• 6 حزيران 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

ما اختتم به درويش قبل 14 عاما، نبتدئ به!

كان معه كل الحق، في نصّه النقدي الحاد والساخر لنا جميعا، وهكذا، لأنه تحدث من العقل والقلب، فسيظل نصه خالدا. ووحده الأمل وإيماننا وحقنا بغد أفضل، هو ما يدفعنا للاستمرار؛ فليست المأساة في من يضعون "أصابعهم في آذانهم"، لكن في من يسمعون، وفي الحقيقة لا يصغون إلا لأنفسهم، ومن يجاملهم بكلام.

إعمار فلسطين، لا فقط إعمار غزة الحبيبة، "لعلنا منذ اليوم غيرنا أمس"، لكن:

"لا أَخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد

التأليف. ولكني أخجل من بعض ما ورد

في مقدمة ابن خلدون!"

كنت أود أن أكون أكثر صراحة، لكن ما الذي يقوله كاتب يهتم بالجماليات والمضامين الإنسانية، حين يدخل الى الحديث السياسي!؟

لم نخلص لا من آثار الحرب الأولى على غزة، فالثانية، فالثالثة فهذه، بل بالأحرى من حرب عام 1948 وما بعدها، من هزيمة عام 1967، ...الخ، بل ما قبلها أيضا؛ فكل ما تم فعله على الأرض منذ الهجرات الصهيونية ما زالت نتائجه مؤلمة حتى اليوم.

-       هل فعلا ستتوقف الحروب على فلسطين؟

-       ......................................

-       ما دام أنه ليس هناك من ضمان حقيقي، يتمثل باتفاقية سلام دائمة، فإن صواريخ جديدة ستسقط على العمارات والأبراج الجديدة والقديمة!

ليس لدي طول كلام، حتى وإن أغراني الأدب: أخجل كل مرة أتحدث فيها عن إنهاء الانقسام، فهذا أمر مفروغ منه شعبيا، لأن الشعب مع مصالحه في الوحدة. لذلك أقل ما يمكن فعله حكومة خلاص وطني حقيقية بكامل الصلاحيات، من خلال الوحدة الوطنية، تمهّد لرأب صدع النظام السياسي الفلسطيني من خلال الانتخابات، جنبا الى جنب مع تعمير قطاع غزة، وما يحتاج لإعمار بيوت وشوارع ومؤسسات في الضفة الغربية بما فيها القدس الشريف، بل حتى بما فيه ساحات المسجد الأقصى. حكومة خلاص وطني تتميز بالشفافية والحكم الرشيد فعلا واستئناف بناء المؤسسات بشكل مهني مستقل، تقوي بقاءنا جميعا على الأرض، بمن فينا اللاجئون في كل أماكن تواجدهم، وتعمل باهتمام وحرص وجرأة في مناطق (ب وج والأغوار).

حكومة خلاص وطني، ببرنامج فلسطين الوطني، تكون روافعه القوى الوطنية وحركتا حماس والجهاد الإسلامي، ما دام أن الخطاب السياسي صار متشابها، من أجل الدخول معا (كفلسطينيين لأول مرة) في طريق تسوية سياسية عادلة منصفة، تكون ثمرة ما كان من جهود تفاوض واشتباك، فلا يكون لأحد حجة علينا: مع من نتفاوض؟ ماذا عن الطرف الآخر!

نحارب ونسالم معا.

حكومة خلاص وطني تكون أولا بديلا مؤقتا عن الانتخابات، ومدخلا لإحداث انفراج ما بعد الحرب.

المطلوب ليس فقط حكومة وحدة وطنية معرضة لمشاكل التحاصص، ولا حكومة وفاق خالية فعلا من المضمون، سواء أكانت حماس (والجهاد) ملتزمتين بشروط الرباعية أو بالشرعية الدولية، بل حكومة خلاص وطني مدعومة تضع فيها كل الأطراف ثقتها، لتعمل من أجل فلسطين الآن وغدا، غير ذلك، فإننا نعيد إنتاج نزاعاتنا الداخلية، وتعرضنا لحروب الاحتلال.

لم نفاجأ برفض د. سلام فياض رئيس الوزراء الأسبق لعرض حركة حماس عليه تولي ملف الإعمار، حسب ما تناقلته بعض وسائل الإعلام. ومن فهمنا لرؤية دكتور فياض، بالتأكيد على الوحدة وتجنب تكريس الانقسام. لذلك، فأظن ومعي آخرون، أن هناك ضرورة بتعديل الاقتراح، بتكليف دكتور فياض بتشكيل حكومة خلاص وطني في هذه المرحلة، لتحقيق الأهداف الآن، ومنها بالطبع ملف الإعمار، وليتسأنف بشكل خاص ما قد أنجزه خلال ولايته، من تقوية البقاء على الأرض في مناطق جيم والأغوار، وتكريس السيادة الذي استفزّ حكومات إسرائيل، الى وقت قريب، حيث تم مهاجمة خطة فياض من قبل الأوساط السياسية اليمينية والإعلامية.

لعل من واجب حركتي فتح وحماس، الاتفاق على تكليف دكتور فياض كنهج وطني، من أجل تفويت الفرص التي دوما يغتنمها الاحتلال، لعدم تقديم الاستحقاقات المطلوبة. إن وجود د. سلام فياض بإرادة وطنية وشعبية، مدعوما بخارطة طريق عربية تقودها الشقيقة الكبيرة مصر، والدول المؤثرة، سيكون له الأثر الإيجابي، ود. فياض ليس بحاجة لنذكر صفاته، في الحرص على الوحدة الوطنية والشفافية وإدارة المال والقدرة على الخطاب الوطني، إضافة لما يتمتع به من مصداقية.

الآن، وليس غدا، لنلتقط هذا التوجه في الزمان المناسب، ولعل الإنجازات القادمة ستكون فعلا إنجازات الوعي الوطني في الإبداع بإدارة ذكية للحال والأحوال.

فلتتفرغ فصائل العمل الوطني والإسلامي للحلول السياسية العادلة، ولتكن حكومة الخلاص الوطني الرافعة القوية لأي فعل سياسي مستقبلي لنظام سياسي مستقر وواعد وموحد.

تناقضنا مع الاحتلال، فهل هذا فعلا ما سيؤول إليه الحال؟ إن لم نرتق الى مشروعنا الوطني الحقيقي، فسينطبق علينا:

"أخفى السجينُ، الطامحُ إلى وراثة السجن،

ابتسامةَ النصر عن الكاميرا. لكنه لم يفلح

في كبح السعادة السائلة من عينيه. ربما.

لأن النصّ المتعجِّل كان أَقوى من المُمثِّل".

جميعنا فلسطينيون وعلينا أخذ العبر، فما لم تعطه إسرائيل لنا منذ أوسلو، لم تعطه لآخرين؛ فكل ما تريده إسرائيل خفض مطالبنا، لذلك وحتى نتجنب ذلك، لنتمسك بما هو متقبل، في ظل الحراك العربي والدولي المناصر لنا على المستوى الشعبي والحكومي والأممي:

"الهوية هي: ما نُورث لا ما نَرِث. ما نخترع

لا ما نتذكر. الهوية هي فَسادُ المرآة

التي يجب أن نكسرها كُلَّما أعجبتنا الصورة!"

-       طيب وبعدين؟

-       ولا قبلين!

-       ................!

-       إن ما نتوقعه كشعب من المرحلة القادمة، هو ما ذكرت؟ هل أكرر؟

ولأننا اليوم في الذكرى 54 لهزيمة حزيران، نقتبس:

أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين: إن لم

نجد مَنْ يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا

بأيدينا لئلا ننسى!

إلا نفعل ذلك، نستحق هذا الوصف:

"أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى

عابري سبيلٍ ثقلاءِ الظل!"

و.....

"ما حاجتنا للنرجس ... ما دمنا فلسطينيين؟"

الاقتباسات من قصيدة محمود درويش أنت منذ الآن، غيرك