• 13 آب 2022
  • حارات مقدسية

 

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

لعل القارئ يسرح  بفكره  بعيداً ويتجاوز حدود المعقول  لكن الفكرة ألهمتني أن لكل عاشق معشوق وأن لكل حبيب محبوب والعاشق ليس وحيدا أبدا فمعشوقته معه بداخل روحه على الدوام .

حكايتنا مستلهمة مِن زقاق البوس 

الاسم هو طريق الهلال  الواصل ما بين عقبة الراهبات شرقاً وعقبة الاصيلة غرباً ويتوسط المسافة بين النزل النمساوي كان سابقاً يشغل مشفى الهوسبيس  

يوصف بأنه ممر ضيق معتم وكان يطلق عليه بزقاق العشاق ويحتوي على خمسة وأربعين درجة في الدرب الممتد من خلاله 

الُمسمى مستوحى من التقبيل أو البَوْس تلامس الشفاه بأي شيء وتختلف دلالاتها من ثقافة لأخرى اعتمادا على الثقافة والسياق فالقبلة يمكن أن تعبر عن مشاعر الحب والعاطفة والرومانسية والمودة والاحترام والتحية والصداقة والسلام وأشياء أخرى كثيرة في بعض الحالات تعدّ القبلة أحد الطقوس الرسمية أو رمزية تشير إلى الإخلاص والاحترام ويختلف ما تشير إليه باختلاف مكانها  فقبلة الجَبين عنوان للسمو  وقبلة الوجنتين والخدود رمزاً للحنان والحب  وقبلة القدم رمز للخضوع  وقبلة الأيدي رمز التقدير والاحترام 

يعود اهتمام أهل بيت المقدس بالقدس وفلسطين بالمكان والمكانة   وحضور مدينتنا    تمسك   بجغرافية التي ننتمي إليها غالبا نجد المقدسي ينسب ذاته إلى المكان  ومن  ثم الى  العائلة  بمعنى مسقط رأسه ولله در أبي تمام قائلاً

نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى    ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ

كَم مَنزِلٍ في الأَرضِ يَألَفُهُ الفَتى      وَحَنينُهُ أَبَداً لِأَوَّلِ مَنزِلِ

القداسة نجدها حاضرة مكانتها وهيبتها وأثرها بشكل واضح جلَي  تجعلها  أقرب إلى الإله فهي القدس بما حوت من قداسة مساجدها وزواياها  و كنائسها ومعالمها تلك هي القدس نجدها تتغنى به من خلال تراتيل مكانية  فتبدو لنا وكأنها الإله المعبود الذي نمجده لذاته  لما فيه من صفات  جمالية  لما يمنحه فينا من وجود  لما يعطينا من راحة وطمأنينة  فالمكان القدس مدينة مقدسة  ليس بصفتها الدينية فحسب  بل بصفتها الاجتماعية أيضا والعاطفية  والأخلاقية والروابط الأسرية فسيفساء جمعت عائلاتها أُسرة واحدة كبيوتها المتلاصقة بعضها ببعض كعقد لؤلؤ توشحت به المدينة العتيقة عشقها من سكن فيها تفيأ سمائها وتوسد على أرضها  ما أن يمر عابر سبيل  بها من زقاق أو حوش أو يرتقي عقبة  فمن خلالها يسمو  ويسجد في محرابها  حضارات  من عبق الزمان تزاحمت  في المكان وعلى ثراها سطر التاريخ اروع الملاحم 

يكتب التاريخ مجداً تُسطره الحروف والكلمات من معين الشعر والنثر بأجمل درر شذى عبقها الفواح وأبهى قافية بلغة الضاد فهي عربية أصيلة تخليداً لماضيها وحاضرها   سطرت عن الملاحم والغزوات والاكتشافات والصناعات بل حتى ما أبدعه العلماء وسطره المؤلفون لتتناقل الأجيال ذلك الموروث جيلاً بعد آخر بمداد من فخر ومزيد من فهم بل واستيعاب وأصالة فهذا زقاق وجزء من حارة متواضعة اتسعت لكل الحكايات فكيف بمدينة السلام وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِا مَدَدًا هي زهرةً ذات شوك يشم شذاها المحب، وتدمي يد المبغض.

نرجع بالذاكرة لسنوات قد خلت و لكل منا حكاية عشق مر عليها زمان أو جالت أطيافها في أزقة القدس وحواريها  عٍشقاً  نبوح به كلما مررنا بين طُرقات  مدينتنا  حلوها ومُرها  تلك الأيام عشقنا تلك الدروب أهلها وناسها   عٍشقاً عُذرياً تتبادل الابتسامات وربما وردة حمراء  من المسارات المترامية الأطراف إلى الباحات البسيطة  تتدلى ياسمينة من شرفة منزل تملأ المكان للعاشقين    وربما استعارة كتاب بين صفحاته خُطت بعض تعابير الإعجاب والاستلطاف وعيون  الأهل ترصد الأحوال علها تحظى مُستقبلاً  بنسب أو مصاهرة لتحافظ على نسيجها وتأبى  الغريب فهي لأهلها ولأهلها ومهرها غلا  

مَهرُ الفَتاةِ إِذا غَلا صَونٌ لَها          مِـن أَن يَـبُـتَّ عَـشيرُها تَطليقَها

هَـوِيَ الفِـراقِ وَخافَ مِن إِغرامِهِ     فَـأَدامَ فـي أَسـبـابِهِ تَـعـليقَها

وَلَرُبَّمـا وَرِثَـتـهُ أَو سَـبَقت بِها         أَقـدارٌ مـيـتَـتِها فَكانَ طليقها

أُنظر إلى عيني المرء سترى قلبه إذا ما كان مشتعلًا اقترب منه ستشعر بأن روحه تحلق هناك في علٍ لذا لا ينحدر سلوكه صحيح العاشق ليس ملاكًا لكن قلبه كذلك وإذا ما اقتربت أكثر ستجده معطاء فالعشق يمنحك إكسير العطاء فتجد نفسك مدمناً في منح الآخرين كل ما لديك 

ومن معالم مدينتنا 

حارة وحوش النير سات تعود إلى الفترة المملوكية بني الطابق الثاني منها في الفترة العثمانية المتأخرة في حين توجد تحت الأرض أقبية من الفترة الصليبية  لكن فترة الانتداب البريطاني ولكثرة الثورات حينها اتخذت مجموعة من الممرضات من هذا الحي مقرا لهن لعلاج الجرحى والمرضى  وقيل أيضا إن أول قابلة قانونية في القدس خرجت من هذا الحي فأطلق عليه هذا الاسم وحول سبب تسمية الحي بهذا الاسم  قال إنه أطلق عليه قديما اسم "حوش النشاشيبي" وهي عائلة مقدسية  عريقة  حارة راهبات صهيون عقبة الراهبات (درج المولى) 

 طريق متعرجة والعروج سمى بها  تصل حارة الغوانمة بحارة السعدية  وهي الطريق الممتدة من درب الآلام باتجاه  الشمال  وعلى يمين الطريق يوجد دير العدس للروم الأرثوذكس، ويسمى أيضًا بدير مار نيكوديمس وعلى يسارها يوجد دير راهبات صهيون وهنا نرى عناق ابدي مع دير راهبات صهيون المرتبط بقوس مشترك بين الزاوية النقشبندية  والدير تتعانق  روابط الاخاء الديني المسيحي الإسلامي عبر عشرات القرون من الجهة الشمالية فيما تربض بشموخ الزاوية الافغانية من الجهة الجنوبية بقبتها الخضراء الزاهية ملاصقة لشقيقتها البخارية وفي الخارج تُعّطر شذى روائح البخور المكان ويكتسي اجواء روحانية ،  ويترجل  الحجيج المسيحي من امام الزاوية صاعدا في طريق الالام نحو القيامة   مجتازا القوس المشترك بين الزاوية والدير  ذلك القوس الذي يقال انه قائم في المكان الذي وقف فيه الحاكم الروماني لمدينة القدس وحوله تجمع اليهود مطالبين بأطلاق سراح اللص برا باس بدلا من السيد المسيح الذي طالبوا بصلبه  ينظر البخاري بعيون مفتوحة نحو الدير ويقول " تاريخ من حسن الجوار يجمعنا   وتبادل التهاني في الاعياد فنحن في زاويتنا نذكر الله بمحبة خالصة له وحده   ومن يحب الله ويمجد   يحب جميع خلقه بدون استثناء  الله حي   

حارة الشيخ ريحان

 تقع عقبة الشيخ ريحان في حارة السعدية داخل أسوار البلدة القديمة من القدس   يقع في حارة السعدية في الجهة الشمالية الغربية من السجد الأقصى المبارك تجاه باب الغوانمة إلى الشرق من طريق متعرجة (عقبة) تحمل  اسمه  الصحابي أبي ريحانة  الأزدي  الذي نزل القدس بعيد فتحها عام (16هـ/ 638م) وعاش فيها
يرجع البناء إلى فترة سابقة لم تحدد لكن الدكتور محمد غوشة الباحث  الذي غاص  في أعماق المدينة ليخرج اللؤلؤ المكنون بيّن في إحدى دراساته أن أصله مسجد ومدفن  يعرفان بزاوية الشيخ علي الخلوتي الذي دفن فيه في عام (940هـ/ 1533م)  وقد تتبع شؤونه من خلال سجلات محكمة القدس الشرعية من حيث إعماره ووظائفه المختلفة التي تولاها أفراد من عائلات مقدسية منها  آل غضيه والصاحب كما تناولت أوقافه التي ذكر منها داران مجاورتان له  كما بين تغير اسم صاحب المدفن أواخر العهد العثماني وأصبح يُعرف بالشيخ ريحان بعد أن تبددت أوقاف الشيخ علي الخلوتي  وتغيرت معالم زاويته ويميل إلى أن الشيخ ريحان المنسوب إليه هذا المسجد هو الشيخ ريحان السعدي أحد رجالات حارة السعدية الذين دفنوا في هذا المكان  وتشير دراسة الباحث فهمي الأنصاري إلى ترميم جماعة من أهل الخير البناء وتحويله إلى مسجد في عام 1977م  وفي عام 1982م شكل أهل حارة السعدية لجنة لترميمه وإصلاح محرابه وتوسيعه  وهو ما استكملته دائرة الأوقاف في القدس في عام 1991م
ويُتوصل إلى المسجد من باب غربي أسفل واجهة حجرية معقودة على عمودين متقابلين أو أكثر (بائكة أو ميزان) من الطراز العثماني المتأخر. ويعلو الباب قوس محدّبة تشبه الأقواس المموجة التي شاع استخدمها في القدس منذ العهد الأيوبي نقش في منتصفها مطلع سورة المؤمنون:

 ” قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5 

وفي الواجهة الجنوبية من المسجد محراب يبلغ ارتفاعه نحو مترين  وعرضه ثلاثة أرباع المتر  يعلوه مصباحان ويتوسط واجهته الشمالية اليوم مكتبة يعلوها مصباح

هل أدركت أيها القارئ معنى العشق ؟؟؟

المراجع:

مستشفى الهوسبيس جاء اسم المشفى بمعنى "بيت السلام"، ويقع في قلب مدينة القدس العتيقة ويشرف على طريق الآلام وكنيسة القيامة، ويشبه ببنائه نمط القصور المحيطة بشوارع مركز المدينة في فيينا، ويتكون من 4 طوابق، تحتوي على 40 غرفة مطلة على البلدة القديمة والأماكن المقدسة بها، وعلى الكنيسة النمساوية والمركز الثقافي النمساوي، ويحيط بالمبنى بستان واسع يُطلق عليه "واحة السلام تم بناء المعلم بأمر من الإمبراطور فرانز جوزيف على أن يكون نُزلاً للنمساويين عام 1863م

جلال الدين الرومي الشاعر الصوفي

الشاعر أَبو تَمّام (188 - 231 هـ / 803-845م) هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان، ولد بمدينة جاسم (من قرى حوران بسورية) ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها

أحمد بن عبد الله بن سليمان، التنوخي المعري.
شاعر وفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري صغيراً فعمي في السنة الرابعة من عمره.
وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد سنة 398 هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر، وهو من بيت كبير في بلده، ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه