• 16 حزيران 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : فواز ابراهيم نزار عطية

 

 

من الضروري بمكان، أن أستهل مقالتي بمقدمة أقتبس من أقوال العالم يهودي الذي خدم الإنسانية بعلمه النير في مجال الفيزياء والفلك والكيمياء، بما فتح الله عليه من أوسع أبواب العلم، إنه مايكل هارت العالم الفيزيائي الفلكي اليهوديأمريكي الجنسية من علماء العصر الحديث، عمل في وكالة (نـــاسا) الأمريكية، وله ابداعات علمية كبيرة في شتى العلوم، إذ قال في كتابه مائة رجل من التاريخ : إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ المئة دون منازع، قد يُدهش القُراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي.

فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها، كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته، ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم، كما وأنه أيضاً في حياته هو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية وأتمها.

نعم رجل يزداد اتباعه منذ 1400عام وبلغ عدد المسلمين اليوم ما يقارب من 2 مليار مسلم، فلا يمكن أن تكون تلك الزيادة بهذه الصورة المذهلة كذبة أو خدعة، فلا تستمر كذبة هذه الفترة ولا تستقر خدعة في وجدان الانسان لتنتقل جيلا بعد جيل بهذا الكم من الاتباع.

خرج علينا مساء الأمس بعض المستوطنين المتزمتين، بعدد ضئيل قدرته اجهزة الاحصاء المختلفة ب 500 مستوطن، خرجوا بمسيرة تحت مسمى "مسيرة الاعلام"، ليجوبوا بعض حارات القدس القديمة بسير محاذٍ لسور القدس العظيم ضمن مسارات محددة وغير موسعة، محاولين تحدي إرادة الصمود التي تمتع بها أهل القدس منذ سنوات، والتي أصبحت تجري في عروقهم مجرى الدم، فخابوا وعادوا أدراجهم من حيث تجمعوا، ولم تكتمل مسيرتهم رغم اعداد القوات الامنية الاسرائيلية التي كانت منتشرة بخمسة اضعاف المشاركين لتأمين حمايتهم، إلا أن الخوف لديهم كان سيد الموقف، لا سيما وأن ساحة باب العمود "باب دمشق" أصبحت مقر التحدي السلمي بإرادة الشباب المقدسي لمختلف القوات الإسرائيلية، تلك الإرادة أذهلت العالم فأصبحت حديث جميع المطابخ السياسية في العالم، بأن تهكم شباب القدس بقوات الأمن الاسرائيلية ولم يعد يحسب لهم حساب، افقد السيطرة وزمام المبادرة الأمنية،  فالنماذج لا تحصر في أسلوب التحدي سواء في طريقة الحديث مع الجندي الاسرائيلي مرورا بتوزيع الابتسامة المنفرجة اثناء الاعتقال، وصولا إلى ركوب أحد المعتقلين مركبة الشرطة وتصميمه الجلوس في المقعد الامامي، لدليل  على الاستهتار بتلك القوات نتيجة فقدانها لقوة الردع المعنوية، الامر الذي لم تسلم منه الخيول البلجيكية الكبيرة وفرسانها.

وبعيدا عن الازمات التي تعرضت لها حكومة نتنياهو الذي أصبح من صفوف المعارضة اليوم، وبعيدا عن  حكومة الشباب لدى السلطة المحتلة، التي معدل اعمار اعضائها ما بين 40 و 44 سنة، لكن أهم ما يميزها الافتقار للخبرة الدبلوماسية، وبعيدا عن ايدولوجية "عقيدة" كل عضو ورغم وصفها بحكومة يمينية متشددة، إلا أنها سمحت بالمسيرة الفاشلة رغم توصيات الاجهزة الامنية الاسرائيلية بعدم اجرائها، وكما يقال:" ربّ ضارة نافعة"، فعدد المشاركين الاسرائيلين وعدد قوات الامن المختلفة التي تجاوزت 5 أضعاف المشاركين مقابل عدد المرابطين من ابناء القدس المحاصرين بالقوات الأمنية والحواجز الحديدية، وسقوط الاعلام الاسرائيلية على أبواب وعتبات سور القدس، وتركها من أصحابها، لديل على عدم الانتماء لهذا العلم وعدم تقديره حق التقدير، فلم يكن للعلم أية رمزية لحامله، ولم يعلم حامله كذلك معنى ترك العلم وتنكيسه على عتبات سور القدس، مما دفع بعض جنود الاحتلال لتعويض هزيمة مسيرة الاعلام، بمنع تنظيف درجات ساحة باب العمود، واندفع بعضهم بصورة جنونية ليصادر مكنسة تنظيف من أيدي بعض الشباب المقدسي، وكأن في أقوال الشباب سهام خرقت قلوب وآذان الجنود بأن التنظيف هدفه محو آثار من حمل العلم الإسرائيلي على العتبات التاريخية لعروبة القدس وإسلاميتها، فما كان من بعض الجنود إلا بتعويض خيبة أمالهم من مسيري مسيرة الاعلام، إلا بالاندفاع لمصادرة المكنسة، باعتبار ذلك أقوى سلاح استراتيجي لدى قوة الجنود المتواجدة في المكان.

في نهاية المطاف، ورغم فشل المسيرة على الصعيدين العددي والمعنوي، ورغم محاولة حكومات الاحتلال منذ سنوات بتسيير تلك المسيرات في شوارع وأزقة البلدة القديمة كبدعة لتوكيد النصر المعنوي المزعوم على السيادة في القدس، إلا أنها لم تستطع تغيير طابعها العربي والإسلامي، ولم تستطع تغيير ثقافة الاجيال المقدسية، لكن أن تصبح تلك المسيرات محل لترداد عبارات وشعارات من المشاركين بالإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونعته بكلمات نابية وترداد عبارات وشعارات الموت للعرب، كل هذه تصرفات تنم على معادة بعض اليهود للسامية الاسلامية، وتشكل ثقافة ممنهجة وتدل على حجم وعمق الكراهية للإسلام والمسلمين وللعرب كذلك، وبما أن اتفاقيات كامب ديفيد و أوسلوا و وادي العربا واتفاقيات التطبيع الحديثة، تمنع اعمال التحريض الممنهج وتنص على المسائلة لكل من يحرض وكل من يشارك ويساهم في الاساءة، فإنه يتعين على الحكومات العربية التي ابرمت اتفاقيات مع السلطة المحتلة الطلب من حكومة اسرائيل الحالية، لإصدار بيان توبيخي للمشاركين في مسيرة الاعلام، وتقديم رسالة اعتذار للمسلمين والعرب عن الاساءة المقصودة، والتعهد بتغيير مناهج الكراهية ومعادة السامية الاسلامية، ومراقبة تصرفات السلطة المحتلة في مناهج التعليم لديها، بما يضمن عدم تكرار معادة الاسلام والمسلمين والعرب، وليتم تنشأة الاجيال الاسرائيلية على احترام الغير وعدم الاساءة للرموز الدينية سواء أكانت مسيحية أو اسلامية، ومخاطبة جميع مجالس حقوق الانسان بذلك، وبذات الوقت تذكير حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأن ايمان المسلم بجميع الملائكة وبجميع الكتب السماوية وبجميع الانبياء دون استثناء واحترامهم جزء من العقيدة الاسلامية السامية، انطلاقا من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 285:" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ".