• 11 آيار 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : بسام ابو شريف

 

كفلسطيني، لم أشعر بإهانة خلال حياتي الكفاحية، التي تجاوزت نصف قرن، كما شعرت مع الكلام الذي صدر في البيان الرقم واحد عن الرئيس محمود عبّاس الذي يعلن استسلام المقاطعة كليةً لقرار الغاصب والمحتل! ففي الوقت الذي لا يجد فيه نتنياهو الوقت للرد على السلطة الفلسطينية بشأن اشتراك أهل القدس الشرقية في الانتخابات، يجد الوقت الكافي لإعطاء التعليمات للمستوطنين، وقوات الاحتلال بمصادرة مباني العرب في الشيخ جراح، ومصادرة أراضي الأغوار، وتوسيع المستوطنات، ومنع المصلين من الدخول إلى الأقصى، واعتقال أكثر من ألف فلسطيني من أعمار مختلفة منذ بداية رمضان.

ليس هذا فحسب، فنتنياهو الذي لا وقت لديه للرد على استرحام المقاطعة حول انتخابات القدس بينما يجد وقتاً مفتوحاً للتوسع، ونهب أملاك الفلسطينيين، ليس الوحيد المشغول بالشيخ جراح وسلوان والعيسوية. فالمقاطعة مشغولة بصياغة رسالة الاسترحام، وانتظار الرد... لذلك لم تجد وقتاً للاحتجاج على استيلاء الاحتلال على أملاك الفلسطينيين في القدس، في مجلس الأمن مثلاً. ولا نطالب السلطة بأن تدعم هبّة القدس بشأن الأقصى، والشيخ جراح، وسلوان والعيسوية وقلنديا، من أموال الشعب التي درجت العادة أن يفقد جزء منها على «الطريق»...
نستطيع هنا أن نكتب صفحات عن عدم شرعية التأجيل للاستحقاق الانتخابي، وحول عدم شرعية اتخاذ المقاطعة لمثل هذه القرارات التي تطرح عدم شرعية المقاطعة كلها، بعد تزوير الإرادات، ومصادرة الحقوق، وإلغاء المحاكم والقضاة، ومركزة القرار الأمني، والمالي، والسياسي، والجغرافي، والاقتصادي، والعائلي، والاجتماعي بيد حارس المقاطعة وأعوانه. هكذا تقطع الأرزاق مزاجياً، وتحول الأموال لحسابات فرعية مموهة، ولا يسمح لوزارة المالية إلا أن تكون إما أداة قمع ومنع وقطع للأرزاق، أو صرافاً لدى موظفي مكتب حارس المقاطعة ــــ الذين أعطيت لهم صلاحيات صرف السيارات، وتوقيع أوامر الصرف، وتحويل أموال للحسابات المموهة. لقد أنشأوا حسبما نقل بعض العارفين بأسرار المقاطعة، وزارة مالية ثانية في المقاطعة تتسلّم المداخيل، وتوزعها حسبما تشاء، وتعطي لـ«وزارة المالية»، ما يكفي لتلبية المتطلبات الشهرية. وكما سمعنا، فقد خصصت هذه الوزارة لكل عضو قيادة يصوّت الى جانب ما يريده حارس المقاطعة، مبلغاً معيناً ــــ لدعم أوضاعه التي يمكن أن نصفها بحالة «خط الفقر». ومن لا يصدّق، فليسأل عن الوضع المالي لكل وزير، ولكل عضو لجنة تنفيذية. وليسأل عن عدد سياراته وسيارات عائلته. ومن يمتلك الجرأة أكثر، فليسأل عن أرصدتهم ، ومن أين لهم كل هذا؟
لم ينتظر شباب القدس المرابطون تحرك المقاطعة لمواجهة الحملة العنصرية الهمجية التي شنتها قوات جيش الاحتلال، وشرطته المسلحة والجنود الذين لبسوا ثياباً مدنية، وحملوا السلاح ليبطشوا بالمصلين المتوجهين إلى الأقصى... كانوا يعلمون بأن المقاطعة «مشغولة»، بالترتيب لرسائل استرحام حول تصويت أهل القدس في الانتخابات. وكان أن أظهروا للمقاطعة، وللعالم أحمع، أن شعبنا لا تمثله السلطة في مواقفها المتخاذلة، والراضخة للاحتلال. المقاطعة تظن أن إنهاء الاحتلال يتم بأن يتصرف تجاه المحتل بأدب وتهذيب كتلميذ مدرسة. المهم خصوصاً ألا ترفع صوتك، وألا تمسك بحجر، وأن ترد على صفعات العدو بإدارة الخدّ الأيسر!
كلا، هذا ليس نهج الذي يريد الحرية، والخلاص من الاستعمار الصهيوني! فهل فهمت المنظمات؟ وهل فهمت كوادر فتح؟ وهل فهمت قيادات فتح؟
نهج المقاطعة يدمر إرادة التخلص من الاحتلال، ويبشر بالأنكل سام الذي سيحمل لنا فتات الحرية، وببقايا عهد الاستعمار. أنكل سام المنتظر هو أسوأ من الأونروا. أما النهج الآخر، فهو نهج شباب القدس، وشباب فلسطين الذين يرون في صلابة كفاح أهلنا في اليمن نموذجاً يجب أن نحذو حذوه. إن أبطالنا في اليمن يتصدّون لأميركا وبريطانيا وإسرائيل، والأنظمة العميلة لواشنطن، وتل أبيب... وهي الأنظمة نفسها التي تقف إلى جانب إسرائيل ضدنا، وضد حقنا في الحرية والاستقلال. إنهم يستثمرون مال الأمة العربية في إسرائيل لقتل أبناء الأمة.
لا يوجد أمام النهج النضالي، ومقاومة الشعب، أبواب مغلقة: إن كل الأبواب مفتوحة... كلها باب العمود، وعلينا أن نعلم أن الخوف والشعور بالعجز قد استوطنا في قلوب أصحاب القرار (فاقدي الشرعيّة)، وهؤلاء الذين يخشون مواجهة العدو، ويخشون من الكفاح، لا مكان لهم على رأس شعب بذل ويبذل الغالي والدم والجسد ثمناً لحريته، واستقلاله... نهجان لا نهج واحد، فكيف نتحدث عن صفقات مشتركة.
إن كل الكلام الذي تعهّد به أصحاب نهج رفض المقاومة، واستبداله بنهج التنسيق، فقاقيع هواء تستخدم للخداع. ومن أراد أن يستعيد ثقة الشعب به عليه أن يترجم عملياً ما يقوله، علماً بأن مواجهة العدو والتصدي له قد لا يأخذان بالضرورة شكلاً صاروخياً. بل بالعكس تماماً، فإن التصدي للعدو إن أردنا نجاحاً، يجب أن يتم من مسافة متر، أو أقل، وهكذا نحيد صواريخه وطيرانه، ونواجهه وجهاً لوجه. إنها استراتيجية «باب العمود»: فمن يريد أن يقود، عليه أن ينتهج هذه الخطة، وأن يواجه العدو في كل مكان، وعن مسافة قريبة... من الصفر الى المتر. هذا ما تعلّمناه من «باب العمود».

 الاخبار البيروتية