• 20 تموز 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  نبيل الانصاري

 

 

إن الأعياد هي ذكرى أيام عزيزة على الأنسان تعيد له مجد غابر .. ومن جملة ما كتبتُه قبل عدة سنوات حول عاداتنا هنا في مدينة القدس خلال حلول الأعياد  .. أنها هذه الأعياد بل كل الأعياد  برأيي الشخصي هي في الواقع تُعد مهرجانات الفرح الأقدم في حياة البشرية ومواقيت البدايات الجديدة في رزمانة الإنسانية ..

  آخ .. آخ .. ليلة ما قبل يوم العيد والتي صادفت مساء يوم أمس الموافق الأثنين التاسع من ذي الحجة من عام 1442 للهجري .. حيث تتداعى الذكريات وتتدفق في الخيال .. أناس كانوا في حياتنا نحبهم ونحترمهم مروا في أيامنا وطواهم البعد وآخرون جمعتنا بهم المسافة في وقت ما ثم ابتعدت بهم ..

 صحيح أن العيد تفاقيد!! 

نتفقد فيه الأهل والأحبة والخلان .. العيد حالة من تجديد السلام الداخلي والصفاء الروحي ومعاودة تنظيم الذاكرة وفرصة للإمتلاء من رقة الحنان والحنين .. فمرحباً بكل الأعياد التي تشحن فينا الذكرى وتبطن قلوبنا بالرأفة والطيبة والنوايا الحسنة تجاه الآخر مهما اختلفنا ..   

 صلة الرحم والتواصل الإنساني الشفيف مع الأيتام وذوي القربى والأصدقاء ونشر بهجة التعاطف بالكلمة الحسنة والبسمة الخضراء لها أثر اجتماعي انساني ذو عائد تنموي يعم جميع مناحي الحياة، فالعيد استراحة روحية للتواصل البشري ..

وكما تعلمون يا سادة فإن من عادات الناس هنا في مدينة القدس خلال حلول العيد تتمحور على القيام في صباح كل عيد .. في الصباح الباكر بالذهاب لأداء صلاة وشعائر العيد في الحرم القدسي الشريف (المسجد الأقصى المُبارك وقبة الصخرة المُشرفة) والاستماع لصلاة وخطبة العيد ومن ثم نقوم بزيارة القبور والأضرحة .. نتذكر في صباح كل عيد بحزن يعتصره الألم أهلنا وأحبائنا من أفراد العائلة (الوالد والوالدة والعم والجد..)

 نتذكر موتانا.. الموتى والأحباء والأهل الذين إنتقلوا إلى دار الآخرة .. دار الخلد والبقاء ..  وعندما ندخل المقبرة نبدأ بقرأة الفاتحة على أرواحهم الطاهرة وأروح جميع المسلمين والمسلمات .. نتذكر السورة المكيّة الكريمة .. 

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم)

نعم .. إنها السورة تتحدث عن انشغال الناس بالحياة الدنيا ومتاعها باختزالها بـالتكاثر والمراد كما ذهب المفسرين في كتبهم أن التكاثر معناه التفاخر بالكثرة، سواء كانت بالمال أو الأبناء أو الجند وغيرها، وتكمل الآية وصف ما سيكون عليه شعور أولئك الذين انشغلوا بمتاع الدنيا وندمهم ! يا سادة يا كرام ..

"تذكروا أننا كلنا في قدر الله وفي الموت سواء .. 

ما لحي من ورود الموت يوماً من رجاء .. 

إنما الموت إنتقال من فناء لبقاء .. 

وإذا حل القضاء فلا مرد له إلا

رحمة تُرجى رضوانك يا رب السماء ..

ولقاء قي جنان الخلد يوم اللقاء.."

كما أنها هي الدنيا لا تبقي عزيزاً وساعات السرور بها قليلة .. 

هم السابقون ونحن اللاحقون ..       

وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ..

 "بعد ذلك .. نذهب لمعايدة صلة الأرحام وإعطاء المعايدات للأولاد والبنات الصغار والأخوات .. الجو بهيج وجميل، بيد أن الطقس حار جداً في مدينة القدس ودرجات الحرارة تصل في مثل هذا الشهر من كل عام نحو 33 درجة واليوم وغداً يُتوقع أن تصل إلى 34 درجة .. كما أفاد الراصد الجوي .. يحدث خلال زياراتنا سكون وهدوء عند قيامنا بمصافحة الأهل والأحبة والأولاد والأطفال الصغار .. نتناول كذلك كعك العيد اللذيذ ونشرب المرطبات العصير والمرطبات المُثلجة من صودا تنوك وحتى عصير الليمون بالنعناع والمياه بكثرة .. حيث وطأة الحر خلال أشهر الصيف تُجبرك على ذلك .. وأنت جالساً تسمع الأخبار العائلية ومن ثم تشرب القهوة، قبل ذهابك لتناول وجبة الغداء .. وجبة العيد .. 

  بيد أنه عند قيامنا بشرب القهوة أو الشاي الأخضر .. نحدق بالصور التذكارية المعلقة على الحائط (الحيطة) لبرهة ونتذكر صور الأحبة الذين إنتقلوا إلى رحمة الله ونحو دار الآخرة. أحياناً قسوة الفقد والرحيل تعصف بعقولنا وبنا وتحملنا إلى واحات من الحزن والألم والذكريات والحنين ..!يا سادة .. دعونا نجمع أن الخيال والعاطفة تعصف بنا ما قبل ليلة العيد .. فها هم حتى من فقدنا في درب الحياة ماثلون بكل ذكراهم أمامنا، تحفهم الدمعة الصامتة وتمتلئ بحناجرنا لوعة الفراق 

 العيد يحيي فينا حتى من ابتعدوا وابتعدت بهم الحياة عنا، فها هم يمتثلون في ليلة العيد وكأن الزمن يعود في رحلة عكسية!

بعد ذلك يجتمع أفراد العائلة حول الطاولة المستديرة لتناول منسف العيد (طبق الأرز ولحمة الخروف الممزوجة باللبن أو الجميد المطبوخ وعلى الأرز اللوز والجوز والصنوبر المقلي وبجانبه طبق السلطة الفاخر –جرجير وخس وبندورة وبصل أخضر مع رشة جوز ..) والكثير من الماء البارد للتخفيف من وطأة الحر .. بعدها يتم تناول القهوة الشقراء المطحونة بحب الهيل عند الإنتهاء من تناول وجبة العيد مع أفراد عائلتك وربعك .. ترتاح قليلاً على الكانبيه العيد

حيث بعد نصف ساعة أو ساعتين ينتظرك طبق شرائح البطيخ المُثلج وبجانبه العنب والخوخ والتفاح ومشكل من فاكهة الصيف .. ثم تأخذ قسط من الراحة والنوم حتى تُجدّد نشاطك في المساء ..

 تتناول الحلويات من كعك ومعمول وبقلاوة وبلورية محشوة بالفستق الحلبي وكذلك الشوكولاتة .. هذه من بعض عادات وتقاليد الناس هنا في مدينة القدس خلال حلول عيد الأضحى المُبارك أو عيد الفطر السعيد .. 

إننا صدقاً نكتب ونبحث ونقرأ من أجل حسن إفادة الآخرين وتوثيق المعلومات .. حكايات وحكايات .. وحكاية هنا وهناك أحلى من الحلوات ..

تذكروا يا سادة بأن العيد هو تفاقيد!! حيث نتفقد فيه الأهل والأحبة والخلان .. 

فكل عام و أنتم و كل من تحبون بألف ألف خير .. نتمنى لكم جميعاً أن تكونوا بأحسن صحة وعافية وهداة البال .. وأيضاً أن تكونوا بمشيئة الباري عز وجل بمنأى عن الوباء البلاء المتمثل بفيروس الكورونا الفتاّك وطفراته وسلالاته المتحورة المتغيرة التي بعضها مؤذي ومحتال على الجهاز التنفسي لبني البشر وأيضاً على اللقاح والتطعيم الذي تلقيناه ..! الوباء البلاء ليس من وراءنا .. انتبهوا وديروا بالكم على أنفسكم وعلى أولادكم وأحبائكم .. 

حفظكم الله جل جلاله من مكروه ..

عيد أضحى مُبارك لكم جميعاً .. أعاده الله علينا وعليكم وأنتم ترفلون بأحسن حال وبصحة وعافية وعمر مديد ..