• 2 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

في عام 1967 وخلال ساعات قليلة هزمت ( إسرائيل ) الأمة و كامل العالم العربي و احتلت من الأرض أكثر من ضعف مساحتها، احتاج الناس لستة أيام لإدراك عمق الهزيمة التي افترست الأرض و النفس و الكرامة و كل ما هو جميل و مشرف، تلك الدول ذوات الخطاب الحماسي الهادر و التي لم تكن جاهزة للحرب و لكنها كانت على أتم جهوزية لإطلاق اسم النكسة على تلك المصيبة التي حلت بنا و لا تزال، و كانت و كأنها قد استحوطت لذلك منذ زمن طويل لإطلاق الدهماء بالشوارع للدفاع عمن قادنا نحو الهزيمة، و إطلاق تبريرات تندرج تحت يافطة الكوميديا السوداء التي سوقت ما حدث على أن هدف ( إسرائيل ) من الحرب كان إسقاط الحكومات و الأنظمة التقدمية و الثورية، و لكن بما أن تلك الأنظمة لم تسقط و لا زالت ممسكة بتلابيب الحكم فان ذلك يعني منطقيا و رياضيا أن ( اسرائيل ) قد فشلت في تحقيق أهدافها من الحرب .

بعد عقود من تلك النكسة / المصيبة تغول الاحتلال في الأراضي التي احتلها، و انهار بعض النظام الثورجي لصالح النظام الرجعي فكانت أوسلو التي قايض بها صاحب القرار المصالح العليا بالبقاء ما بعد الاحد في القدس

السياسي، و تشكلت سلطة انتهت وظيفتها بالتنسيق الأمني و إدارة الشؤون البلدية، تمسك المفاوض بمظاهر السلطة من نشيد و علم و سجاد أحمر و طوابع بريد، مقابل التخلي عن السلطة الحقيقية و السيادة على الأرض و ما تحتها من ماء أو ثروات و ما فوقها من ذبذبات إلكترونية هي حكر على الخصم و لا يمنحها إلا بشروط وترخيص منه .

وبعدها تغول الاحتلال على كامل الأمة و على الإقليم و امتدت أقدامه العنكبوتية من المغرب على المحيط الأطلسي لدول الخليج، واستباح سماءنا بصواريخه ومسيراته واغتيالاته، و كان الرد الذي نعرفه جميعا بعد كل عدوان : أن الرد سيأتي في الزمان و المكان المناسبين، و قد سئمنا انتظار ذلك الرد الذي لم نعد ننتظره .

منذ عام تلك النكسة/المصيبة، حرص ( الإسرائيلي ) على تنظيم مظاهرة سنوية باسم مسيرة الأعلام تخليدا لذكر احتلاله للمدينة (تحريرها وفق مفرداتهم )، انتصاره و هزيمتنا، تجوب بها حشودهم طرقات وأزقة القدس العتيقة فخورة بما حققته و مذكرة إيانا بعارنا المستمر، و مع تصاعد اليمين ازدادت عدوانية تلك المسيرة السنوية و اكتملت بوجود برلمانيين و أكاديميين ورجال قضاء مشاركين بالمسيرة و من ذات الاتجاه المتطرف و يحرضون على دخول باحات الحرم القدسي لإقامة شعائرهم التلمودية، و هو ما تم التصدي له في رمضان الماضي والذي سبقه بفضل المرابطين بالحرم من القدس والضفة ومناطق ثمانية وأربعين لا بل و المسيحيين المقدسيين أيضا، ثم ما تلقوه من دعم قتالي في رمضان قبل الماضي ودعم تعبوي في رمضان الأخير، مما جعل غزة الأم الحقيقية للقدس متجاوزة دَوري عمان ورام الله  .

لم يكن سرا أن مسيرة الأعلام لهذا العام سوف تكون حاشدة بشكل استثنائي، وأن تلك الحشود المدعومة حكوميا ستكون أكثر عدوانية وصولا إلى اجتياح الحرم القدسي و الصلاة فيه، لكن شحنات من التصريحات عالية النبرة انطلقت من أكثر من اتجاه مقاوم محذرة الحكومة ( الإسرائيلية ) من تبعات أي مساس بالمسجد الأقصى، لدرجة اعتبار يوم المسيرة يوما حاسما و ما بعده لن يكون كما قبله . 

تكثفت الاتصالات و الوساطات: مصرية و تركية و عمادية قطرية، لكن الرأي كان يذهب باتجاه ان حكومة الاحتلال التي نشرت ما يزيد عن ثلاثة آلاف رجل شرطة ستكون حريصة على إجراء المسيرة بانضباط و بأقل قدر من الاستفزاز، و أن ما أطلق من تهديدات وصل الى مرحلة من الصعب العودة عنها إن وصلت الحشود للحرم القدسي .

الأحد الماضي حبست الأنفاس، و انطلقت حشود المستوطنين مبكرا لاجتياح المسجد الأقصى بكثافة غير مسبوقة بقيادة عضو الكنيست المتطرف بن غفير الذي صرح للإعلام متفاخرا : التهديدات شجعتني أكثر، أقول لهم انتم لستم أصحاب هذا المكان، هذا المكان لنا نحن اليهود، و كان ذلك برعاية الشرطة ( الإسرائيلية )  و مديرها العام الذي تواجد في مكان قريب فيما أغلقت الشرطة أبواب المسجد القبلي على المرابطين بالسلاسل الحديدية، رقصت الألوف و غنت و انبطحت أرضا فيما تم نشر صور لمن يصعد إلى سطح المسجد الأقصى ليبول عليه، فيما تصدي لتلك الألوف بضع من السيدات المقدسيات، وسط صمت الصواريخ التي استبدلت بخطاب من النوع الوارد في مقدمة المقال، مكتفين بإطلاق بلالين أو طائرات ورقيه  تحمل أعلاما معلنين انتصارنا في هذه المواجهة .

لم يهزم الفلسطيني الذي قاوم و تحدى و ان شعر بالإحباط من الخطاب المبالغ الذي عقد عليه الأمل، نفهم ان الوقت قد لا يكون مناسبا لمواجهة كبرى بناء على حسابات تعرفها المقاومة ولا نعرفها نحن، و لكن كان يمكن الاقتصاد في إطلاق التصريحات عالية النبرة درءاً لأي إحباط في هذا المناخ الحماسي ، ثم عدم إعطاء ذريعة لمن يحرض على نهج المقاومة  و النتيجة لقد  أضفنا إلى قائمة انتصاراتنا المذكورة آنفا انتصارا جديدا، فيما حقق ( الإسرائيلي ) أكثر مما كان هو يتوقع و وضع القواعد المكينة لتقسيم الحرم القدسي زمانيا و مكانيا، و سنرى تلاحق الاجتياحات لباقي مدن وقرى ومخيمات الضفة تأخذ شكلا أكثر قسوة، لقد أشبعناهم تهديدا و ملأنا نفوس أهلنا إحباطا وفازوا بالإبل.

حقا ما بعد الأحد التاسع والعشرين من أيار لن يكون كما قبله،,, و لكن بشكل سلبي