• 16 تشرين الثاني 2021
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : عزام توفيق أبو السعود

 

عندما وقفت أمام مكتبتي أبحث عن كتاب ، وجدت يدي تمتد نحو كتاب من سلسلة أعلام العرب، عن الشاعر الصوفي إبن الفارض...

هذا الكتاب كنت قد قرأته في منتصف الستينات، أي قبل ست وخمسين سنة.. 

هل كانت إعادة قراءة كتاب هي بحث عن شعر في الغزل؟ أو البحث كلمات شعرية رقيقة مرهفة الحس لشاعر الجمال والغزل ؟.. أم أن اختياري للكتاب هو بدافع الفضول؟ لأستكشف لماذا أحبت رائدة الأدب النسائي في العالم العربي مي زيادة شعر ابن الفارض عن غيره من شعراء العرب في موضوع الغزل.. هل غزل ابن الفارض وعذوبة كلماته تفوق شعراء الغزل العرب  أمثال عمر بن أبي ربيعة، معشوق نساء عصره؟  وكيف تحب مي زيادة شعر ابن الفارض وهي مسيحية وإبن الفارض متصوف إسلامي قضى كثير من وقته في الكهوف في خلوات طويلة بحثا عن وتغزلا بالذات الإلاهية وبالنبي محمد صلوات الله عليه؟ مي زيادة التي عشقها العقاد وأراد الزواج بها ورفضته، واختارت أن تحب جبران  خليل جبران ولم تتزوجه!!!  أم أردت أن أقارن بين فهمي لشعر ابن الفارض حين قرأته أول مرة في ريعان الشباب، وبين فهمي لشعره وأنا أعيد القراءة وعمري ثلاث وسبعون عاما؟! ربما..

لكني اكتشفت السبب اللا شعوري الذي جعلني أعيد القراءة المتأنية والتي استغرقتني أسبوعا كاملا .. نعم اكتشفت ان ابن الفارض سيأخذني في روحانياته، وفي سيرة حياته .. في خلواته ورحلاته إلى روحانيات فقدناها في عصر المادة الذي نعيش به.. عصر المصالح الشخصية واللهاث نحو المال، وتغليبه على الايمان بالحق والمساواة والعدل .. عن البحث عن الذات الانسانية النقية، والابتعاد عن النفس الشريرة التي أصبحت من سمات عصرنا الحالي.. 

نعم كل إنسان منا بحاجة إلى لحظات من التصوف، من الاختلاء إلى الذات، وتقييم مدى ما ابتعده الانسان منا في تصرفاته عن روح دينه، وعن محبته للناس وعشقه للجمال بأي شكل من الأشكال، جمال الطبيعة قبل جمال أنثى تلبس خمارا أو تتلوى في ملابس ضيقة .. نعم ، كل منا بحاجة إلى ساعة أو يوم أو أسبوع ليتصوف ، ويقيم ما ارتكبه من أخطاء بتحليل لا تبرير فيه .. وإنما لمحاسبة النفس وإعادتها إلى طريق صائب، طريق بلا سياسة وبلا مشاكل عمل وبلا مزايدات.. فهل نحن فاعلون؟

أقول .. أعادني ابن الفارض إلى عالم النقاء الذي نفتقده، إلى عالم الوقوف إلى جانب بعضنا ... إلى الإحساس والشعور الباطن باللحظة التي يحتاجنا فيها غيرنا من أحبة وأصدقاء وأهل ، لنكون إلى جانبهم، معهم على الحق .. لا على نزاعات قبلية وثأر ودماء نسفكها بغير حق ، لا على حرق منازل ومتاجر، وإنما على الحب الإلاهي الصادق الموجود بداخلنا ولكننا نبعده عنا كلما نادانا ولاغانا بنداء طفولة بريئة  نداء حب من أي نوع... وليس نداء حمل سلاح لا نستخدمه إلا بين بعضنا البعض !!

 لا حول ولا قوة إلا بالله..