• 21 آيار 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقم : د. مشهور الحبازي

 

يتشكّل المجلس من خمسة عشر عضوًا من الدّول الأعضاء في الأمم المتّحدة، خمسة منهم أعضاء دائمون: أربعة منهم هم كبار المنتصرين في الحرب العالميّة الثانية، وهم: الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وهي دول مسيحية. والصّين الشّعبيّة وهي دولة شيوعيّة(لا دينيّة)، وذلك على الرّغم من وجود ديانات عديدة فيها.

هذه الدّول الخمسة تمتلك حقّ نقض قرارات مجلس الأمن الدّوليّ، أي لها الحقّ في منع الدول الأربع عشرة من اتّخاذ قرار لا توافق عليه واحدة من تلك الدول الخمسة، وبمعنى آخر إنّها منحت نفسها الحقّ في أن تكون فوق القانون الدّوليّ، وخارج أي عقوبة يمكن أن تُفرض عليها مهما ارتكبت من أعمال وجرائم بحقّ البشر في أي مكان من هذا العالم.

إنّ طبيعة ديانة وفكر الدّول دائمة العضوية في مجلس الأمن قد قسمت العالم إلى قسمين لا ثالث لهما، وعلى الرّغم من وجود سبع وخمسين دولة إسلاميّة، تمثّل حوالي ملياريّ إنسان أي أكثر من ربع سكان العالم فإنّه لا وجود لهم ولا تأثير، وذلك بسبب تفكّكهم، وتآمر حكّامهم.

على الرّغم من أنّض مجلس الأمن الدّولي مسؤول عن حفظ الأمن والسلم الدوليين في العالم، وقد اتّخذ قرارات كثيرة بهذا الخصوص، إلّا أنّه لم يُنفّذ البند السابع من ميثاقه إلّا بحق دولة عربية مسلمة، كما أنّ أعضاءه الدّائمين كثيرًا ما اتّخذوا قرارات ضد العرب والمسلمين، فروسيا هاجمت الجمهوريات المسلمة الّتي استقلت عن الاتّحاد السوفياتي المنهار، ومنعتها من الاستقلال التّام بل واتكبت مجازر، وإبادة جماعية بحقّ الشيشان، في حين مكّنت الدول المسيحيّة من الاستقلال وقامت الدول الثلاثة المسيحيّة في المجلس بحماية استقلالها إلى حدّ كبير.

والصين ما زالت ترتكب مجازر، وجرائم تطهير عرقيّ، وإبادة جماعية، بحقّ المسلمين الإيغور في تركستان الشّرقيّة، وعلى الرّغم من إصدار بعض التّصريحات من عدد من الدول المسيحية دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وغيرها من الدّول إلّا أنَّ ذلك كان لمصالحها الخاصة وبسبب خصومتها مع الصّين، وفضلًا عن ذلك فإنّ تلك التّصريحات لم تفعل شيئًا لوقف ما يتعرّض له مسلمو الإيغور.

وفيما يتعلّق بفلسطين، فإنّ مجلس الأمن الدّولي اتّخذ عشرات القرارات بشأن حلّ القضية الفلسطينية بدءًا من قرار التقسيم وانتهاء بقرار إدانة المستوطنات الصهيونية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م، في أوخر كانون الأول سنة 2016م، والّذي امتنعت فيه الإدارة الأمريكية عن التّصويت، على الرّغم من ذلك إلّا أنَّ أيًا منها لم يُنفّذ، بل شكّلت الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا مجتعة أو منفردة حامية للكيان الصّهيونيّ، ما جعلها كيانًا فوق القانون الدولي المزعوم.

في معركة سيف القدس الّتي شنها الكيان الصهيونيّ في العاشر من الشهر الجاريّ على قطاع غزة المحاصر، ارتكب الكيان الصّهيونيّ مجازر، وإبادة جماعية فظيعة ضد المواطنين العزل، فتم تدمير الأبراج السكنية، والمنازل على ساكنيها، وكذلك قامت بتفحير عدد من المدارس، والمستوصفات الطّبيّة، وسيارات الإسعاف، وحتّى الشوارع بحجج واهية، وقد عُرض العدوان الصّهيونيّ على مجلس الأمن الدولي أربع مرّات خلال ثمانية أيام لكن الولايات المتحدة الأمريكيّة حالت في المرات الأربع دون اتّخاذ المجلس قرارًا بوقف العدوان.

أن تتخذ الولايات المتحدة ذلك الموقف ليس مستغربًا، ولا أي من الدول الغربية المسيحية الّتي كان بعضها يتّخذ مواقف تبدو للغلفة من الناس وكأنّها مؤيدة للفلسطين، لكن في هذه المعركة معركة سيف القدس كان موقف الدول المسيحيّة الفاعلة واضحًا وصريحا، فبريطانيا كان لها موقفًا منسجمًا تمامًا مع الولايات المتحدة، وفرنسا كذلك، لكنها اتّخذت موقفًا متقدّمًا على مواقفها السابقة حيث منعت حتى تنظيم مظاهرة  في باريس مؤيدة للشعب الفلسطيني، ونشرت أربعة آلاف شرطي، واستخدمت القوة ضد مَنْ حاول تنظيم المظاهرة، وألمانيا أيدت بشكل غير مسبوق الكيان الصهيونيّ وما أسمته حقه المقدّس في الدفاع عن النفس ضد الإرهاب.

إنَّ توحّد الدّول الثلاثة الأعضاء الدّائمين في مجلس الأمن، وألمانيا بشكل علني قبيح مع الكيان الصّهيونيّ، وضد جهاد الشّعب الفلسطينيّ المسلم من أجل عقيدته ممثّلة في المسجد الأقصى المبارك، الّذي باركه الله، سبحانه وتعالى، في كتابه العظيم، وفتحه معنويًّا رسوله، صلّى الله عليه وسلّم، في معجزة الإسراء والمعراج، والفاروق عمر بن الخطّاب، رضي الله عنه، مادّيًا، وحرّره صلاح الدّين الأيوبيّ، رضي الله عنه، من الصّليبين، ومن أجل باقي المقدّسات، وأرض فلسطين المباركة، جاء لأنَّهم أدركوا أنَّ المسلمين في فلسطين قد بدأوا يعوون حقيقة الصّراع مع الصّهاينة، وهو صراع دينيّ محض، وما السياسة إلّا ذرّ للرّماد في العيون مستمر منذ اتفاقيات "سايكس بيكو" المشؤومة، وقد أخذت ذرّات ذلك الرّماد تتبدّد، والضوء يتسلل إلى عيون أهل فلسطين، وفي مقدّمتهم الشّباب.

لقد توحّد هؤلاء الصّليبيّون الجدد اليوم؛ لأنَّ الأمر متعلّق بالقدس الشّريف الّتي عملوا أكثر ستمائة سنة لإعادة احتلالها سنة1917م، كما توحّدوا في نهاية الحرب العالميّة الأولى إثر تمكّنهم من إلحاق الهزيمة بدولة الخلافة الإسلاميّة العثمانيّة، حيث أظهرت الكنائس المسيحيّة كلّها شرقيّة وغربيّة، وبما فيها الكنائس الألمانيّة المهزومة عسكريًّا، أظهرت ابتهاجها، وفرحها باحتلال القدس الشّريف، من خلال قرع أجراس كنائسها، ثمّ أعلن المجرم الثاني بحق فلسطين "أدموند اللنبي" في ساحة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قرب باب الخليل، قائلًا:"الآن انتهت الحروب الصّليبيّة".

إنَّ ما سبق دليل واضح على أن مجلس الأمن الدولي ليس إلّا سوط عذاب مُسلّط على العرب والمسلمين، وهو سيبقى كذلك طالما بقوا مفكّكين، ومتناحرين، وخاضعين لمجموعة من الحكّام الخاضعين للغرب والشّرق، والّذين لا يهمّهم إلّا مصالحهم الخاصّة المتمثلة بالبقاء في الحكم. ولا سبيل للخلاص من لهيب هذا السّوط إلّا بإعلان مجموع الدّول الإسلاميّة، وفي مقدّمتها فلسطين الإنسحاب مِمّا يُسمى هيئة الأمم المتّحدة، وكلّ منظّماتها، ومؤسّساتها، والعمل على تشكيل هيئة لأمّة الإسلام، واختيار خليفة مسلم، بداية لتوحّد الأمّة في مواجهة عالم لا يفهم إلّا لغة القوّة، ولا مكان للضّعيف فيه.