• 20 آيار 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  سعادة مصطفى ارشيد

 

تدخل الحرب على غزة يومها العاشر , والاحتلال يضرب برا و بحرا و جوا , بكل ما أؤتي من قوة , وبما لديه من آلات البطش و القتل و التدمير مرتفعة الثمن , والمعقدة تكنولوجيا , فيما المقاومة تطلق صواريخها البسيطة التصنيع الزهيدة الثمن , ولكن العالية الفعالية لتسقط في مستوطنات و مدن الاحتلال  محدثة قرحا يفوق في مفاعيله السياسية و العسكرية والنفسية القرح الذي يصيب غزة  مع فارق مهم , وهو أن شعب المقاومة في غزة يقف خلف مقاومته مستعدا لبذل المزيد من التضحية و العطاء , فيما شعب الاحتلال المتفوق يبدي تهافت غروره و قوته و يظهر مقادير عالية من الفزع و الوهن , مما يكشف ضعفه البنيوي وانخفاض ثقته بقيادته  .

انه منطق العدوان , والظن أن فائض القوة قادر على حسم الحروب و المعارك , لذلك لا تملك حكومة الاحتلال إلا الإمعان في القتل والتدمير , ولكنها تفتقد رؤية معاني الانتصار وكيفية إنهاء المعركة , وهو في النهاية - أن افترض أي مراقب جدلا - أن الاحتلال  يستطيع توجيه ضربات بالغة الأذى للمقاومة و بيئتها الحاضنة أو استطاع اغتيال قادتها  فهو بكل حال يستحيل عليه القضاء عليها , فهي قادرة دائما على النهوض من جديد  وقادرة على إنتاج قيادات من ذات الوزن و الثقافة والإيمان , و الاحتلال لا يستطيع دخول غزة و حكمها , و هو الذي كان سعيدا برحيله عنها , و ليس لديه من يقوم بالمهمة نيابة عنه .

منطق العدوان , منطق يشترك به الاحتلال , مع كل قوة غاشمة عدوانية , سواء في العالم أو في الإقليم , السعودية القوية و الثرية كانت قد أعلنت و باشرت حربا بائسة , يائسة منذ ست سنوات , على اليمن الفقير الجائع , ظنت السعودية أن التحالف الدولي و الإقليمي القوي  و الواسع , قادر على حسم الحرب خلال أسبوعين , و اندفعت بما تملك من فائض سلاح و عتاد , و فائض مال و فائض حلفاء لحسم المعركة , و سحق الحوثيين و هزمهم , و جعل اليمن مجالا حيويا للسياسة السعودية و ملحقا بها , لم تترك السعودية و تحالفها مستشفى أو مدرسة او روضه أطفال أو مكتبة عامة  دون أن تسويها بالأرض , و لم تدع طائراتها شارع أو جسر أو محطة كهرباء و شبكة توزيع مياه إلا و دمرتها , أنفقت حسب ما يعرف العالم و ما يكتب بالصحافة العالمية , ما يقارب من تريليون دولار على هذه الحرب , و برغم كل هذه الأكلاف , فإنها لم تستطع تحقيق أي تقدم أو انتصار و لو شكليا , و لا زالت الحرب مرشحة لان تطول لسنوات قادمة دون أن يصيب اليمن أي ضعف أو وهن , و لن تنتهى هذه الحرب , إلا إذا أعلنت السعودية هزيمتها و اندحارها , و لتبقى اليمن شوكة في حلق السعودية و تحالفها الذي قد اخذ بالتفكك .

منطق العدوان هو ذاته في اليمن أو غزة لا فرق بينهما ، ففي حين يرى وزير الدفاع ( الإسرائيلي ) الأسبق افيغدور ليبرمان أن حرب غزة لن تأتي لدولته بالنصر وإنما بإنذار، متسائلا : أن كانت غزة الصغيرة المحاصرة قد فعلت بنا كل ذلك , ولم نستطع تحقيق انتصار عليها ولن نستطيع , فكيف سيكون حالنا في أية مواجهه مع المقاومة اللبنانية او إيران ؟  هذا في حين يرى بنيامين نتنياهو , أن القوة و البطش الممارسان في غزة من شانهما إيصال الرسائل للمقاومة اللبنانية وعن ما سيحصل للبنان من قتل وهدم و تدمير للبنى التحتية في أية مواجهه قادمة , وبنيامين نتنياهو مهما بلغ فشله في تحقيق أهداف الحرب , إلا انه لا يريد أن يعطي المقاومة نصرا , لما يشكله ذلك من خطر استراتيجي حسب قوله لا على ( إسرائيل ) فحسب , وإنما على منطق العدوان وأهله من حلفاء ( لإسرائيل ) قدامى و جدد , أعراب و أجانب .

إذا كان  ما سبق هو منطق العدوان فان للمقاومة منطقها المضاد منطق المقاومة هو منطق الصمود والدفاع عن شعبها والالتزام بثوابتها , منطق الانتصار الذي تقوم مفاهيمه على سياقات يحددها العقل المقاوم .

 من الصحيح و الطبيعي أن أكلافها مرتفعة , ولكن حساباتها لا تسير وفق حسابات دفترية محاسبية , وإنما بنتائجها على الأرض , وفي قدرتها على تحقيق أهدافها فهكذا يكون الانتصار , و لا تحسب بطريقة كم شهيد ارتقى إلى السماء , كم برج سكني هدمه القصف , وكم كلفة إعادة بنائه ، كم حقل زراعي احترق !  وهكذا  فان ما لا يدركه منطق العدوان و سلاح العدوان  أن الهدم والموت عندما يصبح ثقافة وأمرا عاديا وأسلوب حياة , فانه بهذا يفقد قدرته الردعية  .