• 3 تشرين أول 2021
  • حارات مقدسية

 

 بقلم :  الباحث الشيخ مازن اهرام

 لا زال حديث الذكريات مستمر حديث لذيذ في هذا الزمن الصعب الذي ضاع فيه الحاضر بالقادم ، حديثنا اليوم عن الحاكورة المقدسية

الحاكورة والحواكيــر في لغة الجذور أرض تُحْبَس لزرع الأشجار قُربَ الدُّوروهي مفرد كلمة حواكير وتستخدم في المجتمع الريفي حيث يطلقها سكان الريف على قطعة الأرض المتصلة بالسكن وهي أرض صغيرة المساحة يخصصها صاحب السكن لزراعة الخضار اللازمة للاستهلاك المنزلي اليومي كالبقدونس و النعنع الخيار و البندورة ونحو ذلك مما يُحتاج إليه ويستهلك يوميا باستمرار . وقد يُزرع في الحواكير بعض الأشجار المثمرة على نطاق ضيّق جدا وغير ذلك من الخضار التي يحتاج إليها يوميا كذلك بعض الأزهار  والورد وبضع دجاجات  وديك
يرد  مسمى الحاكورة ، في الاستعمال الريفي عامة، الفلسطيني  والمقدسي خاصة ،و يُطلق على قطعة الأرض المتصلة بالسكن  وتمتاز الحاكورة بصغـر المساحة ، وقدشكّلت الحاكورة للعائلة الفلسطينية  المقدسية منذ القديم مصدراً للأمن الغذائي  ووفرت للفلاح الفلسطيني حاجاته اليومية من الغذاء . وترمز الحاكورة في التراث الفلسطيني للاستقلالية في  الاكتفاء الغذائي الذاتي  وقد  يكون من هنا مجيء تسمية الحواكير إذ ترمز لضرورة اعتماد الريفي على موارده الذاتية لتلبية احتياجاته والمدن والقرى المقدسية كانت عبارة عن سلة الغذاء لإهل بيت المقدس شرقاً وغرباً طولآ وعرضاً وينابيع  الماء العذب اللازم للشرب وسقي الحيوانات والري والأغراض المنزلية دون عناء كبير.  وبهذا تكون الينابيع قد شكلت المحور الأساسي في تاريخ استقرار الإنسان الفلسطيني وتطور العديد من نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكل أطياف المجتمع الفلسطيني قاطبة؛ ما مكن الفلسطينيين من الحفاظ على ديمومة بقائهم وثباتهم، ونسج خارطة تقاليدهم وعاداتهم الخاصة التي تميزهم وتشكل هويتهم الراسخة المتجذرة  بالأرض كما ترسخ جذور أشجار الزيتون.  والفكرة من الحاكورة الأعتماد على الذات بالعلم  والعمل  وعشق الأرض التي نحيا ونموت عليها   و شجر الزيتون تشعر بصاحبها فكلما خدمها بحب أعطته أكثر"، ونستشهد بالإشارة إلى إحدى الشجرات:

هذه الشجرة ثمرها أفضل من غيرها من الأشجار والسبب قربها من الغرفة التي نسكن بها .. فهي تشعر بنا قريبين ذلك تعطي أكثر هي قصة عشق  

حاكورتنا اليوم

قاحلةً جدباء صارت جَدْبًا أي مَحْلًا وقحطًا وكأننا  نبحر في كومة أشواك هْمَاءُ سَّنَةُ عسيرة شديدة لا فَرَجَ فيها فِي الأَرْضِ لَعْقَةٌ مِنْ رَبِيعٍ قَلِيلٌ مِنَ العُشْبِ الأَخْضَرِ وتتبدل الأحوال  كيف كُنا وكيف أصبحنا  نختلج الذكريات والأحاسيس, تخلى الجميع نعم الجميع ....

والأمر ليس كالبارحة  والخوف من غد   يستشرف بمكنوناته لك الله ياقدس بمساجدها   بمأذنها بكنائسها بحواريها  بأزقتها  بدروبها بضحكات أطفالها بكل أطيافها  بأسواقها بسمائها وأرضها  وهوائهاوأسوارها تاريخها وحضارات توالت  عليها تركت بصماتها  وبقي أهلها

حاكورتنا أمس

 تحتوي على فيْ وميْ وحوض ياسمين  وقوار ريحان

ودالية معروشة ووردة جورية  وشجرة رمان مزروعة من زمان وشجرة كينا مظللة على الجيران

وعلى دايرها مصطبتان  نجلس عصرية  ونرتشف القهوة  مع الأهل والحبان  وعند المساء نناجي قمر قدسنا يعانق صخرتنا  وكأننا لدينا قمران أحدهما فوق السحاب  والأخر بباب المسرى على الأقصى حط رحاله يؤمن بالدعاء للركع السجود لضيوف لرحمن
السّحرالجميل  عبق رائع من اريج الورد من انسان يحب الحياة و يسعى لان تعرف كل ما تجهله..ببساطتها وتشدّك الألوان، وتستفزُّ أنفَك الرائحة وتستثير مشاعرَك الأصوات، فتتوه في زمنٍ ماضٍ بعيد،عقود من الزمن خلت بكل أطيافها مُرها وحلوها ذكريات عصفت أفق خيالي بارقا يلمع في جنح الليالي نبهت قلبي من غفوته جلت لي ستر أيامي الخوالي

كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي إنها قصة حبي هي القدس درة الوجود

يمضي النهار  ويمضي معاه  الزمان  وليس لنا  إلا تلك الصور  التي  نفزع  إليها  عصفت بنا أنواء الانكسارت  لحالنا  المنهار  حتى أحلامنا أضحت ممنوعة  في عُرف الإحتلال  وبعضنا أصابه الإحباط وآخر شد مئزره  وأبى العصيان  وثالث ينتظر لحظة فرج  ولو بعد حين  فمتى ياوطني تكسر قيد الوهن وتنفض عنك غبار الخوف  متى يا مقدسي تعلم  أن لك كرامة كما علمنا التاريخ نروي قصص وأمجاد الماضي  ونقول كان أبي, شمر عن ساق الجد واخلع ثوب العار  أنت المقدسي وغيرك فلا أنت المعول عليك غدا  ستشرق الشمس من جديد  ويأتي يوم العيد

ورائحة القهوة السمراء، يخطفُك المشهد، وتراقُصُ الفراشات فوق أشجار اللوز.. وخريرُ الماء السائر والمنبثق من أحد الينابيع الحلوة، حتى طائر البوم بوجهه العابس والراقد أعلى الشجرة  في مساحة لا تتجاوز بضعة أمتار مشهداً فنياً للحاكورة المقدسية القديمة بكل تفاصيلِها التي ما زالت عالقةً في اذهانِنا ومرّ تلك القرية كانت تحفّها عن اليمين والشمال سنابل القمح الذهبية ومن فوقِها تتسابق الفراشات البيضاء
«ختيارةٌ» بثوبِها الفلسطيني التراثي المطرز بخيوط الحرير العنابية اللون تجلسُ بابتسامةٍ وهدوء، وختيارٌ يقترب من التسعين يرتدي ثوب الفلاحين القديم المسمَى «الدّمايةَ»، ويلفّ الحطة والعقال على رأسِه ليعبّرا عن اللّمة الفلسطينية والترابط القديم واجتماع الأحبّة والجيران  ويسرد قصص يافا وبيارات البرتقال  والمواسم  والخيرات  ويحتفظ في جيبه مفتاح بيته في أمل العودة إلى يافا  ولسان حاله يدمدم..
خذني الى يافا خذني معك  
أيها الحلم المتجذر في روحي
خذني الى شطآنها والى حواريها العتيقة
خذني الى يافا  أعانق صبحها
أعانق شمسها  خذني الى يافا يا طائر النسيم  
أركض خلف غزالتي  تعشقني زهور البرتقال
في براري النشيد   في غابات ليمونيّ الأشعث
تصهل المواويل  وتندلع القناديل

جارحةٌ ذكرياتي كحّد السيف زنابق يافا بيضاء منيرةٌ كالقمر
كالأفئدة على جبينها حكاية الزمان حكاية المكان

خذني الى يافا  وأطلق حريتي في سماء الحلم
في قلب يافا الكبير لعيون يافا لروح يافا.

خذني اليها غيمةً  خذني اليها نبوة صبحٍ
خذني اليها حقل سنابل مديح ظلالٍ لظلال الحلم
ليافا باكورة عمر الوردة وملاذ الشوق الدائم
في سري في فرحي في أيامي
وحين تقترب من شجرة اللوز تشمّ رائحة اللوز الزكيّة، أما حين تجاور قفص الحمام فتسمع حركة أجنحتها وصوتها، ويا لروعة الشعور حين تقترب من نبع الماء وتسمع خريرَه وترى الإضاءة المميزة منعكسةً عليه بطريقةٍ مقصودة
اخي المقدسي

لنعتبر أن كل شيء ينفض عنه الغبار يصبح حيا. كذاكرتك مثلا؛ كلما نفضت عن رفوفها الغبار كلما حررت فكرة ما، وتفتح بوابة ما، عن أقاويل وكتاب كانوا في الماضي جزءا من ذاكرتك

ليس كل الغبار إيجابيا! فبعض الرفوف يستحسن عدم نفض الغبار عنها، ممنوعة من اللمس والأفضل تجنبها. لكي لا نرجع بالزمن إلى الوراء ونسترجع في مقلتينا كل الحروب التي مضت وولت، وكل تلك الوقائع والأشخاص

فلننفض إذن الغبار المنشود بالفكر ونحيي الموت بالعقل ونسترجع تقافة السنوات الخوالي

لنستوعب التغيير ونقنع أنفسنا بهذا التغير، تغير أنفسنا وتعلمت ولازالت في الطريق لنحيي الموت العقلي ونوقض الأمل الفكري المختفي

لنرجع إلى صفوف التوعية والأدب ونحيي هذه الروح القوية لنرتب رفوف فكرنا ونبحت عن عناوين الكتب التاريخية والعلمية وغيرهاولنصنع المزيد من الحياة بذاكرتنا بدلا من سقوطها في نوم أبدي

لننسى الوهم برهة ونركز في بناء نفس الغد، نفس متميزة منفردة بشخصها. نفس واجهت القديم والجديد ونصارع مع الزمن في رحلة إلى الذا

لنأخد بيد الصديق والأخ والأم والأب، ولنتشارك الفكر والحديث بين الأجيال. لننمي قدرات العقل ونعبر الزمن بدون وقت. لنتعلم من الصغير والشاب والشيخ لنتشارك تجاربنا ونتعايش ونروي عطش الذاكرة بالكتب

لنتحرر من نفس الكتب ونزور العالم.. لنفقه في الفلسفة واللغات والتقافات والديانات والأشعار

لما لا؟ لما لا نقرأ ونحن أمة اقرأ؟

فالمعرفة عند كل شخص مختلفة وفي الاختلاف تميز يغني العقل والفكر ويشرق فجرا من العلم

لا بد أن نكتب عن ولاته حتى نُـشفى منها .. يجب أن ننثر ذلك العشق الأبدي  الذي خلفته في نفوسنا ونحن نتلمس عبق التاريخ ونتحسس أنفاسه الجميلة في الأزقة والرُحبِ وعلى الجدران وبين أضرحة العلماء والصالحين

خَمْرَةَ الحُبِّ اِسْقِينِها        هَمَّ قَلبِي تُنْسِينِيهْ 

عيشَةٌ لا حُبَّ فِيهَا           جَدوَلٌ لا مَاءَ فِيهْ       

يا رَبَّةَ الوَجهِ الصَبوحي     أنتِ عِنوانُ الأمَل   

اسكِري باللَّثمِ روحِي         خَمرَةُ الرُّوحِ القُبَلْ 

إنْ تَجودي فَصِلِيني          أسوَةً بالعَاشقين  

أو تَضُنّي فاندُبينِي            في ظِلالِ اليَاسَمين
وكأن أصوات من مروا من هناك كانت  تنادينا بصوت شجي عزفته أوتار الزمن  ليشنف مسامعنا .. ويردد مع أطفال ولاته "أخذناك عهدا حملناك وعدا  ..  ونهديك سعدا لجيل أطل
في الحقيقة لن يسامح التاريخ كل ذلك التنكر والنسيان الذي ظلت المدينة التاريخية تعيشه لعقود من الزمن .. لقد كان النسيان  والغياب المستمر يبسطان أطرافهما على المدينة دون أن تفهم لماذا كل هذا الضياع  ولماذا  أصبح الحزن وليمة وطبقا مضافا بالإكراه إلى الأطباق الولاتية الشهية

المراجع:

1) الحاكورة والحواكيــر في لغة الجذور بقلم:د. محمد فتحي راشد الحريري

2) الكاتب طلعت شناعة

3) غناء أُم كلثوم - تأليف أحمد رامي

4) كلمات الأستاذ صباح فخري  كما ورد في كتاب مذكراته (صباح فخري سيرة وتراث) للكاتبة شذا نصّار

5)الكاتبة ليلى الكرد

6)الكاتب عبد الله الراعي

لشعر محمد علوش – فلسطين المحتلة 7)ا
8)هيئة أشراف بيت المقدس