• 10 تموز 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلــم : الباحــث فـــوّاز إبراهيــم نــزار عطيــّة

 

 

مازالت افة تسريب العقارات  الشغل الشاغل اليوم وحديث الساعة وكل ساعة لأهالي القدس، وعاهة المخطط الهيكلي للقدس العربية، لكن النضال الشرعي بالسبل والطرق القانونية لأهل القدس سيبقى سيد الموقف، وما بين  مطرقة التسريب للعقارات وسندان عاهة المشروع الهيكلي المطروح حديثا من بلدية القدس، اللذان يسيران في مصبٍّ واحد يهدف كل منهما إلى تغيير المعالم العربية والدينية للمدينة المقدسة وتشويه حضارتها العريقة، فالأمل موجود والحلول قائمة، لا تحتاج إلا إلى عزيمة وحُسن التدبير والتنفيذ.

ان آفــة تسريب العقارات العربية، تستدعي دراستها من مختلف الجوانب وتأثيرها في الحياة للمواطن الفلسطيني، وعلى أن تكون محلا للمناقشات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية في مختلف الأُطر. الأمر الذي يوجب  على وزارة التعليم العالي الفلسطينية، تخصيص مسارات تعليمية في الجامعات الفلسطينية من خلال متطلبات مرحلة الحصول على اللقب الجامعي الأول، ليكون هناك أكثر من مطلب ضمن سياق كل تخصص، للتركيز على تلك الآفة التي يجب محاربتها قبل أن تتفشى وتصبح ظاهرة مقبولة بعيدة عن المحرمات والموبقات الاجتماعية.

كما وجدير بذكره، أنه من المبكر إطلاق مصطلح ظاهرة على تسريب العقارات في القدس، لأن الظاهرة تعتبر شيئا مستقرا  ومتعارفا عليه، يُكتسب بتراكم السنوات نتيجة اعتياد الناس عليه، مما يصبح جزء من منظومة الحياة، وحتى هذه اللحظة لا يمكن وصف تلك الحالة بالظاهرة.

 وغني عن البيان أن المشروع الهيكلي المطروح حاليا من بلدية القدس، في المنطقة الممتدة من منطقة باب العامود إلى حارة المصرارة ومن ثم باتجاه شارع السلطان سليمان ومحيطه مع مختلف الأزقة والأروقة، ما بين شوارع صلاح الدين والزهراء والمسعودي... مرورا بمنطقة واد الجوز والحارات المحيطة بها، تشكل ذات الخطورة التي نعيشها اليوم في ظل آفـة تسريب بعض العقارات، فكلاهما أوقع أهالي القدس بين أمرين شرّين، لا مفر منهما، إلا بخلق قواعد جديدة تزيد من ثبات أهل القدس، ضمن مخططات إستراتيجية وقانونية للحد من مخاطر استمرار تسريب العقارات في مدينة القدس للجمعيات الاستيطانيّة، وللحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة بطابعيها التاريخي والديني.

حان الوقت الآن للمسيحين والمسلمين لتضافر جهودهم، بإيجاد تعاون وتضامن استراتيجي في مختلف نواحي الحياة، لخلق بيئة تعايشية تزيل الظروف والمسببات من بعض ضعاف النفوس ممن يفكر في نقل و/أو تسريب ملكية أي عقار لأيادٍ مشكوك في أمرها، كما وحان الوقت الآن وقبل أي وقت سابق، للوقوف بوجه المعتدين وممن يحاول ركوب الموجة الوطنية، وكل من يحاول التمسك بشماعة الحرص على عقارات القدس في سبيل تحقيق مآرب فئوية ضيقة بالإعتداء على ممتلكات الاوقاف المسيحية والاسلامية، لأن أولئك أشد فتكا من المحتل وأعوانه يتسترون بلباس الورع والتقوى وقلوبهم تهوى السرقة والاعتداء الآثم على ملكية الآخرين بقالب وطني وديني .

لذلك، يجب ألا تكون الظروف الاقتصادية التي يعاني منها أهالي القدس منذ سنوات، سببا في انهيار منظومة السِّلم الاجتماعي، كما ويجب ألا تكون تلك الظروف سببا في بيع الضمير مقابل دراهم معدودة وإن كانت بالملايين، كون  العدد مليون أو أكثر، فهو عدد قابل للعدِ والتداول، فبقي معدود ضمن جدول ينفذ، وبالتالي ضنك الحياة وكثرة الالتزامات والاعباء المادية المفروضة من سلطات الاحتلال بمختلف اجهزتها على أهالي وسكان القدس، وفي ظل شح الدعم المادي وتجفيف مصادره سواء ما كان يأتي من الدول العربية والإسلامية بواسطة الجمعيات أو من خلال السلطة الفلسطينية مباشرة، حتما ستخلق بيئة يسهل اصطيادها للنفوس الضعيفة، منوها أن عين الادارة المحتلة اليوم على الحوض الدائري للقدس العربية، في المنطقة المعروفة بأرض السمار من أراضي لفتا، التي إقيمت عليها ما يسمى التلة الفرنسية، حتى حارة الأرمن في البلدة القديمة وصولا إلى حي سلوان، إذ أصبحت تلك المناطق ضمن مرمى وشباك الاحتلال بشتى السُبل والطُرق هدفه تفريغ الكثافة العربية منها، ولا أدل على ذلك هو ممارسات ما يسمى بوزارة الداخلية الإسرائيلية، التي اتخذت قرارا استراتيجيا من الناحية السياسية من وجهة نظرها، لكنه قرار تم بصورة مخالفة للقانون المقر من الكنيست بشأن مكان الإقامة والعنوان  لعام 2018، وذلك بمنع تسجيل أي شخص في الهوية ضمن ذلك الحوض إلا ...وأشدد على كلمة إلا ... بإجراءات تعجيزية ومرهقة تكاد تكون شبه مستحيلة، الأمر الذي سنصبح يوما ما مندهشين من ثمار ذلك القرار، الذي سيؤتي أُكله خلال مدة عشرة سنوات، حيث تم تطبيق ذاك القرار منذ عام 2019، وسيرى أهل القدس النتائج عام 2029، بحيث سيجد أهل القدس وسكانها أن من هو مسجل في ذلك الحوض قد تضائل إلى الثلثين لضمان أغلبية يهودية، من خلال الحرب الديمغرافية "حرب السكان".

من هنا أقول أن ناقوس الخطر قد دقّ وطرق عدة طرقات، إزاء ما تواجهه المدينة المحتلة من عمليات تهويد مُحكمة الخطط ، أهمها آفة التسريب وعاهة المشروع الهيكلي، مضافا له على قدم وساق مشروع حرمان تسجيل أهل القدس في وزارة الداخلية الإسرائيلية ضمن منطقة عنواينهم المؤيدة بمستندات قانونية، كل ذلك يجري تحت سمع وبصر الدول العربية والإسلامية ودول أوروبا، فتسريب بعض العقارات في البلدة القديمة وحاليا في حي سلوان، الذي يبعد عن المسجد القبلي للمسجد الأقصى المبارك مسافة لا تزيد عن 30 مترا، ولازال مسلسل التسريب من بعض مرضى النفوس ممن يسكن في تلك المنطقة بالتعاون مع بعض المحامين والسماسرة الذين باعوا شرفهم وضميرهم، يستدعي من الآن وصاعدا ايجاد الحل لتلك المعضلات من خلال وسيلتين لا ثالث لهما.

الوسيلة الأولى: إنشاء صندوق خاص من أهل الثقة والشرف والعفاف وأصحاب الكفاءة العلمية وممن يُشهد لهم بالصلاح والانتماء لهذه المدينة، للقيام بشراء العقارات المنوي تسريبها ووقفها وقفا خيريا، لجميع أهل الحي امام المحكمة الشرعية التابعة للحكومة الأردنية والتصديق على حجة الوقف من المرجع المختص في المحكمة الشرعية الغربية، منعا من أجراء أي تصرف عليها باستثناء حق المنفعة.

الوسيلة الثانية: أن يتم العمل بالرؤية التي طرحتها وعممتها جمعية "المحافظة على الوقف والتراث المقدسي" من خلال مختلف الفعاليات والمؤتمرات والندوات، بأن يتم وقف العقارات في ذلك الحوض وفي مختلف أحياء القدس وقفا ذُريا من أصحاب العقارات، حتى لا تعبث بعض نفوس الورثة ولا تضيع وراء سراب الدراهم القليلة، التي لا تسمن ولا تغن من جوع، وانما ستكون لعنة الاجيال تطاردهم جيلا بعد جيل، وسيكون بعضهم من زمرة المنبوذين هم وذريتهم إلى يوم الدين.

وبناء على ما تقدم، ولما كانت آفة بيع بعض العقارات سواء في القدس القديمة أو في حي سلوان أو قد نتفاجأ في مواقع أخرى من المدينة المقدسة، آفة يستدعي محاربتها بشتى الطرق القانونية والمادية وفق السياق المذكور أعلاه، لأنها تعتبر هذه القضية في غاية الخطورة وإن كانت حالة فردية، فتلك الحالة إن لم يتم علاجها ستصبح حالة مجتمعية منتشرة بصورة لا تحمد عقباها، نتيجة عدم تحقق الرع النفسي والمادي، الأمر الذي يدعو إليه العقل والمنطق ألا ننتظر لبلوغ المسألة ضمن خانة الخطر وألا ننتظر حلول الواقعة لتكون ظاهرة.