• 10 آيار 2022
  • أقلام مقدسية

بقلم : داود كتاب 

 

بغضّ النظر عن موقف أيّ فلسطيني من العمليات التي جرت أخيراً في مستوطنات ومدن إسرائيلية، يجب تقييم موضوع المقاومة العنيفة من عدة زوايا. المقاومة المسلحة سلاح شرعي ضد المحتل. ومع إلغاء المحتل الخط الأخضر في تعامله أحادي الجانب، بتشجيع الاستيطان وإعطاء ضوء أخضر لاستمرار عنف المستوطنين تحت نظر جنود الاحتلال، فإنّ موقع العمليات ونوعيتها لا يمكن إدخالهما في معادلة التأييد أو المعارضة، فمؤسسات حقوق الإنسان الدولية أصبحت تقول إنّه يجب محاسبة إسرائيل على أفعالها التمييزية من النهر إلى البحر.

كذلك يجب أن تقيَّم الأمور ضمن ميزان زيادة القمع الإسرائيلي أو عدم زيادته إثر العمليات، أو تخفيض عدد العاملين المسموح لهم العمل في إسرائيل. كل هذه الأمور جانبية في امتحان الفائدة أو الخسارة الوطنية العليا من العمليات المسلحة التي جرت أخيراً. الأكثر أهمية، في هذا المجال، ينطوي على غياب استراتيجية فلسطينية يمكن أن تكون العمليات المسلحة جزءاً منها، ويمكن ترجمتها إلى مكاسب حقيقية محلياً ودولياً.

بالنظر إلى الوضع الفلسطيني القاتم، ووجود انفصال شبه كامل بين الفصائل الوطنية والقيادة الرسمية الفلسطينية برئاسة محمود عبّاس، يصعب جداً الوصول إلى استراتيجية كفاحية متفق عليها، والأكثر من ذلك تطبيق تلك الاستراتيجية بكفاءة وبفائدة ملموسة لعملية التحرّر الوطني. استمرار شخص واحد في موقع رئيس منظمة التحرير ورئيس حركة فتح ورئيس الدولة الفلسطينية، وفي غياب انتخابات عامة، ينتج مشكلات كبيرة للوصول إلى اتفاق وطني، يشمل استراتيجية تحرّر متفق عليها، وآلية تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية. لكن، بدلاً من الانتخابات، يجب أن ترتفع وتيرة العمل الوحدوي من أجل إنهاء الاحتلال.

يرفض الرئيس أبو مازن إدخال العامل العسكري إلى استراتيجية التحرّر الفلسطيني، ويبدو أنّ الشعب الفلسطيني منقسمٌ حول الموضوع، وكذلك أغلب الفصائل، بما فيها حركة حماس، التي أصبحت هي في الخندق نفسه، تحاول إيجاد توازن بين إدارة حكومة تحت احتلال والقيام بأعمال نضالية عسكرية.

 وقد أثبت امتناعها عن إطلاق الصواريخ في شهر رمضان، رغم الاقتحامات الإسرائيلية المسجد الأقصى، أنّ أيديها، كما أيدي السلطة في رام الله، مقيدة إلى درجةٍ ما. ومن هذا المنطلق، يمكن تفهم موقف الرئيس عبّاس إدانة العمليات التي جرت أخيراً، وانطلقت من الضفة المحتلة، ولم تكن موجّهة إلى الجنود، بل إلى مدنيين، مع أنّ المقاومين حاولوا تجنّب كبار السن والنساء، كما اعترف بذلك أكثر من شاهد عيان إسرائيلي.

يواجه الشعب الفلسطيني عدواً شرساً وقوياً ومدعوماً من الغرب، ويجب تجميع كلّ عناصر القوة وتقليل نقاط الضعف، إن كان هناك أيّ أمل في إحراز تقدّم على المستوى الوطني. وإلى هذا، يزيد التأييد العالمي لحقوق الشعب الفلسطيني بصورة كبيرة.

ويجب أن تشمل الاستراتيجية إيجاد توازن بين فائدة المقاومة (وضروراتها) والدعم الدولي. في الماضي، شكلت العمليات الانتحارية والقتل العشوائي للمدنيين انتكاسة، ويبدو أنّ للتوجه الحالي، على سبيل المثال، في استهداف حرّاس المستوطنات والرجال الإسرائيليين، مردوداً أقل سلبية عالمية، وخصوصاً أنّ العالم يتباهى بالمقاومة الشعبية الأوكرانية.

لكن، أكثر ما يضرّ البحث عن استراتيجية وطنية شاملة الاستمرار في الانقسام والمنافسة بين الفصائل، بدلاً من العمل معاً، فلا يوجد أي تبرير لإعلان حركتي فتح وحماس، كلّ على حدة، مسؤوليتها عن العملية ضد حارس لمستوطنة إرئيل. كذلك إنّ محاولة رفع الأعلام الفصائلية بدلاً من العلم الوطني في باحات المسجد الأقصى ضرب لمحاولات الوحدة، وخصوصاً في الدفاع عن المقدسات، وقد أجمع عليه الشعب الفلسطيني في كلّ مكان.

إذاً، من أهم الأولويات الفلسطينية اليوم، العودة إلى العمل الوحدوي الصادق، والمبني على أهداف واقعية، من أجل تغيير ميزان القوى، ما قد يوفر بداية في تفكيك الاحتلال وبناء حقيقي للدولة العتيدة. وقد يكون جزءاً من هذا العمل الاتفاق على توزيع الأدوار بصورة يجري فيها الاستفادة من المقاومة في دعم العمل السياسي، بدلاً من أن تكون المقاومة عقبة للعمل السياسي. لكنّ توزيع الأدوار هذا يجب أن يكون بالاتفاق، ولو خلف الكواليس، من دون استغلاله لتسجيل مواقف وتقليل من وطنية كلّ طرف الطرف الآخر.

لقد قدّم الرئيس عبّاس في خطابه، في سبتمبر/ أيلول الماضي في الأمم المتحدة، فترة عام لانطلاق عملية دبلوماسية للوصول إلى نتائج في إنهاء الاحتلال، وإلّا فسيدعم تغييراً في الاستراتيجية الوطنية، من دون أن يحدّد أي اتجاه سيتخذ. هذا يعني أن لدى القوى الوطنية والإسلامية وغيرها أشهر الصيف المقبل للعمل خلف الكواليس، وبناء استراتيجية وطنية متكاملة، تهدف إلى التحرّر، وتعمل على الاستفادة من العمل المقاوم والعمل السياسي والنشاط الشعبي محلياً وعالمياً.

إذا كان الهدف من الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية إنهاء الاحتلال، لا الحفاظ على مكتسبات ذاتية، فالمطلوب، بصورة عاجلة، التوصل إلى استراتيجية وحدوية واضحة ومتفق عليها، قد تعتمد على النضال السلمي اللاعنفي، أو تعتمد على النضال العنيف، أو على خليط من الأمرين. وفي كل الأحوال، يجب أن تكون استراتيجية متفقاً عليها في الشكل والتوقيت، تضع المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني فوق كلّ المصالح الجانبية.