• 23 نيسان 2021
  • حارات مقدسية

 

بقلم : الشيخ مازن اهرام

 

اليوم نسلط الضوء على موروث ثقافي مقدسي نستذكر فيه حياتنا المقدسية   وقد خلت تلك الأيام  ولم يبق منها سوى خواطر نلم ثعثها  عبر ذكريات عصفت  وتلاشت  ولم يبقى منها شيء سوى حكايات..... 

الحكواتي أو الراوي أو القصّاص أو القاصّ، عادة شعبية تقليدية، وهو شخص امتهن سرد القصص  ، في المنازل والمحال والمقاهي والطرقات، كان يحتشد حوله الناس قديماً، كان لا يكتفي بسرد أحداث القصة بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت

الحكواتي شخصية واحدة جسدها كثيرون على مر عقود من الزمن، وهي مهنة عرفتها بلاد فلسطين وخاصة مدينة القدس منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد .

واشتهرت مدينة القدس شهرة كبيرة بالحكواتي فلا يوجد مقهى من مقاهي مدينة القدس التراثية قديما الا وبه حكواتي حيث أصبح الحكواتي من التراث الشعبي وتاريخ عريق مع حكايات وزوار البلدة القديمة حيث كانوا يقصدون المقاهي المنتشرة في المدينة للاستماع للحكواتي وهذا الملك وذاك القائد والظاهر بيبرس والف ليلة وليلة وعنترة عبلة وأبو زيد الهلالي  و.... روايات وروايات .

وكما هو معروف أن مدينة القدس تميزت عن سائر البلاد في إرثها الروحي  والتاريخي  فيجد الحكواتي مادة يتناولها في قصصه الشعبية  وبالمقابل يستوعبها المتلقي براحة  وهداة بال

 ويعد الحكواتي الشخص المبدع في فن ” المقامات” الذي هو من أهم الفنون الأدبية التي لم تأخذ حقها مثل باقي الفنون، فهي قصة قصيرة تكتب بلغة إيقاعية، مطعمة بالشعر، يحاكيها الحكواتي، أما عن الشخصيات الثانوية فهي محدودة، وتدور على حدث واحد، في زمن محدود، ومنطقة واحدة، هدفها نقد العادات والتقاليد السيئة والشخصيات السلبية في المجتمع،

إن الحكواتي هي طرق تطور المسرح الذي هو في واقعنا الأن، والمسرح وفن المسرحية وكتاب القصص طرق مستنسخة من الحكواتي، وإن اسلوب الحكواتي هو أسلوب تأديبي تعليمي تهذيبي قبل أن يكون ترفيهيًا، والجمهور لدى الحكواتي جمهور غير سلبي يستمع ويتأثر   ويعيش الواقعة بمهارة ,وأسلوب الحكواتي الذي يخطف الأبصار سواء بطريقة سرده أو حركاته وانفعاله حين يلوح بسيفه أو خنجره هذه الإيماءة  ينفعل لها الحضور ويرددون عبارات الثناء  والتكبير حين ينتصر صاحب الرواية 

قصص وروايات طويلة مع الحكواتي في البلدة القديمة الذي طالما ارتبط اسم الحكواتي بالمقاهي المقدسية العريقة مثل قهوة علون   في حارة باب حطة وقهوة زعترة   الذي يقع على يسار الزائر وهو يهبط سلالم باب العامود من الداخل- واحدا من أهم المقاهي التي انتهت مسيرتها بإغلاقها، وإبعاد صاحبه خليل زعترة الذي أكمل مسيرة والده في إدارة المقهى بعد رحيله  ، وقهوة منى عبر طريق وادي الطواحين

 ويعد  مقهى علون «باب حطة» من أشهر المقاهي في القدس، والتي كانت تستضيف رواة القصص أو الحكواتي، ومن أشهرهم الشيخ المرحوم صالح علي خميس الذي ولد في المدينة عام 1897 وترعرع فيها وأسس فرقة إنشاد خاصة في زاويته «المئذنة الحمراء» في حارة السعدية، فكان يجلس الشيخ خميس فوق مصطبة أعدت خصيصا للرواة يرنو بجسمه النحيل وملامحه الرقيقة وبشرته القمحية إلى المحتشدين، ويصغي الجميع «كنا قد تحدثنا يا سادة يا كرام عن فعل عنترة بأعدائه اللئام، واليوم نواصل معكم مسيرة الهمام ونزاله، فصلوا على النبي العدنان». وفي الحال يمر صبي المقهى على الزبائن  لتلبية طلباتهم  من الأشربة كشراب (الكينر)الزنجبيل المعشق بالقرفة والجوز  والكركدن  وعرق السوس  والخروب إضافة للشاي والقهوة وإن استمرت الرواية تتجدد طلبات  المشاريب  ودواليك

كان عمل الحكواتي يمتد يومياً على فترتين: بين صلاتي المغرب والعشاء وهي فترة قصيرة لا تزيد على الساعة، وبعد صلاة العشاء وتمتد أحياناً حتى ساعات الفجر الأولى. فيقف الحكواتي مستعيناً بكتاب يصطحبه معه بشكل دائم، ويبدأ سرد الرواية أو الحكاية التي غالباً ما تكون عن شخصية تاريخية، وتدور جميعها عن البطولة والشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم. وفي نهاية كل حكاية لا بد وأن ينتصر الخير الذي يمثله بطل الرواية.

 ويبقي الحكواتي جمهوره في تشوق دائم لمعرفة وقائع القصة أولاً بأول واذا ما طالت الحكاية لليال وأيام، فانه كان يحرص على أن تنتهي أحداث القصة كل ليلة بموقف متأزم والبطل في مأزق حتى يحمّس المتلقي ويجعله متشوقاً لسماع بقية الأحداث وكيف سيخلص البطل نفسه من المأزق.

 وما يزيد في الحماسة والتشويق أن الحكواتي كان يقوم بتجسيد شخصيات روايته وكلامهم بتحريك يديه وترفيع صوته أو تضخيمه. والمفارقة في الأمر أن بعض جمهور الحكواتي كان يرفض الذهاب إلى بيته قبل أن يستمع إلى بقية القصة ويطمئن إلى أن بطله اجتاز محنته. ووصل الأمر مرة إلى درجة أن أحد المستمعين لم يستطع أن يصبر إلى اليوم التالي، فلحق بالحكواتي إلى بيته ليعرف بقية القصة. أما أجرة الحكواتي فكان يتقاضاها من صاحب المقهى الذي يتولى تحديد بدل الدخول إلى مقهاه بما في ذلك المشروبات، فكان الزبون يدفع عشر بارات أي ربع قرش مقابل الاستماع إلى الحكواتي وثمن المشروبات. أو يدفع خمس بارات مقابل أي منهما. وعما إذا كان هناك من خصوصية لمهنة الحكواتي في شهر رمضان،

عمل الحكواتي كان يتواصل على مدار السنة، لكن خصوصيته بالنسبة لشهر رمضان مرتبطة بان مواضيعه تتناسب مع الشهر الفضيل والقيم التي يمثلها، وهذه القيم عادة ما كان الحكواتي يتحدث عنها وعن فضائلها في رواياته ومجسدة بتصرفات أبطال هذه الروايات. كما أن الصائم بعد الصيام والتهجد والتعبد كان يحتاج إلى وقت للراحة والترويح عن النفس، فكان يجد ذلك في جلسة الحكواتي، لكن طبعاً بعد أن يكون أدى صلاة التراويح تعدّ مهنة الحَكواتي تجمع بين الأدب والشعر والفن، فليس من السهل أن تكون حكواتي، إذ تحتاج إلى شخصيّة مثقّفة وذات خبرة ومهارة في سرد القصص والروايات التاريخية المُفعمة بالمغامرات والأحداث المشوّقة، والقدرة على جذب  الجمهور

كراكوز وعيواظ

كرا گ‍وز وعيواظ هما شخصيتان في مسارح خيال الظل التركي يعود أصلهما إلى العصر العثماني وانتشرت إلى مُعظم مناطق الإمبراطورية العثمانية وخاصة في تركيا و فلسطين،  الموضوع الرئيسي للمسرحية هي التفاعل المتناقض بين الشخصيتان الرئيسيتان. حيثُ يُمثل كراكوز الشخصية الأُمّيّة لكنه صريح، أما عواظ فيمثل الشخصية المثقفة التي تستخدم الشعر والأدب كان مخايلو الظل يعرضون فصولهم الممتعة دفعة واحدة وأمام كل منهم طاولة خشبية، وفي صدر المقهى يجلس كبار السن وقد عمروا النرجيلة ويبدأ التبغ بالاحتراق ويتحرق الجميع شوقاً للآتي على تلك الستارة السحرية

أصل اسم عيواظ من التركية (هاجي أوظ أي الحاج عوض) وعربت لاحقاً إلى هذا الاسم. كراكوز أو قرة گ‍وز أي العين السوداء

هذان الرجلان حسب الأساطير هما رجلان حقيقيان. وتبدأ القصة الحقيقية عندما أتى الحاج عوض (مهرج السلطان) بقرة گ‍وز من الأستانة إلى بورصة بعدما طلب من السلطان أن يأتي بشخص آخر يساعده. وذات يوم تكلما بكلام بذيء أمام حرم السلطان العثماني، فأمر السلطان بقطع رأسيهما. وبعد فترة أمر السُلطان أن يُحضرا للمهرجان، فقال له (بكجي باشي) بأنهما أُعدما فأخبر السلطان بكجي باشي بأن من يقطع رأسيهما ألحقت رأسه بهما؛ أذهب وأتني بهما. خرج الرجل وأخبر عبد الله الششترى بالقصة، فأمر عبد الله بجلود وقصها على هيئتهما، وأخبره بطريقة تحريك الجلود وتقليد أصواتهم، فعُرض العرض على السلطان. وبعدها أخبر الششترى السلطان بالقصة. حتى طلب من السُلطان أن تُخرج إلى العامة في الأسواق فسمح بذلك.

وفي مدينتنا القديمة في حارة السعدية وفي بيت الشيخ علي الخلوتي بجانب  مسجد وزاوية المئذنة الحمراء يقبع في الدور الأول فرن  يخبز الخبز والكعك المقدسي  لكن عمله يتوقف في شهر رمضان المبارك ليتحول بيت النار لا ستوديو

كراكوز وعيواظ وتُسدل الستارة على ضوء الشمعة وتتحرك الدمى والعرائس من خلفها ويتحلق  الأطفال أمام المشهد الرائع  ويبدأ العرض ما بين صلاتي المغرب والعشاء  علما أن تذكرة العرض تعريفه نصف قرش

حكايات الجدة

كلنا نعرف حكاية واحدة مشتركة، وهي التحلّق حول الجدة قرب المدفأة بينما تروي لنا حكاياتها القديمة. حتى لو أن الأمر لم يحدث فعلياً، إلا أننا نشعر وكأنه حدث لنا أن روت لنا جداتنا قصصاً، وكأنما الأمر يدخلنا في جينات مخيلاتنا.

 فمن من لا يعرف "ليلى والذئب" أو "سندريلا" أو قصة حب جمعت حبيبين وانتهت إما بمأساة أو  عاشوا  أجمل حكاية". ولو توسعنا في الأمر قليلاً لوجدنا أن تواريخ "حقيقية" لشعوب الأرض قد قامت على قصص وأساطير، صارت جزءاً من الثقافة الجمعية للشعوب، بل وتقام احتفالات ومهرجانات وطقوس في جميع دول العالم لإحياء مثل هذه القصص القديمة وإعادة تمثيلها.

وطالما أن القصص موجودة كجزء من الثقافة العامة، كان لا بد من أن تخرج من غرف نوم الأطفال وتجمعّات العائلات إلى فضاءات أوسع في المجتمع، على أن يرويها شخص معين.