• 9 تشرين الثاني 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د. هاني العقاد 

لا يبدو ان حلا وسطا للازمة الحالية بين دولة الاحتلال وحليفتها أمريكا فيما يتعلق بقرار الولايات المتحدة الأمريكية افتتاح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية قد يقبل بعد تصريحات نفتالي بينت ويائير لابيد التي اقترحوا فيها على الإدارة الأمريكية فتح قنصلية لها في رام الله لتقديم خدمات للفلسطينيين، القنصلية كانت قد أغلقت بقرار من ترامب عام 2019 بعد إعلانه بأن القدس عاصمة موحدة لدولة الكيان في العام 2017. إلا أن جو بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيعيد فتح القنصلية في القدس الشرقية في حال فاز بالانتخابات الي جانب بعض الوعودات الأخرى لتحسين العلاقة مع الفلسطينيين. إسرائيل ترفض وتعتبر ذلك خطوة قد تمس بسيادتها على القدس ما يعني أنها لن تقبل بمقترح حل وسط يقضي بدمج القنصلية والسفارة في القدس لأنها تعتبر أي تغير في التمثيل الدبلوماسي الأمريكي في القدس يجسد خطوة عملية لإلغاء اعلان ترامب الذي انتهك كافة المواثيق والقوانين الدولية الصادرة بشأن اعتبار القدس أرض محتلة وأن أي تغييرات فيها باطلة نصا وقانونا. منذ اعلان ترامب حتي يومنا هذا  وإسرائيل تكس إجراءات تهويدية على الأرض لتوحيد المدينة واقتلاع الفلسطينيين منها في أكبر عملية تطهير عرقي تجريها إسرائيل منذ احتلالها الأرض الفلسطينية عام 1967 حتى الآن من خلال إطلاق ايدي المستوطنين وتوظيف القضاء الإسرائيلي للاستيلاء على بيوت الفلسطينيين في أكبر حيين فلسطينيين هما (حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى),  كما ان عملية التطهير العرقي لم تستهدف الاحياء وعقاراتهم بل الأموات أيضا في مقابرهم باعتداء سلطات الاحتلال جرافات  بلدية الاحتلال على مقبرة (اليوسفية التاريخية) تحويل قسم كبير منها لحديقة توراتية للمتطرفين اليهود.

 يوليو الماضي طلبت اسرائيل من واشنطن رسميا عبر وزارة خارجيتها بتأجيل افتتاح القنصلية في القدس الشرقية تحت ذريعة أن أقدمت الولايات المتحدة في هذا الوقت على افتتاح السفارة سوف يوفر مادة مهمة للمعارضة الإسرائيلية التي يقودها نتنياهو لإسقاط حكومة نفتالي بينت وهذا الإجراء سيؤثر سلباً على استقرار الحكومة وثباتها. اليوم وبعد ان استطاعت حكومة نفتالي بينت تمرير موازنة كيانه وهو الوقت الذي طلب فيه نفتالي بينت تأجيل افتتاح القنصلية بالأمس  خرج نفتالي بينت ويائير لابيد وزير خارجية الاحتلال وافيغدور ليبرمان ليعلنوا ان إسرائيل نجحت في اعتماد موازنة الدولة والذي كان من شأنه ان يؤثر على استقرار حكومته , حول مسألة القنصلية في القدس  قال نفتالي بينت  "ان حكومته تعارض بشدة الان قيام إدارة بايدن على افتتاح قنصلية للفلسطينيين في القدس الشرقية وأكد ان إسرائيل هي صاحبة السيادة في القدس وقال اننا أبلغنا ذلك لإدارة بايدن" , وعلى ما يبدو ان نفتالي بينت وأقطاب حكومته وجهوا رسالة قوية لبايدن وادارته ان إسرائيل لن تسمح في الوقت الحالي بقيام إدارة بايدن بافتتاح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية تحت أي ظرف كان.

 لا اعتقد ان تذهب العلاقات بين إسرائيل وحليفتها الي المربع السيء علي اثر ذلك ولا أعتقد أن إدارة بايدن يمكن ان تنصف الفلسطينيين علي حساب إسرائيل ولا اعتقد ان ادارة بايدن تسعى بالفعل الي إعادة العلاقات بينها وبين الفلسطينيين الي عهد أوباما لذلك فإننا اليوم أمام أزمة وتوتر بين الحليفين لكن في ذات الوقت قد لا تقبل إدارة بايدن ان تقرر إسرائيل أشكال العلاقة بين إدارة بايدن والفلسطينيين وتلغي إسرائيل برفضها افتتاح القنصلية ووعد مهم من وعود بايدن الانتخابية لجمهوره الانتخابي وهذا من شأنه أن يزيد من حدة الانتقادات لإدارة بايدن والتي أخذت بالاتساع خلال الفترة الأخيرة على خلفية مزيد من الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطينيين وصمت المستوى الرسمي الأمريكي على ذلك ,بل ان الانتقادات وصلت إلى إرسال نواب أمريكيين ونقابات عمالية وخدماتية أمريكية ونشطاء رسائل موقعة من مئات الأعضاء الي إدارة بايدن بتقيد الدعم المالي والعسكري الإسرائيلي من ضرائبهم لإسرائيل لأنها تستخدم هذا المال في الاضرار بحالة حقوق الانسان في فلسطين .وهذا ما يجعلنا نتوقع ان تحاول إدارة بايدن استخدام أوراق في يدها للضغط علي إسرائيل لتقبل افتتاح القنصلية الأمريكية بالقدس الشرقية.

المعهود في سياسة إسرائيل هنا انها دائما تحاول توظيف كل موقف بينها وبين الإدارة الأمريكية لمزيد  من التأييد الأمريكي لسياستها الاحتلالية فاعتقد ان حكومة نفتالي بينت قد تقبل في النهاية قيام إدارة بايدن بافتتاح القنصلية في القدس الشرقية مقابل  وقف إدارة بايدن انتقاداتها للحكومة الاستيطان الإسرائيلي اثر سياسة التغول الكبير في أراضي الضفة الغربية او قد تقبل حكومة نفتالي بينت افتتاح القنصلية بالقدس الشرقية بتعهد الولايات المتحدة الامريكية بأن لا تفتح ملف القدس في أي مفاوضات قادمة برعاية أمريكية بين إسرائيل والفلسطينيين او قد تقبل إسرائيل بعد تعهد إدارة بايدن بأن تتخلى عن مبدأ حل الدولتين باعتباره مبدأ يستحيل تطبيقه و الموافقة على خطط الحلول الاقتصادية التي بدت إسرائيل رسميا في فرضها  علي الفلسطينيين . قد لا  تتسبب هذه القضية بأزمة كبيرة بين أمريكا واسرائيل لان لدي الطرفين الكثير من الأوراق لمزيد من المناورة والمقايضة خاصة إسرائيل التي ترغب بمزيد من غض النظر عن الإجراءات الاحتلالية التي تمكنها من تحقيق مشروعها الكبير في كيان يهودي على التراب الفلسطيني بما فيه أراضي العام 1967, وفي ذات الوقت لا يمتلك الفلسطينيين أوراق ضغط على إدارة بايدن للوفاء بتعهداته على الأقل بإعادة افتتاح القنصلية الأمريكية لرعاية الشؤون الفلسطينية في القدس الشرقية كخطوة اولي لتحسين العلاقة مع الفلسطينيين.