• 24 آيار 2022
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : أحمد صيام 

 

اتضح بما لا يدعو الا للقلق نتائج زلزال بير زيت ونقابة المحامين الفلسطينيين وما سبقها من انتخابات البلديات الازمة الخانقة التي تعصف بحركة فتح والتي لم تكن حركة فتح يوما أكثر عزلة وتشرذما من الداخل كما هي الآن ، خاصة بعد انحسار التنفذ بالحركة في فئة ضيقة للغاية من الصف الاول ومن يدور في فلكهم وتهميش الاغلبية الصامتة ما ادى الى تصدع واضح يساعد الاحتلال في تحقيق مآربه وفي مقدمتها الاستمرار في اضعاف الحركة وترويضها بشكل كامل بحيث لا تستطيع الافلات من قبضته وبالتالي احكام السيطرة على جل الحركة الوطنية الفلسطينية . ولم تكن قيادة الحركة يوما أبعد عن القاعدة الاساسية كما اليوم ، وهو ما عبر عنه اكثر من مرة الكثير من كادر الحركة الذي بات معزولا عن قيادته الجديدة والتي لم يعد لديها هموم سوى الحفاظ على مكاسبها الذاتية المكتسبة من الحركة وفق اجندات مختلفة ما جعل الفساد ينخرعصب الحركة 

وبات جليا ان حركة فتح وبعد الانحراف عن الفكرة الاساسية التي انطلقت لاجلها وانخراطها بشكل لا متناهي في عملية تسوية زائفة ، لا تملك استراتيجية متماسكة وواضحة في الوقت الراهن، وهي تتصرف في الغالب على أساس رد الفعل فقط إزاء التغيرات المحلية والاقليمية والدولية . وما تهديدات قادتها المتكررة بقطع الاتصالات مع الاحتلال خاصة ما يسمى "التنسيق الأمني" الذي تمارسه السلطة الفلسطينية مع سلطات الاحتلال الا فقاعات اعلامية ، وما عادت تؤخذ على مَحمل الجد ما جعل الحركة محط سخرية للمنافسين لها بالشارع الفلسطيني وفي اوساط كادرها المهمش .

ومن أسباب غياب الاستراتيجية تفرد فئة قليلة من الصف الاول  فيها بالقرار واستئثار المناصب والمهام على الفئة الضيقة المشار اليها اعلاه  والتي بات يطلق عليها ( عظم الرقبة ) ، ما ادى الى تشرذمات وانقسامات داخلها رغم ان خطوط الانقسام كانت دائما حاضرة داخل حركة فتح ، إلا أنها سابقا ما اكتسبت سمة التجميع وخاصة في عهد الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات وكانت الفصيل الوحيد الذي لا يضع عراقيل أمام انضمام الكوادر وتسعى دائما الى الوحدة الوطنية ، لذلك كانت تعتبر أكثر الفصائل تمثيلًا وشمولا ، بالرغم التوترات التي دكتها بين الحين والاخر كحرب المخيمات في عقد الثمانينات ، ومع ذلك فإن الحركة تمتعت بمستوى عال من الشرعية لدى كوادرها وعموم المجتمع الفلسطيني .

ولكن في عهد الرئيس محمود عباس والذي من المفترض ان تكون ولايته منتهيه وكان لزاما عليه تجديد الشرعية عبر صندوق الاقتراع ، تقوقعت الحركة اكثر فاكثر وباتت أقل تأثيرا من أي وقت مضى وهو ما ظهر جليا في مناسبات عدة ، بدأ بفوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية 2006 ، وخروج حركة فتح من قطاع غزة في اعقاب الانقسام الذي جرى عام 2007 واستيلاء حركة حماس على مقاليد الحكم في القطاع ، والخلافات التي عصفت بها ما دفع بقيادتها الى الغاء الانتخابات التي كانت مقررة العام الجاري ، واخرها وليس ختامها ، انتخابات نقابة المحامين الفلسطينيين وخسارة حركة فتح في الضفة وفوزها بغزة ، فيما الاكثر ايلاما للحركة  كان الزلزال الذي هزها في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت والذي تلقت فيه حركة فتح خسارة مدوية كانت متوقعة ، ولكن ليس بالشكل الذي حصل .

من دون شك ان قيادة الحركة فشلت في اعادة التقييم سابقا ، بل كان فشلا ايضا في الانخراط بمؤسسات فتح  كما حصل من خلال مؤتمري الحركة العاميين السادس والسابع ، وعدم الالتفات الى مظالم الكادر في قطاع غزة وازمة الاقتطاعات المالية للكادر ما ادى الى استقالات جماعية وتحميل قيادة الحركة كامل المسؤولية عن المنعطف الذي انجرت اليه فتح ، وقرارات الفصل التي طالت اعضاء باللجنة المركزية وكوادر يشهد لهم بالتاريخ النضالي ، وينظر اليها الكادر بانها تعسفية ما سيؤثر على وجودها وحضورها بل وشرعيتها في الشارع الفلسطيني ويشير بما لا يدعو الى الشك الى خلل تنظيمي كبير .

ناهيك عن قمع الحريات الذي مارسته اجهزة السلطة الامنية وممارسات لم يألفها شعبنا من قبل ، والذي انعكس سلبا على حركة فتح في الشارع الفلسطيني ، ما ادى الى خسارة الحركة مكامن التأييد والتعاطف والدعم المحلي وانحسار عملها في الاطار الانساني والاجتماعي المحدود والذي لم يغن ولم يسمن جوع ، ولم تكترث قياداتها او تسع الى توطيد علاقاتها بكوادرها او المناصرين لها ما الحق اضرارا بالحركة اكثر فاكثر . 

ومن دون شك ايضا ان اصرار القيادة الفلسطينية على خيار التسوية دون تحقيق نتائج ملموسة على الارض سوى مزيد من الاجراءات التعسفية الاسرائيلية ومزيد من التوسع الاستيطاني والتهويد ، وافراغ منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني من جوهرها ، كان الضرر الاكبر الذي يكاد يسحق حركة فتح كونها الفصيل الاكبر في المنظمة ، ما خلق فجوة كبيرة بين الشارع والقيادة ، وأدى الى شبه قطيعة بين الهرم والقاعدة ، وهو ما جعل حركة فتح تقف على مفترق طرق حاسم وخطير جدا ويدعوها اكثر من اي وقت مضى الى اعادة هيكلة ذاتها لتجديد شرعيتها واستعادة هيبتها ، على اساس الفكرة التي انطلقت لاجلها عام 1965 مع مراعاة التغيرات المحلية والاقليمية والدولية ومجاراة ما امكن دون خسارة الشارع . 

 القيادة الفتحاوية الحالية سعت الى البحث عن سبل اخرى لاستعادة الثقة ولكن دون جدوى وكانت كذر الرماد في العيون ، ومنها تبنيها لنهج المقاومة السلمية الشعبية دون تحديد ملامحها او آلياتها او حتى الاستراتيجية الاساسية لها ، ما وضع حركة فتح وفي ظل ما سبق امام تحديات خطيرة للغاية ويجعلها الى أمس الحاجة  لتجديد شرعيتها كحركة نضالية كفاحية ، وذلك عبر:  الانفصال عن السلطة والاقرار بفشل مشروع التسوية والغاء كافة قرارات الفصل التعسفية بحق كوادرها وتنحي القيادة الحالية للحركة من الصف الاول والصفوف المتتالية دون استثناء ومن يدور في فلكهم من المتطفلين على الحركة ، لان جميعهم مسؤولين عن الفشل الذي دك عصب الحركة وبات الاصلاح في ظلهم عبث ، واستنهاض البنى التنظيمية وفق النظام الداخلي للحركة وتوضيح الرؤية المستقبلية في الصراع مع الاحتلال ، وتعزيزالوحدة الوطنية وترجمة شعارالمقاومة الشعبية إلى إستراتيجية نضالية واضحة المعالم مرتبطة باهداف سياسية ومنطلقة من فهم أن المقاومة فعل شمولي سياسي، دبلوماسي، اجتماعي، ثقافي، تنظيمي ، امني ، مسلح محدود ، وقد يصل الى مرحلة العصيان المدني.