• 15 نيسان 2021
  • أقلام مقدسية

 بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

لا تكاد تهدأ فضيحة من فضائح تسرب العقارات المقدسية من ملكية المقدسيين لملكية الشركات الاستيطانية ( الإسرائيلية ) , أو الجمعيات التلمودية المتطرفة , إلا و تثور أخرى , تتشكل لجان التحقيق و ترد أسماء متورطين في البيوع , بعض تلك الأسماء من النوع المكلّف أصلا بحماية القدس و عقاراتها , لا التفريط بها , و هذه الشائعات التي كان من المفروض أن تقطع نتائج عمل لجان التحقيق دابرها بنشر الحقيقة , التي تنفي الشائعة أو تؤكدها , و لكن اللجان تتشكل و تصرف لها الموازنات دون أن تجتمع , و هي إن اجتمعت فلا تخرج بنتائج للجمهور الذي يريد أن يعرف ما جرى , كما في قصة منزل عائلة جودة المطل على الحرم المقدسي , حيث باع أصحاب المنزل عقارهم إلى شخص فلسطيني مقيم بالولايات المتحدة , و لكن جهات رسمية فلسطينية , اعترضت على صفقة البيع , بحجة أن المشتري يعمل لأجندات دولة عربية , و ان تلك الدولة العربية تريد تسريب العقارات المقدسية للشركات ( الإسرائيلية ) , تم إبطال صفقة البيع , و اقترحت تلك الجهات الرسمية على أصحاب العقار , مشتريا موثوقا من قبلها , صاحب أجندات اقتصادية ملتزمة وطنيا , و لكن ذلك الموثوق قام بتسريبها بعد ساعات , لصالح جمعية تلمودية اسمها ( عطيرت كوهين ) , محققا أرباحا خرافية , و هذا ليس بغريب على عمل لجان التحقيق , الأمر الذي يذكرنا بلجنة التحقيق التي شكلت قبل عقد و نصف للتحقيق في ظروف اغتيال أبو الوطنية الفلسطينية و الزعيم الفلسطيني الأشهر , الراحل ياسر عرفات , و التي لم يعرف المواطن الفلسطيني عن نتائج تحقيقاتها شيء . 

تسرب العقارات في القدس لم يعد يهم من يهمه الأمر , إلا بالقدر الذي يمكن توظيفه للحصول على مزيد من الدعم من بعض الصناديق العربية و الإسلامية , التي أخذت تتبرم من عدم تحقيق الأموال التي تدفعها أية نتائج عملية , كما تذهب بعض توظيفات عمليات البيع إلى الإنحاء باللائمة على من يراد إلصاق التهمة به , دون التفكير أو السعي لإنقاذ تلك العقارات . 

سلوان بدورها التي تقع في قلب الحوض المقدس , و هي مدينة داوود , تتسرب عقاراتها يوما بعد يوم , و استذكر هنا أن أول خمسة بيوت صودرت في سلوان كان بعهد حكومة شارون , و في الأثناء التي كانت تعقد به مفاوضاته مع الفلسطينيين في واشنطن , ثم كارثة الصفقات التي كشفت عام 2014 حول بيع 36 عقارا في سلوان , حينها توافد وزراء الحكومة الفلسطينية لدعم أهل سلوان و للشد على أيديهم , و تحفيزهم للصمود , و تم وعدهم بدعم مادي لدرء تكرار هذه الصفقات , غادر الوزراء يومها و لم يعودوا , في الأيام الماضية تم الكشف عن تسرب عقارين كبيرين , و استلمهما المشترون اليهود , و رفعوا أعلامهم على الأسطح , الأمر الذي أثار عاصفة شعبية لا رسمية , و محاكمات عشائرية , لا قضائية , أعلنت بها عوائل السماسرة براءتها من أبنائها المتورطين , و أعقبها فتاوى دينية تجرمهم , و تحظر الصلاة عليهم و دفنهم في مقابر المسلمين , و لكن الخبر مر بشكل هامشي متأخر في ترتيبه في وسائل الإعلام ونشرات الإخبار الفلسطينية الرسمية , الأمر الذي يدعو إلى قراءة هذا الأسلوب الإعلامي قراءة سياسية لا إخبارية فقط . 

يذكر التاريخ على الأقل ثمانية عشر دولة و إمبراطورية تعاقبت سيطرتها على القدس , و دفعت في سبيل حكمها أو من اجل بقائها كثيراً من الدم و الجهد و المال , هزمت أم انتصرت , و قد مثلت المدينة عبر تاريخها المغرق بالقدم , محورا من محاور الصراع , و مادة من مواد الشرعية لحروب و سلالات ملكية و حكومات , ولا تزال , و من أمثلة ذلك أن صراعا يدور اليوم بين الأتراك و الحكومة الإسرائيلية حول ترميم بركة السلطان على الحائط الغربي لسور القدس , و أحقية ترميم قطعه حجرية نقش عليها التاريخ الذي حدد تاريخ إنشاء البركة , البركة و الدور العثماني في إنشائها , و إزالة ما علق على ذلك الحجر من أوساخ , بسبب تقادم الزمن و طحالب الرطوبة .

لم يستشير احد أهل القدس و لم يكن لهم رأي في أوسلو , الاتفاق الذي وضع مصير المدينة و مصيرهم خارج تلك التسوية , باعتبارها من مسائل الحل النهائي – الدائم , التي سيتم بحثها في وقت لاحق , و هو الوقت الذي لم يأت و ربما لن يأتي في المنظور الزمني , و هو الوقت الذي عملت به حكومة الاحتلال على تعزيز وجودها و سيطرتها على المدينة , بشراء العقارات , و تهويد المدينة , و تغيير بنيتها الديمغرافية , بما تقدمه من خدمات متواضعة للمقدسيين , في حين عمل الفلسطيني بشكل باطني على تفكيك علاقته بالقدس باعتبارها قضية خاسره , و لكن مع إبقائها شعارا و نشيدا و مصدرا للتمويل من الصناديق العربية و الإسلامية , و مارس الفلسطيني الرسمي سياسات و رفعت شعارات عالية النبرة , عكسية المفعول , منها ما قرره وزير تخطيط اسبق في حكومة سابقة , بأن خفّض من حصة القدس في الموازنة الفلسطينية , مفترضا أن ذلك يجبر ( الإسرائيلي ) على الصرف على المواطنين و على مشاريع البنية التحتية , الأمر الذي سيرهق حكومة الاحتلال ماليا , فقد تهرب من مسؤولياتها المالية و تترك القدس لنا , و كانت نتيجة هذه الكوميديا السوداء فك ارتباط المقدسيين بالسلطة الفلسطينية , و تعزيز ارتباطهم ببلدية القدس اليهودية و حكومة الاحتلال , هذا في حين أن حصة محافظة القدس ( 340000 مواطن من حملة هوية القدس الزرقاء و 15000 من حملة هوية السلطة الفلسطينية الخضراء ) من موازنة الحكومة الفلسطينية 30 مليون دولار , فيما محافظة أخرى يبلغ عدد سكانها اقل من 80000 مواطن ترصد لها الحكومة 80 مليون دولار . 

يعرف المقدسي و الفلسطيني أن وزارة مستقلة من وزارات الحكومة الفلسطيني تحمل اسم القدس و لها وزير يحمل لقب وزير القدس , كذلك عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير و محافظ برتبة و راتب وزير , مسميات و "مخترات" لا قيمة لها و لا وزن , و لا تقدم أية فائدة إلا ما تؤمنه من راتب و امتيازات مالية و اجتماعية لشخص حاملها , و ما تدعيه من اهتمام زائف , أما أهل القدس و عقارات القدس , و سوق الزعتر و خان الزيت , و الشوارع العتيقة , و مآذن و أجراس كنائس القدس , تلك التي نسمعها في الأغاني و الأناشيد فلا تستفيد منها إن لم تكن عبأً عليها , فالقدس لا بواكي لها أو عليها .

 في رام الله , يتم إلقاء الحمل على الآخرين بمن فيهم – أو على رأسهم الأردن بحجة الوصاية الأردنية على المدينة , الأردن بدورها تتخفف من أحمال المدينة و تكتفي بالولاية على الأماكن المقدسة الإسلامية ( المسجد الأقصى و قبة الصخرة ) , لا بالقدس المدينة و العهدة العمرية التي تشمل كنيسة القيامة و درب الآلام و غيرها من الأماكن المسيحية – الإسلامية , من هذه النقطة نشأ الفراغ الذي تكرهه قواعد الفيزياء و قوانين السياسة على حد سواء , فقام الإسرائيلي بتعبئته . 

حددت انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثالث في 23 أيار القادم , و لكن فصائل و تنظيمات من بينها الحزب الحاكم , تقول لا انتخابات بدون القدس , فهي العاصمة الأبدية , و بوابة السماء , إليها يزحف الشهداء بالملايين ( حسب هتاف شهير ) , فيما المعطيات السابقة لا تدل على ذلك , فكيف يرفع شعار لا انتخابات من دون القدس , في الوقت الذي مارسنا فيه إهمالا منظما للقدس , و افترضنا بالباطن أنها قضية خاسرة ,حتى وصل الأمر , بان جعلناها لقمة سائغة في فم ( الإسرائيلي ) , و لنا في انتخابات 1996 ثم انتخابات 2006 بعض الدروس و العبر , فقد كان عدد من مارس حق الاقتراع من حملة الهوية الزرقاء ( هوية القدس ) منخفض بشكل ملحوظ , و تحددت ستة مكاتب بريد ( إسرائيلية ) كمراكز اقتراع , و بهذا , تقر هذه الصيغة على أن المقدسيين لا يعترف بهم إلا كجالية تعيش خارج حدود الوطن , شانها شان الجاليات التي تعيش بالخارج و تمارس حقها الانتخابي بالاقتراع في القنصليات و السفارات . 

لا نملك إلا أن نشاطر الشاعر السوري نزار قباني اعتذاره للسيدة فيروز , فلا يوجد لأجراس القدس من يقرعها , و لا لأبواب القدس من يفتحها .

*جريدة البناء