• 1 شباط 2021
  • أقلام مقدسية

بقلم : سليمان أبو ارشيد

لا شكّ أنّ لانسحاب القضية الفلسطينية من المشهد السياسي الإسرائيلي وإسقاطها من أجندته الانتخابية تداعياته على الفلسطينيين في كل مكان، باعتباره انعكاسًا لحالة التهميش التي وصلت إليها قضيتهم التي لطالما احتلت موقع الصدارة في السياسة والرأي العام الإسرائيلي؛ ولكن، بقدر أكبر علينا، نحن أبناء الداخل الفلسطيني الذين بنينا كل رؤانا وبرامجنا وتحالفاتنا السياسية على القضية الفلسطينية، التي شكّلت بوصلة وطنية تهدينا إلى معالم الطريق.

من يذكر أنّ بين أيامنا الكفاحية هناك يومًا يسمى "يوم المساواة" الذي كان قد مرّ، في حينه، أيضًا مرَّ الكرام، رغم القضايا المدنية الحارقة التي يعاني منها مجتمعنا بسبب سياسة التمييز والإهمال والغبن والتهميش التي تُمارس ضده، ولكنّنا – كلّنا - نعتزّ بانتفاضات يوم الأرض والقدس والأقصى ودماء الشهداء الزكية التي سقطت على ثرى الجليل والمثلث والنقب، دفاعًا عن الأرض والوطن.

منذ أكثر من 70 عامًا وهم يحاولون استغلال أزمات ونكسات شعبنا وأمّتنا لقطع جذورنا مع قضيتنا وتاريخنا وإدخالنا في "فيلم" القضايا المدنية والمعيشية، والنتيجة أنّ شعبنا يخرج بعد كل مرحلة أكثر تماسكا وتمسّكا بقضيته وانتمائه الوطني وحقوقه الجماعية غير القابلة للتصرف.

وعندما بدا أنّ منظمة التحرير أدارت ظهرها لنا في أوسلو، وأنّ كاسر الأمواج الوطني الذي حال دون اندماجنا على هامش المجتمع الإسرائيلي، قد "انهار" و"ذهبت الناس للاحتفال بعيد استقلال إسرائيل"، بنينا بعد برهة من الارتباك كاسر الأمواج المرحلي القائم على الربط بين الاندماج وبين تغيير الطابع اليهودي الصهيوني للدولة وتحويلها إلى دولة مدنية يمكن أن يتساوى اليهودي والعربي الفلسطيني في نطاقها، وهو الخطاب الذي قاومته إسرائيل باعتباره دعوى سلمية للقضاء على الدولة اليهودية وشرّعت "قانون القوميّة" لمقاومته.

واليوم، ونحن في ظل صراع نخب إسرائيلية تؤمن بغالبيتها العظمى أنّ الصراع الفلسطيني العربي - الإسرائيلي لم يعد يشغل المنطقة وإسرائيل بطبيعة الحال، بعد أن حلّت محلّه صراعات أخرى داخلية وإقليمية باتت إلأخيرة تشكل جزءًا من محاورها، بعد أن كانت محور العداء الرئيس لجميع دول المنطقة، وفي ظل واقع فلسطيني هو من الضعف لدرجة أنّه لم يقوَ على قطع العلاقات مع الدول العربية التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.

اليوم، وفي ظل هذا الواقع من الطبيعي أن يصيب الإرباكُ ساحتنا السياسية المحلية وأن تشعر بفقدان البوصلة وخارطة الطريق، وأن تبرز القضايا المحلية بصفتها الأكثر إلحاحًا على الأجندة الحزبية بعد تحييد القضية الوطنية، خاصّة بعد تعاظم رجاء الناس بالأحزاب تناسبا مع ازدياد قوتها الانتخابية.

وعوضًا عن قيام تلك الأحزاب بإيجاد معادلة جديدة تجمع بين الوطني والمدني، كما حدث بعد أوسلو، فإنّها سعت إلى استثمار قوّتها لحلحلة بعض القضايا وإنجاز بعض المكتسبات من خلال مناورات وصفقات تكتيكية قامت بها هنا وهناك وصوّرتها كإنجازات، وقد وقعت في الآونة الأخيرة تحت ضغط متزايد، خاصّة وأن الجولات الانتخابية المتتالية وغياب القضية الوطنية عن الأجندة الانتخابية جعلها تقدم وعودات لا تستطيع صرفها في القضايا المدنية، أوقعتها لاحقًا تحت طائلة الضغط المزدوج من الناس ومن أحزاب السلطة ذات العلاقة.

أحزابنا تلك نسيت أنّها أحزاب معارضة تقليديّة، بعد أن حاولت دخول التشكيل الحكومي من الخارج، بواسطة دعم غانتس رغم توجهاته اليمينية المعادية للعرب والفلسطينيين، أملًا في بعض المكاسب المدنية. كذلك، لم تتعلم الدرس بعد أن تركها الأخير لصالح حكومة وحدة مع نتنياهو، بل أنّ بعضها ذهب في استنتاجه إلى أبعد من ذلك بأنّه طالما أنّ من وضعنا يدنا بيده أصبح في حكومة واحدة مع نتنياهو، فمن المشروع عقد صفقات مع نتنياهو نفسه بما يخدم قضايانا المدنية.

من هنا جاءت مناورة منصور عباس ومحاولته عقد صفقات مع نتنياهو، والتي - وإن لم تخرج إلى حيّز التنفيذ - إلّا أنها أثارت شركاءه، بوصفها خروجًا عن سقف المشتركة، ولم يستطع عباس رغم صحة منطقه العام القائل "لسنا في جيب أحد" (بغض النظر عن كيفية التطبيق على أرض الواقع)، لم يستطع بحكم حجم الكراهية والعداء لنتنياهو في الشارع العربي أن يضعه على قدم المساواة مع أي من منافسيه من اليمين والوسط، ويبدو أنه سأل السؤال الخاطئ، قولوا لنا مع من نتعامل لتحقيق مطالبنا؟ بينما يجب أي يكون السؤال، لماذا نتنياهو فقط هو خط أحمر؟ لأن جواب السؤال الأول هو أن نتعامل مع الجميع في حين أن جواب السؤال الثاني هو عدم التعامل مع الجميع، مع مراعاة التمييز بين المطالبة وبين التعامل.

النتيجة حتى الآن خروج القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية) من المشتركة، فيما ستنبؤنا الأيام القادمة إن كان سيلحق بها آخرون.

عرب ٤٨