• 6 تموز 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم الكاتب والباحث:  ناهـض زقـوت

 

الكاتب الفلسطيني محمود أحمد شاهين لم ألتق به من قبل، ولكن التقيت به من خلال ابداعاته الروائية والقصصية، كتب على صفحته في الفيس بوك عن الضائقة المالية التي يعاني منها اضطرته إلى عرض مقتنيات بيته للبيع، بعد أن تخلى عنه الجميع من مؤسسات رسمية وشعبية.

الكاتب محمود شاهين، من مواليد بلدة السواحرة في القدس عام 1946. بعد حرب حزيران 1967 نزح إلى الأردن، وهناك التحق بصفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" كمقاتل، وبعد أيلول 1970 خرج مع من خرجوا من المقاومة الفلسطينية إلى دمشق، وعمل في مؤسسات مختلفة في الثورة منها مكتب الدراسات الفلسطينية، ومراسل مجلة فلسطين الثورة في دمشق حتى عام 1984. في حرب 1982 على لبنان أصدر في دمشق مع آخرين صحيفة (صدى المعركة). درس الصحافة (دورات إعلامية وصحافية في القاهرة)، وأعطى دروساً عملية في الفن التشكيلي في الأكاديمية الصيفية الأوروبية في ألمانيا. أقام معارض للوحاته التشكيلية في أكثر من عاصمة عربية وأوروبيّة منها باريس وبرلين، وله في العالم أكثر من سبعة آلاف لوحة في أكثر من ثمانين بلداً في العالم، وترجمت بعض قصصه ورواياته إلى لغات أجنبية مختلفة. أقام في دمشق منذ مسيرته الأدبية والنضالية، إلى أن اشتعلت الحرب الأهلية في سوريا فغادرها مكرها، تاركا خلفه كنزه المتمثل بمكتبته ولوحاته التشكيلية ومخطوطاته غير المنشورة ومنحوتات وتحف كثيرة، واستقر في العاصمة الأردنية عمّان. 

يكتب الشعر والقصة القصيرة والرواية، وفي الفكر والنقد الأدبي والفني. كرمته وزارة الثقافة الفلسطينية في جناح دولة فلسطين ضيف شرف معرض عمان الدولي للكتاب، بحضور نخبة من الأدباء والأكاديميين والمبدعين والإعلاميين الفلسطينيين والأردنيين والعرب، حازت روايته (عديقي اليهودي) على جائزة أفضل رواية عن القدس لعام 2020 ضمن مهرجان زهرة المدائن للإبداع الثقافي. 

هذا المبدع والفنان الفلسطيني يعاني الأمرين في حياته المعيشية، ولا يجد سبل لمعيشته، مما دفعه لبيع أثاث بيته لكي يعيش بكرامة. وقد وصل به الحال إلى التفكير بالانتحار.

كتب يقول في 26 يونيو 2021: بيتي بمحتوياته في دمشق معروض للبيع بالمزاد العلني! البيت يحتوي على مئات اللوحات والمنحوتات والتحف والمؤلفات والمخطوطات والكتب وغيرها .. حزين من أجله لكن في زمن الخراب والخيبات لا بد من ذلك وخاصة حين تتعثر الحلول وتؤكل الحقوق وتموت النخوة !.

خاب أملي في جميع مسؤولي فتح من أصغر مسؤول مرورا بوزير الثقافة ورئيس الوزراء وانتهاء بالرئيس نفسه الذي كان في مقدوره أن يحل المشكلة منذ أن قابله الأخ يحيى يخلف بشأني منذ أكثر من ستة أعوام. فرسالتي المنشورة في الثلاثين من أيار الماضي لم تجد إلا تعاطف بعض الأصدقاء، ولم تحرك ضمير أي مسؤول. كنت قد استغنيت عن مخصص فتح البائس لبضعة عقود، ورحت أعتمد على نفسي، إلى أن جاءت النكبة السورية التي شردتني، لأبحث عن الرزق من جديد، ولو أن سوق الرسم مقبول في عمان لما سألت أحداً .. المدخرات التي كانت لدي ودعم الأصدقاء والأهل وريع بعض اللوحات والكتابات، ساعد على أن أحيا بكرامة طوال عشرة أعوام وحتى اليوم .. وآمل أن لا تذهب الأمور إلى الأسوأ ..

وفي نداء سابق كتب يقول: مطلوب خالد مسمار أو لواء أو كاتب له كلمات سحرية،  كتلك التي أنقذت أخانا أبا نضال! فبعد ثمانية أعوام من المطالبة  لم استطع استعادة بعض حقوقي المهدورة في حركة فتح، التي انتميت إليها كمقاتل عام 1968، وخضت مغامرات نفذتها بنجاح، ونجوت منها بأعجوبة، وكنت أعيش على ما هو دون الكفاف طوال عملي المديد فيها، من القتال إلى الصحافة والأبحاث .. حتى استغاثات بعض أدباء القدس كمحمود شقير وجميل السلحوت وإبراهيم جوهر لم تجد! ولا محاولات الأخ أبو الهيثم (يحيى يخلف) ولا حتى كتاب الرئيس إلى من يعنيهم الأمر، ولا محاولات وزراء الثقافة! المبلغ الذي وفره مراد السوداني مشكوراً تبتلعه أجرة البيت! والديون تتراكم علي، ولا أعرف متى سيتسنى لي أن أسدها! آمل أن لا أصبح نصاباً رغم عني! فلم يعد في الامكان أن أتشرد أو أعيش في خيمة بعد أن بلغت الخامسة والسبعين، وإن كان شعاري في الحياة "لا أريد من الدنيا إلا أن أرحل عنها مستوراً، غير أني أريد الآخرة كلها"! وإياكم أن يعتقد أحد أنني أحلم بحور العين! فالآخرة عندي مختلفة! إذا كان ثمة من يشتري عشرات المؤلفات ومئات اللوحات مني فأنا أتنازل عنها كلها مقابل مساعدتي بمبلغ من المال يكفيني باقي أيام عمري.

هذا حال المبدع محمود شاهين الكاتب والروائي والقاص والفنان التشكيلي، الذي كتب 13 عملاً روائياً، إلى جانب الشعر والقصة القصيرة والدراسات الأدبية والنقدية، ولوحات فنية. يعاني دون أن يجد آذان صاغية لمعاناته، لا يطلب الكثير إلا ما يسدد ديونه، ويعتاش بكرامة. 

إن قضية الكاتب محمود شاهين تفتح السؤال الواجب الاجابة عليه من المؤسسات الرسمية: لماذا لا يكون هناك صندوق رعاية للكتاب والأدباء يرفع عنهم مذلة السؤال، وفاقة الحاجة.

نضم صوتنا إلى جانب الكاتب الفلسطيني محمود شاهين، ونرفعه عالياً أمام المؤسسات الرسمية من الرئاسة إلى مجلس الوزراء إلى وزارة الثقافة، إلى الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين أن يسعوا بكل قوة لإيجاد حل حقيقي لمشكلة الكاتب، قبل أن ينتحر ويتحملون موته في رقبتهم، فقد كتب على صفحته قائلاً: لا تتفاجؤوا إذا ما سمعتم أنني انتحرت! أكيد الانتحار أفضل من المذلة !.