• 29 كانون أول 2020
  • حارات مقدسية

 

بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام

 

القِبْطُ : كلمة يونانيَّةُ الأصل بمعنى سُكَّان مصر، ويقصد بهم اليوم: المسيحيون من مصر . قبط جمع "قبطي"، و هي صورة مختصرة من لفظة "إِيجيبتوس"  وهي لفظة أطلقها البيزنطيون على أهل مصر. و كلمة قبطي شاعت عندما كانت مصر تحت الحكم البيزنطي، وهذه الكلمة يقصد بها سكان مصر وليس لها علاقة بتحديد الدين. فالقبطية هي قومية وعرقية وهي كلمة مرادفة لكلمة مصريون، فكل قبطي مصري والعكس صحيح

اللغة القبطية هي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية التي تكلم بها وكتبها قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. والرأي السائد لدى العلماء أنها تنحدرُ من اللغة المصرية المتأخرة مباشرة، حسبما كانوا يتحدثونها في القرن السادس عشر قبل الميلاد مع بداية الدولة الحديثة اللغة القبطية هي المرحلة الأخيرة من مراحل تطور اللغة المصرية التي تكلم بها وكتبها قدماء المصريين منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، تأثرت اللغة العربية العامية في مصر باللغة القبطية ويظهر ذلك في وجود العديد من الكلمات القبطية في اللغة العربية العامية

حارة وعقبة خان الأقباط

تقع حارة وعقبة خان الأقباط في حارة النصارى بالقدس العتيقة، أقيمت مباني العقبة خلال الفترتين الصليبية والمملوكية، حيث أنها سميت بهذا الأسم نسبة لخان الأقباط الذي أقيم في العهد المملوكي

الأملاك والكنائس القبطية في مدينة القدس

للأقباط أملاك عديدة في مدينة القدس، وما يدل على ذلك سوق الأقباط الذي يمتد من باب الخليل حتى كنيسة القيامة، وحي الأقباط الذي يمتد من كنيسة القيامة حتى سوق خان الزيت، وتسكنه العائلات القبطية

ويعتبر أول حصرٍ دقيق للكنائس القبطية في القدس، هو الحصر الذي سجله أبو المكارم في تاريخه عن الكنائس في عام 1281م ، إذ يذكر أبو المكارم وجود هيكل قبطي داخل كنيسة القيامة، وكنيسة باسم المجدلانية، وكنيسة ثالثة هي التي دخلت

ومع وجود العديد من الكنائس القبطية فضلاً عن الأديرة القبطية في المدينة المقدسة، ونتيجةً للوازع الديني، فضلاً عن الطبيعة الدينية والاجتماعية لنظام الوقف، حفلت الوثائق القبطية بالعديد من حجج الأوقاف المرصودة على القدس. ولم يكنْ الوقف حِكراً على الأماكن المقدسة في القدس من جانب أثرياء الأقباط، بل كانت معظم الأوقاف القبطية على القدس مرصدة من جانب الطبقة الوسطى القبطية، ومن هنا وجدنا العديد من حجج الوقف القبطي التي تشتمل على وقف عمارات صغيرة، أو حتى جزء من عقار، وهي ظاهرة واضحة في الأوقاف القبطية، واختلفت أوضاع الأوقاف القبطية المرصدة، فبعضها كان مرصداً على الواقف ثم على النسل والذرية، على أنْ تؤول في حالة انقطاع الذرية إلى الأماكن المقدسة في القدس ، وبعضها الآخر يتم رصده على بعض الأديرة القبطية في مصر، وفي حال تعذّر صرف العائد على هذه الأديرة أو زوالها تؤول هذه الأوقاف إلى القدس ، كما كان هناك بعض الأوقاف المرصدة مباشرة على القدس ، وبصفة عامة كان معظم الأوقاف القبطية المرصدة على القدس توضع تحت إشراف البابا القبطي في القاهرة، وينوب عنه المطران القبطي في القدس. ولكنْ في حالاتٍ نادرة وقف بعض الأقباط أوقافاً على الحرم القدسي بصفة عامة دون تخصيصٍ لدير أو كنيسة معينة، وفي هذه الحالة توضع هذه الأوقاف تحت إشراف «ناظر أوقاف الحرم القدسي» وهو من المسلمين

استمر الوجود القبطي في القدس مع الفتح العربي له، فقد نص كتاب الأمان للقدس المعروف «بالعهدة العمرية» على ذكر الوجود القبطي في القدس ضمن عهد الأمان لكافة الطوائف المسيحية في المدينة المقدسة واستمرّ بناء الكنائس والأديرة القبطية في القدس بعد ذلك، ففي القرن التاسع الميلادي تم إنشاء كنيسة قبطية في القدس عُرِفت بكنيسة المجدلانية، ولعلّ أشهر الأمثلة جميعاً هو دير السلطان الذي رغم التضارب في نسبته إلى أحد السلاطين يعتبر من أشهر مظاهر الوجود القبطي في القدس نظراً للظروف الدرامية اللاحقة

ومن النقاط الهامة المتعلقة بالوجود القبطي في القدس مسألة الحجم العددي لهذا الوجود، أو بمعنى آخر تعداد الأقباط في القدس، حتى نستطيع تقييم هذا الشأن وتطويره عبر العصور، أو إذا لا يتوافر لدينا سوى بعض التقديرات من جانب بعض الرحالة أو بعض رجال الدين

ويقدّر الأنباباسيليوس المطران القبطي للكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى عدد الأقباط في كلّ فلسطين في عام 1948 حوالي عشرة آلاف نسمة

ويقدّر مصدر آخر عدد الأقباط في القدس في خمسينيات القرن العشرين بحوالي خمسمائة نسمة، وبرى هذا المصدر أنّ هذ الرقم قد ارتفع ليصل إلى حوالي ألف نسمة عند عام 1970

وحتى الآن ما تزال تعيش عشرات الأسر الفلسطينية في القدس التي تنحدر من أصولٍ قبطية ولعلّ أهمّ هذه الأسر عائلات خوري، حبش، رزوق، جدعون، قبطة، مناريوس، حلبي، مينا، مرقص، ترجمان.

خان الأقباط:

 يقع في حارة النصارى بالقرب من دير مار جرجس، سمي نسبة إلى سُكانه “الأقباط”، بناه المطران الأنبا إبراهام عام ١٨٣٩م، بني تبعًا للكنيسة القبطية، وأن الفرنجة عندما احتلوا القدس عام 1079م، طردوا الأقباط من الخان، ولكن صلاح الدين الأيوبي أعادهم إليه بعد تحرير القدس عام 1187، وفي الفترة العثمانية استخدم للضيافة وكانت تستقر فيه وفود الحجيج والزوار وعابري السبيل، ومع احتلال عام 1967 تحول الخان إلى حي سكني مكتظ بالمقدسيين، كما أنه بات وراء كل باب من أبوابه عائلة، فيأوي الخان اليوم 35 عائلة تقيم كل منها في مسكن تتراوح مساحته بين عشرة وأربعين متر مربع، ومما يجدر ذكره أن الخان تحول من مكان للضيافة واستقرار الحجيج وعابري السبيل إلى حي سكني لأهل القدس، ويعاني سُكّانه اليوم من تشققات في البيوت وارتفاع نسبة الرطوبة بسبب منع الاحتلال اصحاب البيوت من ترميم بيوتهم القديمة

المدرسة القبطية

وترتّب على الوجود القبطي في القدس بعض المؤسسات ذات الطابع المدني، ولعلّ أشهر هذه الأمثلة جميعاً المدرسة القبطية في القدس. إذ أنشأت بطريركية الأقباط في القدس الكلية الأنطونية للبنين، ثم أنشأت بعد ذلك كلية الشهيدة دميانة للبنات، بتقديم الخدمات التعليمية بها حتى الحصول على شهادة الدراسة الثانوية

والالتحاق بهذه المدارس ليس قاصراً على أبناء الأقباط فحسب، بل مفتوحٌ حتى للمسلمين، وتُرسِل وزارة التربية والتعليم في مصر بعثة تعليمية من المدرسين المصريين للخدمة في هذه المدارس في القدس، على الرغم من أنّ المنهج الدراسي والنظام التعليمي بها لا يسير على نمط التعليم المصري

ومن المؤسسات القبطية ذات الطابع المدني وإنْ ارتبطت بشكلٍ أو بآخر بالناحية الدينية، إنشاء جمعية خيرية اجتماعية لرعاية الوجود القبطي في القدس

ففي عام 1944 تمّ في القاهرة إنشاء رابطة القدس للأقباط الأرثوذكس. وحرصت الرابطة منذ ذلك التاريخ على أنْ تعمل من أجل حفظ تراث الأقباط في القدس، مساعدةً للاجئين الأقباط بعد ذلك. إلى جانب تيسير إجراءات الزيارة المقدسة إلى القدس، هذا فضلاً عن المساهمة المادية في تدعيم الكنائس والأديرة والمدارس القبطية في القدس

دير السلطان

يحظى دير السلطان الذي أعاده صلاح الدين الأيوبي للأقباط، بعد تحريره من القوات الصليبية، بأهمية خاصة عند المسيحيين عامة، والأقباط خاصة، لأسباب عدة أبرزها أن ساحة الدير تقع فوق كنيسة القديسة هيلانة،

يقع دير السلطان، المسمى نسبة للسلطان صلاح الدين الأيوبي، داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، في حارة النصارى بجوار كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة، تبلغ مساحته حوالي ١٨٠٠متر، وأهداه السلطان صلاح الدين الأيوبي للأقباط لإخلاصهم، وتقديرا للدور الوطني الذي لعبوه في المعارك ضد الجيوش الصليبية التي احتلت القدس

 وفي الزاوية الجنوبية الغربية منها تقع كنيستان تاريخيتان، الأربعة كائنات الروحية غير المتجسدة، والملاك ميخائيل، والكنائس الأربع تعد الطريق للوصول إلى كنيسة القيامة الشهيرة، مقر قبر المسيح عليه السلام حسب الرواية المسيحية  .

كما أن للدير مكانة خاصة عند المسيحيين الأقباط، لأنه يعد بمثابة طريقهم المباشر للوصول من دير مار أنطونيوس، مقر البطريركية المصرية، والذي يؤدي أيضا إلى كنيسة القيامة، لذلك تدافع عنه الكنيسة المصرية في خلافها مع الأحباش في ملكية الديووهبت الملكة هيلانة الأقباط أيضا الجزء الواقع من شمال شرق كنيسة القيامة؛ إذ تقع بئر الماء التي استخدمت مياهها في بناء كنيسة القيامة ومعظم كنائس مدينة القدس، وأطلق الأقباط اسم الملكة وابنها على البئر تخليدا لاسمها وتكريما لها، وأنشأوا كنيسة صغيرة فوق البئر باسم الملكة

دير السلطان

يقع قرب كنيسة القيامة؛ ملاصقاً لها من الناحية الجنوبية الشرقية.  ويشتمل على كنيستين: كنيسة صغرى تدعى "كنيسة الملاك"؛ وكنيسة كبرى تدعى "كنيسة الحيوانات الأربعة".وللأقباط في كنيسة القيامة معبد صغير بنوه هناك ملاصقاً للقبر المقدس عام 946هـ/1540م، ثم جدد بعد حريق سنة 1222هـ/1808م

هذا وقد تصدعت الكنيسة سنة 1249هـ/1834م إثر الزلزال الذي حدث في القدس في القرن السابع عشر.  ورممت الكنيسة أيضا آخر مره 1285هـ/1869م  يذكر عارف العارف أن هذا الدير للأقباط في الأصل؛ لكن اللاتين اغتصبوه منهم، إثر الاحتلال الفرنجي للقدس؛ وأن صلاح الدين الأيوبي رده إليهم بعد تحريره للقدس في سنة (583هـ/1187م)؛ فنسبوه إليه وأسموه "دير السلطان" 

 ويتميز هذا الدير بأنه يشتمل على حجاب خشبي قديم مطعم بالعاج، كان قد صنع في مصر.  وتجدر الإشارة إلى أنه خاص بالرهبان؛ لذا بنوا ديراً آخر لهم بإذن السلطان العثماني، خاص بالراهبات قرب باب الخليل، وأطلقوا عليه اسم "دير مار جرجس".  وتفيد بعض الحجج الشرعية أنهم أجروا فيه أكثر من تعمير خلال القرن التاسع عشر؛ أما الزوار منهم، فقد خصصوا لهم ديراً بنوه في عام (1255هـ/1839م)، فوق الخان الملحق بديرهم الكبير(دير السلطان)

 ويذكر أن هناك دير آخر يحمل هذا الاسم (دير السلطان)؛ لكن سكانه من نصارى الحبش ومفتاحه بيد راهب قبطي؛ ما يشير إلى ضغف هذه الطائفة في القدس؛ حتى أنهم فقدوا عدداً من أماكنهم الدينية في القدس منذ القرن السابع عشر الميلادي، باستثناء دير صغير نسب إليهم بجهة باب العمود، كان يعرف بـ"دير الجنة"؛ لذا جاءت كنيستهم خارج أسوار البلدة القديمة، لما أذنت الدولة العثمانية لهم بإنشائها في أواخر القرن التاسع عشر؛ إثر الخلاف الذي أدى إلى انفكاك العلاقة التاريخية بينهم منذ عام (1235هـ/1820م