• 8 شباط 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : داود كتّاب

من البديهي لأي مختص في الشؤون الدولية معرفة الصعوبة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في تحرير بلاده، وإنهاء الاحتلال الغاشم وتحقيق الاستقلال الذي طالما توقعه. وفي هذا السياق، لا بد من الحديث بصراحة، بعيداً عن الغوغائية والشعارات والوعود الكاذبة، فميزان القوى ليس في مصلحة الفلسطينيين، وخصمهم أقوى منهم عسكرياً واقتصادياً، ومدعوم من أقوى دولة في العالم، دائمة العضوية في مجلس الأمن، الأمر الذي يوفر لها حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرار عقابي مبني على الفصل السابع من دستور الأمم المتحدة. وفي ظل هذا الوضع، على الفلسطينيين العمل على تغيير ميزان القوى، من خلال تقوية وضعهم، وإضعاف أسس قوة الطرف الآخر. ويتطلب هذا الأمر خطة استراتيجية محكمة، ومصارحة مع الشعب، والتفكير بطرق الاستفادة من قوتك وفضح نقاط الضعف في خصمك.

قوة الشعب الفلسطيني متوافرة في وجوده على أرضه، وفي عدالة قضيته، وفي التأييد الدولي المتزايد لهذه القضية. أما نقطة ضعف الخصم، فتتركّز على اعتماده على التأييد الأعمى من الولايات المتحدة والتعاطف الدولي مع دولةٍ تدّعي أنها ديمقراطية، ملتزمة سيادة القانون، وأن الطرف الآخر (الفلسطيني) غير ديمقراطي، يستخدم أساليب همجية، تشمل تفجيراتٍ في أماكن عامة، وصواريخ للمناطق السكنية، ويمجد من يقتل يهودياً، على حسب ما تكرّره ماكينة إسرائيل الإعلامية.

إذاً، الاستراتيجية الناجعة يجب أن تشمل تقوية نقاط قوتنا في استعادة الوحدة الوطنية بأي ثمن، ودعم الصمود على الأرض، والابتعاد عن أساليب المقاومة التي لا تتغير بميزان القوى. وفي المقابل، محاولة مضاعفة الجهد الدولي لتعرية إسرائيل أمام أصدقائها، وكشف حقيقة مخالفتها الواضحة حقوق الإنسان، وتهربها من الاستحقاقات الدولية. ولترجمة ذلك كله على الأرض، فإنه يتطلب الالتزام الحديدي بالمقاومة الشعبية السلمية، ودعماً كاملاً لكل المساعي لفضح إسرائيل أمام العالم وأمام شعبها، فهل يقوم الفلسطينيون بهذا؟

صحيح أن المقاومة السلمية تتطلب جهداً كبيراً والتزاماً حقيقياً بمبادئ اللاعنف، وأن يحصل ذلك بالاستمرار وبدون كلل، مهما طال الأمر، مع توفير فرص النجاح، ومنها مشاركة الشعب وتأييده في التضحيات التي يتطلبها ذلك. ومن ناحية أخرى، العمل على تقليل الأضرار التي قد تنجم عن هذه الأساليب النضالية، من حيث توزيع الأدوار والتضامن مع المتضرّرين.

على المستوى الخارجي، يتطلب الأمر وحدة صف، والبحث الجاد عن نقاط التعاون مع القوى العالمية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وإبعاد الخلافات الداخلية عن العمل في الخارج. كذلك يتطلب الأمر الاستفادة من الأدوات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومؤسساتها ومحكمة الدولية وكل الأدوات الدولية. والمشكلة طبعاً أن ذلك كله يتطلب التفاهم على الاستراتيجية المحلية والدولية، والتزامها، والأهم من ذلك كله أن يكون هناك نفَس طويل، لأنها تتطلب وقتاً كافياً. وقد وصلت، قبل أيام معدودة، أخبار مفرحة، عن قرار قضاة محكمة الجنايات الدولية قبول شكوى فلسطين، الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، التي اعتُرِف بها كذلك عام 2015، وهو ما مهد الطريق أمام الانضمام إلى بروتوكول روما، ثم قبول فلسطين عضواً رسمياً في المحكمة الدولية.

ما حُصِد في هذه الأوقات هو نتاج ما استُثمِر به خلال سنوات عجاف، كان عدد كبير من المعلقين والمتطفلين على العمل السياسي ينتقدون أنه استثمار غير مفيد، فيما كان آخرون يرغبون في حل سريع من خلال كفاح مسلح غير متكافئ، وهو ما أرجع الفلسطينيين إلى الخلف، بدل أن يساعدهم في التقدّم إلى الأمام.

الوصول إلى حالة يجري فيها تغيير موازين القوى يتطلب وحدة وطنية حقيقية، تشمل التشاور والتعاون على وضع استراتيجية قابلة للتحقيق والتقبل الطوعي للتضحيات التي تتطلبها تلك الاستراتيجية النضالية غير العنيفة، مع إعطاء مجال للدبلوماسية الدولية والتضامن العالمي، لمساندة الشعب الفلسطيني في هدفه السامي بتحقيق مصيره بنفسه. وعليه أن يتحمّل صعوبات العمل، وأن يصبر، لكي ينال أهدافه السامية وتذليل كل الصعوبات التي قد تواجهه بإصرار، وروح عمل الفريق الواحد، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. فهل نحن قادرون على ذلك، وهل لدينا قيادة شفافة وصادقة، يكون اختيارها بانتخاباتٍ نزيهة، ويجري التوافق معها للوصول إلى استراتيجية متكاملة، تحقق هدف التحرير والاستقلال؟

عن العربي الجديد