• 7 حزيران 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم: د. لبيب قمحاوي

 

إن ما يجري الآن من محاولات عربية ودولية لإجراء عمليات توفيقية وترقيعية لترميم العلاقات الفلسطينية -الفلسطينية يجب أن لا تحمل في ثناياها ونواياها هدف إنقاذ السلطة الفلسطينية وتمديد حياتها على حساب تحجيم إنتصارات حركة حماس أوالعمل على اختراقها والسيطرة على سلوكها . الهدف الحقيقي يجب أن يتمثل بالعمل على خلق جسم فلسطيني جديد قوي يمثل آمال وطموحات الشعب الفلسطيني ويعمل على تنفيذها.

إن خلق مسارب تهدف الى تحويل التركيز من هدف مقاومة وانهاء الاحتلال الى هدف تقاسم السلطة هو أمر خطير ويجب العمل على تفاديه لأنه يصب مباشرة في مصلحة الاحتلال. وهكذا، من الممكن الافتراض أن أي مكسب سياسي قد تحصل عليه حركة حماس من المجموعة العربية والدولية قد يكون عبارة عن تنازل مخطط له من أجل إعطاء السلطة الفلسطينية قبلة الحياة،  وليس اعترافاً بقيادة حركة حماس ودورها النضالي الطليعي .

طموح حركة حماس لنيل الاعتراف السياسي ولعب دورها الطبيعي في قيادة الحياة السياسية والنضالية للشعب الفلسطيني أمر مشروع قد استحقته حركة حماس بالتخطيط والمثابرة والتضحيات ودماء الشهداء،  ولكن المنزلقات الكامنة في طريق الوصول إلى ذلك الهدف كثيرة ويجب الحرص على تفاديها خصوصاً وأن أعداد المتآمرين ومؤمراتهم في ازدياد كلما نجح الفلسطينيون في اثبات قدراتهم . فالنجاح الفلسطيني في أي مجال هو أمر مرفوض اسرائيلياً مما يعني العمل على إفشاله أو اذابته في بحر من المشاكل الداخلية والخارجية .

السلطة الفلسطينية حالة سرطانية ميؤس منها ويحب استئصالها تماماً من الحياة السياسية الفلسطينية وتشجيع حركة فتح على التخلص من تلك السلطة . المطلوب من شرفاء حركة فتح قيادة ثورة داخل الحركة  تؤدي الى طرد جميع رموز السلطة الفلسطينية من عضوية حركة فتح وإلى التخلص من السلطة الفلسطينية ومن فلسفة أوسلو وخضوعها المستمر للمطالب الاسرائيلية ولرغبات الاحتلال . إن فشل شرفاء فتح في القيام بذلك سوف يؤدي الى زجهم وزج حركة فتح في أتون خطايا السلطة ومصائبها الوطنية واعتبارهم فريقاً واحداً مع السلطة وفي ذلك اجحافاً شديداً بحق حركة فتح وتاريخها النضالي .

منظمة التحرير الفلسطينية هي تاريخياً الوعاء الجامع للفلسطينيين والمظلة الحامية لحقوقهم الوطنية والمعبرة عنها .المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية والعودة الى حضن منظمة التحرير هي توجه منطقي لإعادة توحيد الفصائل الفلسطينية على شرط أن لا يكون ذلك مدخلاً أو وسيلة لإنقاذ السلطة الفلسطينية وابقاء دورها ونفوذها وفلسفتها قائمة في الحياة السياسية للفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

إن إحياء دور منظمة التحرير الفلسطينية بعد سنوات من الجمود والتجميد الذي الحقته بها السلطة الفلسطينية وما رافق ذلك من تدمير لمؤسسات المنظمة، قد جعلها بحاجة ماسة الى التطوير والتحديث والتنشيط حتى تتمكن من القيام بدورها المنشود . وهذا يجب أن يتم بعيداً عن المصالح والنزاعات الفصائلية المنطلقة من نظام المحاصصة البغيض . ويمكن أن يتم ذلك من خلال العودة الى أصول منظمة التحرير كما كانت في حقبة ما قبل عام 1969 كنقطة بداية . وفي هذا السياق يجب تفادي  اللجوء الى منظمة التحرير كمخرج يهدف إلى إبقاء السلطة على قيد الحياة مقابل اعطاء حماس دوراٌ في الحياة السياسية الفلسطينية.  فالموضوع لإ ينطلق من أسس خلافية شخصية أو فصائلية بقدر ما ينطلق من خلاف في الرؤيا بين سلطة مستسلمة للإحتلال وتمنع أي مقاومة له،  وبين حركة مقاومة مناضلة . واذا كان لا مفر من إبقاء السلطة الفلسطينية كشريك فالأجدى بحركة حماس أن تنسحب من المفاوضات. الشريك يجب أن يكون حركة فتح وليس السلطة الفلسطينية وضمن إطار شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وليس شرعية أوسلو . ودخول حركة حماس في مفاوضات الوحدة الوطنية الفلسطينية مع السلطة سيؤدي الى زج حماس في نفق أوسلو . فحركة فتح شئ والسلطة الفلسطينية شئ آخر.

إن قدرة منظمة التحرير على القيام بدورها مجدداً كمرجعية وكوعاء حاضن للنضال والحقوق الفلسطينية يتطلب تطوير امكاناتها المؤسسية وعدم الاكتفاء بالإطار الفكري والعقائدي . وخروج المنظمة من المنطق الفصائلي واعتمادها التمثيل الديموقراطي من خلال الانتخاب قد يكون أهم متطلبات نجاح الحقبة الجديدة من النضال الفلسطيني . وعلى أية حال فإن المرحلة الحالية تتطلب اعطاء الأولوية لإعادة الحياة والفعالية لسياسية مقاومة الاحتلال بكافة السبل والتي تجعل كلفة الاحتلال عالية وعالية جداً وبشكل يضع الاحتلال في صورته الحقيقية كحالة مؤقته والى زوال .

الجهود العربية، خصوصاً جهود مصر، في اتجاه تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة دور منظمة التحرير هي جهود مشكورة ويجب أن تحظى بالتقدير والامتنان لمصر ولشعب مصر، ولكن مصلحة القضية الفلسطينية يحب أن تأتي أولاً . إذا كان الهدف غير المعلن لمحادثات الوحدة الوطنية الفلسطينية هو إنقاذ السلطة الفلسطينية والمحافظة على دورها كواجهة للاحتلال وسداً منيعاً أمام مقاومته فإن هذا في غير مصلحة القضية الفلسطينية. الشكر الموصول لا يعني ولا يجب أن يعني الانصياع لما هو في غير المصلحة الفلسطينية . الفلسطينيون عانوا بما فيه الكفاية وما زالوا . وحقهم في المحافظة على متطلبات ومصالح قضيتهم يجب أن يحظى بالأولوية  وبالاحترام العربي الكامل ويجب أن لا يُنظر إليه كنكران للجميل .  ماهو جيد للسلطة الفلسطينية ليس بالضرورة جيد للفلسطينيين وقضيتهم .  وكما أثبتت الأحداث،  فإنه لمن الظلم إعطاء السلطة الفلسطينية  أي مكاسب لا تستحقها  في معارك لم تخضها،  بل على العكس،  فإن غيابها عنها كان ملحوظاً من قبل الجميع،  وبقائها سوف يشكل عقبة أمام النضال الفلسطيني وأمام العمل على استعادة الحقوق الفلسطينية. السلطة الفلسطينية هي في نهاية الأمر نتاج اتفاقات أوسلو التي يرفضها الفلسطينيون ويقبلها الاسرائيليون . وطرفي الحوار الرئيسيين في محادثات الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب أن يكونا حركة فتح وحركة حماس بالاضافة الى باقي الفصائل الوطنية الفلسطينية وليس السلطة الفلسطينية.  والانصياع العربي لمطالب أمريكا واسرائيل يجب أن لا يأتي على حساب الفلسطينيين .