• 24 آيار 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: تحسين يقين

 

ولكن لا قلب للاحتلال، ولا عقلانية..

هزيمة المشروع الصهيوني والتفوق العنصري!

ما كتب في الأيام الأولى للحرب لا كما الآن في نهايتها؛ حتى هذا المقال راح يعيد تشكله.

يسهل الآن الصغير قبل الكبير أن يستخلص العبر؛ فما ألحت عليه إسرائيل طول عمرها من استجداء الاعتراف والقبول، صار الآن أمرا آخر؛ فهي التي لم تقبل فعليا مضامين القرارين 242 و283، وإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة، تجد نفسها مضطرة لخفض سقف مطالها، في الوقت الذي رفع الفلسطينيون سقف مطالبهم بدولة فلسطينية علمانية على كامل التراب الوطني، فقد عدنا إلى الأصول في فهم القضية، والى الحلول الحقيقية التي رفضتها إسرائيل، والآن سقطت العنصرية.

المثل الشعبي، زي ما قالت أمي الله يرحمها، ما ترك اشي الى حكى عنه: "اللي طلبه كله فاته كله"! و"يا قلب دللوك وليش ما رضيت"، هل في الدنيا احتلال تم تدليله كما دللت إسرائيل: دولة إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية!

هو عمق الخبرة الشعبية. وهو تياسة وحمرنة الاحتلال وقادته العنصريين. (عذرا على اللغة).

لا بيدي الفعل ولا ردّ الفعل، هي كلمات، "قبل أن تتكلم عليك أن تفكر فيما تقول.. وفى من يستمع إلى ما تقوله.. وأين ومتى تتكلم حتى تجد الأذن التي تصغى وتفهم ما تقوله". وهذا كله صعب، في وقت تختلط المشاعر بين الرثاء والسخرية والفخر، ونختلط فيه الأفكار، لكن مهلا، ثمة وقت دائما للحكمة والعقل.

من الشيخ جراح، فالمسجد الأقصى، فغزة، مسافات قليلة، في ذات الزمان، لكنها خلقت ردود أفعال، فأي حراسة لأسوار، في زمن لم تعدّ الأسوار حامية، إلا إذا كان ذلك من بنات أفكار نفس منشدة لقديم واهم، فكريا وعسكريا؟

تنقل الحرب بعيدا، من خلال الأزرار، فتظهر قريبا جدا، داخل الداخل فلسطين عام 1948، فأية قرارات تلك التي تكون كعود الكبريت بيد جاهل!

تلك الأسوار..والجدران من بناها؟

الجدار لا يولد من الاسمنت فقط، بل من الأفكار أيضا"، عبارة ثبتها على غلاف كتابي :فنون جميلة وجدار قبيح"، ثمة عنصرية، منظومة متكاملة، ضد أنفسهم، حسب مكانه الأصلي ولونه، وضد الفلسطينيين هنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وداخل عام 1948، "ف "مش ع رمانة لكن القلوب مليانة"، تعاني من تهميش وانتقاص حرية وكرامة وحقوق.

أطلق الغزاة اسم "حارس الأسوار"، على الحرب الجديدة على غزة؛ فهل ثمة تشابه مع اسم منظمة "حراس الهيكل" التي أسست قبل سنوات بهدف تهويد الحرم القدسي الشريف وبناء "الهيكل" على أنقاضه. ترى ماذا تغيّر؟ وهل من فرث مبير بين واهم تاريخ وواهم عسكريّ؟

انه استفزاز، هذا ما يحصل دوما، ما زالت حكومات إسرائيل المتعاقبة غير متقبلة فكرة دولة فلسطينية، ولا دولة واحدة، ولا حل مقبول لاي من قضايا الحل النهائي.

على كل، كان ما كان، وما يكون، وما سيكون مستقبلا، فلا ضامن في ظل هذا الجنون، ألا تعود حكومات إسرائيل لمثل هذه الحرب، لذلك ليس الأمر العقلاني والأخلاقي هو التداعي فقط لوقف الحرب، لأن ذلك يعيدنا الى المربع نفسه، أي إدارة الصراع، بل المطلوب فعلا هو إلزام إسرائيل بقبول تسوية عادلة، ومعروف ما هي التسوية العادلة، المرضية لطرف الصراع، إذ يصعب الاستمرار في منطق الاستحواذ و"التكويش" على كل شيء هنا.

نشط وينشط القريب الشقيق والصديق وغير الصديق في الحديث الدبلوماسي الخجول عن الحرب، لكن من شقيق وصديق، وغير صديق لكن عقلاني، يتحدث بصراحة للإسرائيليين بحسم، فيما يجب فعلا أن يقدم من استحقاق، للبدء الفعلي برحلة السلام؟

"لا تقف بجانب القوى ضد الضعيف ولكن قف بجانب الضعيف ضد القوى". حكمة قديمة، ينبغي توجيهها لكا من يصطف ويتحالف مع دولة إسرائيل، دولة احتلال، دولة تمارس الإرهاب علنا، من أجل إثبات الأمر الواقع على الأرض المحتلة؛ ف"الحكمة القوية هي التي يكون لها صدى تردده الجبال وتتناقله الأجيال".

 "أي ثور يمكنه أن يكسر باب الزريبة.. ولكن إصلاح الباب يحتاج إلى نجار ماهر". وهذا ما حدث في الماضي والآن، لكن هل فعلا  سنجد هذا النجار الماهر في هذا العالم؟

لم تكن الأمور واضحة كما هي عليه الآن: المشهد الفلسطيني بتداعياته، وتعقيداته، فالمشهد الإسرائيلي الأكثر تعقيدا، ومشهد العالم الصامت، والاكتفاء بالطلب الفاتر من جميع الأطراف، بما لن يتم القبول به، خصوصا من الطرف المعتدي: الاحتلال.

والآن، زاد الأمر داخل إسرائيل المنقسمة في العمق ربما أكثر منا، ليس بسبب "حراك الشباب" داخل فلسطين عام 1948، والتي ستحتاج وقتا لتجاوزها، بل داخل المنظومة السياسية الحاكمة.

أليس الإسرائيليون هم من اعتبروا فلسطينيي عام 1948، هو الأكثر خطرا على إسرائيل، من خلال مؤتمر هرتسليا لعدة دورات؟

لماذا لم يهتموا باستحقاقات ذلك من خلال العدالة واحترام كرامتهم من جهة، واحترام مشاعرهم القومية والدينية إزاء فلسطينيي عام 1967 ومقدساتهم.

ولكن، هل ثمة شيء ما؟!

نعم، هناك نخب مأزومة مرتشية، ونخب مسيطرة، تريد استمرار الأمر الواقع، على حساب البشر، نخب تقامر من أجل خلاصها الفردي على حساب المجموع، لا بد من دحرها، وإعادة الأمور للبشر؛

 ف"الحكيم هو الذي ينطق بالحكمة والأكثر حكمة منه هو الذي يعمل بها"، فمن لنا بمثل الحكماء ومثل المصغين للحكم والأخذ بها.

لا يمكن الاستمرار بهذا الحال: صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي قوي عسكريا لكن إلى أين سيصل! والمهم هو أن هذا التفوق لن يحسم الأمر هنا. الأهم أن الجانب الضعيف يقوى باستمرار، ما يعني زيادة التوازن والردع، وفي ظل "عدم تحمل" ولا "اعتياد" المجتمع الإسرائيلي على الوجود كأسير خائف، فإن الانجرار نحو اليمين أكثر فأكثر لن يكون خلاصا أبدا.

في ظل التحالفات والاصطفافات الإقليمية والدولية، سنجد أنها ليست في صالح أحد، وما ينتج عنها انما هو المزيد من المآسي.

ليس أمام إسرائيل حكومات وشعبا، إلا الإصغاء لصوت العقل والضمير، ف"إذا نام الضمير استيقظت الغرائز"، وليس هناك ضمانا بأي خلاص، كما لا يمكن القبول بمأزومين فاسدين في مركز القيادة.

آن الأوان تسليم القيادة للبشر، "إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرح مثله.

وأخيرا، وهو الأهم دوليا، ومن خلال الأمم المتحدة والدول الكبرى، من الذي سيبادر فعلا لأول مرة في تاريخ الصراع، إلى وضع نهاية له، عبر حلول إنسانية إبداعية ممكنة!

سيطول الانتظار، للسبب نفسه، وهو ميل قادة العالم للخلاص الفردي لديها لا خلاص الشعوب. إن التفكير بخلاص الشعوب والعالم، وحل الصراع هنا في فلسطين، يكون بإلزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال، والتخلص من عبء العنصرية، تلك النظارة التي لا ترى صاحبها، وتنفي وجود آخرين هنا.

سيكون للرثاء قيمة فقط، إن تغلبنا على شرور أنفسنا، فهل سيصغي الإسرائيليون مرة إلى الضمير؟ إن يفعلونها مرة، سيخلصون، لأن خلاصهم بأيديهم إن أرادوا، ولن يكون أبدا على حساب الشعب الأصلي هنا!

خارج العقل والعقلانية، ستتعقد الأمور، وسيزداد الانقسام والتفسخ، والخسائر، وسيقل الاحترام العالمي، وستزداد عزلة إسرائيل التي ستصبح مكروهة فقط، وهي التي صارت من عقود عبئا على الحليف الأكبر!

*الاقتباسات من اقوال الحكمة عند المصريين القدماء.