتطورة ,ذلك لأنه لم تعد لديه القدرة على السعي، وهذا ناقوس إنذار وخطر داهم، لا بد من التصدي له ، هذا التقاعس وانعدام الرغبة تجاه التعليم ، قد يكون نتيجة لتكرار الطرق التقليدية في التدريس، ويمكن حل هذه المشكلة من خلال تطوير المناهج و تضمين مهارات العمل والمبادرة ، وربط المادة العلمية بالحياة الواقعية ، فيكون هناك تركيز على ربط المادة النظرية بمشاكل وحلول الحياة الواقعية، مما يساعد الطلاب على فهم أهمية ما يتعلمونه, وتطبيق المعرفة في مواقف عملية ، وإعطائهم فرصة على طرح مشكلات من الواقع, وتركهم يبحثون عن حلول لها، مما يحفز التفكير النقدي والإبداعي لديهم ، وهذا يقع على عاتق المعلم ، فيجب على المعلم أن يشجع الطلاب على المشاركة والتعبير عن آرائهم، وأن يقدم لهم الدعم والتشجيع المستمر.
التعليم هو أكثر من مجرد تحصيل شهادة أو اكتساب معلومات، فهو رحلة نحو التنمية الذاتية، واكتشاف الذات، وبناء مجتمعات أفضل ، ولعل أهمية التعليم تكمن في كونه الأساس الذي تقوم عليه الأمم، وهو المحرك الرئيسي للتقدم والتطور ، فالتعليم يوسع آفاق الفرد ويجعله أكثر وعيًا, مما يمكنه من اتخاذ قرارات مستنيرة ، وتعزيز الثقة بالنفس ، و يحسن جودة الحياة وأن التعليم هو أداة تحرير العقل ، وإثبات الوجود والمحافظة على تاريخ البلاد وثقافتها .
ومن هذا المنطلق نحن أمام ثلاث تحديات مركزية في الموقف التعليمي , أولها ما يتصل بالسلطات الحاكمة ودورها في ابتكار المناهج الحديثة ,و وسائل التعليم العصرية ,وتطوير مهارات المعلمين والتحفيز على الابتكار ,وإتاحة المجال أمام التنافس الإجباري على مستوى الإدارات المدرسية والمعلمين والطلاب للابتكار، وصولًا إلى زيادة الاعتبار للمعلم كونه الشخصية المحترمة المصانة الأبرز في المجتمع وصانع الشرائح الأخرى .
المحور الثاني يتمثل في التخصصية و المهارة لدى المعلم نفسه , وأقصد بذلك أن المعلم غير المؤهل هو سيف مسلّط على رقاب أبنائنا, الشعور بالمسؤولية تجاه الموقف التعليمي والمدرسة , وحق الطالب في نيل تعليمٍ كافٍ و صناعة التميز في شخصيته واستقلاليته وقدرته على مواجهة تحديات الحياة .
أما الثالثة من مشكلاتنا الأساسية فهي توجيه اللوم إلى الطالب في أي تقصير مع أنه الضحية في كل هذه المعادلة, فالطفل مسؤولية أهله , والأهل عنصر أساسي في العملية التربوية,و التعليمية ,وانقطاع التكامل بين الأهل والمدرسة أو انعدام الضغط المجتمعي على المدارس والمؤسسات الراعية للتعليم يعني ضياع الجيل كاملًا.
ولا شك أن علاج ذلك كله يتمثل في خطوة واحدة أساسية ألا وهي إيجاد الرابط بين القطاع الأكاديمي والإداري ,من نخب المجتمع وبين المؤسسات الحكومية أو المدارس الخاصة؛ لإيجاد بيئة تعليمية تبدأ من رأس الهرم إلى أدناه, تضمن سلامة التعليم وسلاسته , وتصنع بالتالي جيلًا مؤمنًا بالعلم كقيمة حياة ونجاة .