- 21 تشرين الثاني 2021
- أقلام مقدسية
بقلم: المحامي زياد أبو زياد
قرار الحكومة البريطانية باعتبار حركة حماس حركة إرهابية يثير أكثر من تساؤل. ما الجديد الذي قامت به حركة حماس واستوجب هذا القرار البريطاني الذي يأتي في شهر حمل في طياته ذكرى وعد بلفور المشؤوم وقرار الحكومة البريطانية بالانحياز لليهود والإقرار بحقهم في إقامة وطن قومي في فلسطين؟ هل قامت حماس وتقوم بشكل ممنهج بقتل المدنيين الأبرياء من الأطفال، أم قامت باتخاذ قرارات بهدم حي كامل بمدينة القدس يؤوي مئات العائلات، أم تقوم بطرد العائلات من منازلها في حي الشيخ جراح وإسكان غيرها فيها ، أم قامت وتقوم بهدم المنازل والدفيئات الزراعية في الأغوار وشمال وجنوب الضفة الغربية؟ هل قامت حماس بطرد الفلاحين من حقولهم وقطع المياه عنهم وعن مواشيهم وطاردتهم لترحيلهم من أماكن سكناهم ومراعيهم وحقولهم التي عاشوا فيها وتوارثوها أبا ً عن جد منذ مئات السنين؟ هل قامت حماس بهدم المعابد واقتحام الأماكن المقدسة وتغيير معالمها وتحويلها الى أناس آخرين؟ هل…وهل…وهل؟ أسئلة كثيرة تراود الأذهان والناس تتابع أخبار القرار البريطاني.
قد يقول قائل بأن حماس لم تقم بهذه الأعمال وأن الذي يقوم بها دولة تعتبر نفسها فوق القانون ولا تخضع للمساءلة أو المحاسبة. دولة تضرب عرض الحائط بما يسمى بالشرعية الدولية وقراراتها ، دولة أسهمت بريطانيا في تأسيسها ودعمها عسكريا وسياسيا واقتصاديا منذ تأسيسها على أشلاء شعب آخر قامت بتشريده من وطنه وأرضه وما زالت بريطانيا تدعمها حتى اليوم.
وقد يقول آخر بأن حماس لم تقم بمثل هذه الأعمال، ولكنها يمكن أن تقوم بها ولذلك فإن عليها اتخاذ قرار بنبذ العنف وإعلان التزامها باحترام الشرعية الدولية والتخلي عن السلاح وعن اية وسيلة للمقاومة والدخول الى بيت الطاعة بملابس شفافة راضية مرضية. عندها فقط يتم نزع صفة الإرهاب عنها وتكون من المحظيين برضا بريطانيا وأمريكا وقبلهم برضا إسرائيل.
ويبقى السؤال الحائر: ما المقابل الذي ستحظى به حماس لو فعلت ذلك؟ أليست حماس أحد مكونات فصائل المقاومة الفلسطينية التي أخذت على نفسها مهمة القتال حتى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل على حدود الرابع من حزيران 1967 وتخلت عن المطالبة بفلسطين كل فلسطين من النهر الى البحر والتزمت بما أسمته “الهدنة طويلة الأمد” لتحقيق هذا الهدف كما جاء على لسان العديد من قادتها؟ فهل المطالبة بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل هي إرهاب؟
ألم تلتزم حماس باتفاق وقف النار الذي تم بينها وبين إسرائيل منذ عام 2014 بوساطة مصرية وتحولت منذ ذلك الحين الى حام وحارس للحدود مع إسرائيل ومع ذلك ما زال الحصار الخانق يكاد يكتم أنفاس الغزيين الذين بدأ أبناءهم يلقون بأنفسهم طعاما ً لأسماك البحر وحيتانه وهم يحاولون الهروب من الحصار الخانق بحثا ً عن نسمة هواء ولقمة عيش في عالم حر؟
أليس الالتزام بوقف النار واحترام الهدوء على الحدود بادرة ومؤشرا ً بأن حماس مستعدة لتحمل عبء الاثبات بأنها لا تمارس العنف رغبة بالعنف وإنما كوسيلة للبحث عن الهدوء والاستقرار؟
حماس هي جزء لا يتجزأ من المقاومة الفلسطينية التي تعبر عن تطلعات وطموح الشعب الفلسطيني الى العيش بحرية وكرامة على أرضه. وحماس تعلمت الدرس ممن سبقها من فصائل المقاومة ممن التزم بطلبات الغرب بما في ذلك أمريكا وأوروبا بنبذ العنف واحترام الشرعية الدولية والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وهي الشروط التي وضعتها أمريكا أمام منظمة التحرير في أواسط الثمانينيات كشرط للحوار مع م ت ف، فماذا كان المقابل؟
لقد قبلت المنظمة آنذاك بتلك الشروط وانخرطت في عملية سياسية ثبت فيما بعد عقمها وعجزها عن انهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال والحرية للشعب الفلسطيني. وتحولت المنظمة وما تمخضت عنه العملية السياسية فيما بعد وعُرف باسم السلطة الفلسطينية إلى رهينة بيد إسرائيل وأمريكا وأوروبا لا تستطيع التراجع والعودة الى خيار المقاومة ولا تستطيع المضي في الطريق الذي اختارته وباتت تفقد كل يوم قدرا ً كبيرا ً من احترام شعبها لها ومن الأرض التي قامت من أجل تحريرها، وأصبحت إسرائيل تقضمها وتبتلعها يوما إثر يوم ولم يبق منها إلا القليل الذي هو على طريق الالتهام من قبل الشره الاستيطاني الإسرائيلي.
القرار البريطاني باعتبار حركة حماس حركة إرهابية هو قرار جائر وموغل في النهج البريطاني المتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ولا يؤدي إلا الى المزيد من الاحتقان في المنطقة ومن إضعاف التيار الفلسطيني الذي ما زال يلتزم بالشرعية الدولية ويبني الآمال عليها، ويقوي دفة التيار الذي يئس من المجتمع الدولي وتزداد قناعته يوما بعد يوم بأن الطريق الى انهاء الاحتلال لا تكون إلا من خلال المقاومة بعد أن فشلت كل الوسائل السياسية والسلمية لتحقيق ذلك. والقرار البريطاني باعتبار حماس حركة إرهابية قد يُستغل لتبرير هجوم واسع ضد القطاع وترحيل سكانه الى سيناء لاستكمال المخطط الصهيوني الاستيطاني على كامل التراب الفلسطيني، وعلى بريطانيا أن تتحمل مسؤولية أي شيء يحدث من هذا القبيل.
لقد كان من الأجدر ببريطانيا في ذكرى وعد بلفور المشؤوم أن تعلن اعترافها الرسمي بدولة فلسطين وبالقدس العربية عاصمة لتلك الدولة وتبنيها لمبادرة دولية جادة لتحقيق ذلك لا أن تكون أداة لمحاولة تصفية روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني والقضاء على أية فرصة لإنهاء معاناته وتكريس الاحتلال والاستيطان ومحاربة كل من يعارض ذلك
عن القدس