• 2 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

بقلم : أحمد صيام 

 

في الوقت الذي تغيب فيه اجراءات الفعل ورد الفعل بشكل يلمسه الشارع العربي على وجه العموم والفلسطيني على وجه الخصوص وتسارع وتيرة الاحداث الدراماتيكية في فلسطين بفعل الممارسات التي يقترفها الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الاعزل ومحاولاته التي لا تنتهي لمصادرة حقوقه الطبيعية ، تنهال بيانات الادانة والشجب والاستنكار من كل صوب وحدب وتكثر الدعوات للعالم الخارجي والمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته والعمل على كبح جماح هذا الاحتلال ، وتتعالى اصوات التهديدات للرد ولكن في الزمان المناسب والذي لم يحن كما يبدو حتى اللحظة !! والمكان المناسب والذي لم يتم الكشف عنه حتى اللحظة ايضا !! وكأن هذا النهج اصبح الوحيد المتاح من اولي النهي والامر للتعبير عن السخط  دون اتخاذ اي شكل من ردود الفعل العملية الرادعة للاحتلال . 

لقد سئم الانسان العربي هذه الردود ، فمنذ نعمومة أظافره وبعد نكبة فلسطين وما تلاها من نكسة وتهجير اهلها ومصادرة حقوقهم الطبيعية وتشتيتهم في اصقاع الارض ، لم يلمس ذلك الانسان المغلوب على امره سوى مثل هذه البيانات والتي كلما تزايدت تسارعت معها إجراءات الاحتلال العنصرية ، ويبدو ان صناع القرار في الوطن العربي وبعد ما اطلق عليه التحرر من الاستعمار نسوا او تناسوا ماذا يعني الاحتلال . 

في المعجم اللغوي فإن كلمة "احتلال" تعني غزو البلاد والاستيلاء عليها قهرا .. ومن تبعاته ممارسة شتى اشكال القهر على السكان الاصليين الى درجة تهجيرهم وطردهم من اراضيهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وإحلال آخرين مكانهم !! وممارسة انتهاكات مختلفة منها ما هو ممنهج ومنها ما هو غير ذلك ، بمعنى انتهاكات يكون مخطط لها مسبقا وتحمل في جنباتها اهداف مبيتة خبيثة تستهدف الارض المحتلة برا وبحرا وسماءا وبشرا وحجرا !! ومنها ما يصدر عن غوغائيين متطرفين يكنون في داخلهم كم هائل من الحقد والكراهية والخراب والدمار !! ومن دون شك ان القوانين الالهية والوضعية ترفض الاحتلال ايا كان شكله وتبعاته .. 

ولكن في حالتنا الفلسطينية كيف ينظر العالم للاحتلال اليهودي الذي اصبح فيما بعد يسمى بالاسرائيلي لارض فلسطين ؟! اليهود الذين كانوا مشتتين في اصقاع الارض ، حاولوا مرارا وتكرارا التوطن في فلسطين ولكن جوبهوا برفض مطلق ممن كان يحكم فلسطين ومنها ما كان في عهد السلطان العثماني عبد الحميد ، ولكن في نهاية المطاف تمكنوا من ايجاد موطىء قدم لهم فيها بتواطىء دولي ، ومن البعض من ذوي القربى !! وبعد فرض الانتداب البريطاني على فلسطين بعيد الحرب العالمية الاولى وهزيمة الجيش العثماني . الدول المنتصرة في الحرب استخلصت العبر جيدا من معاني وحدة الاراضي العربية الممتدة من المحيط الى الخليج ، لذا وعبر مخططات خبيثة اقتسمت الغنائم وعمدت تقسيم الوطن العربي الى دويلات وامارات ونصبت حكام بلا مصادر قوة وقرارتهم غير نافدة الا بموافقة السلطة المحتلة حتى بعد تخفيف التواجد العسكري للحد الادنى وإظهار هؤلاء الحكام كأنهم حريصين على مصلحة شعوبهم وغض الطرف عما يجري في فلسطين من هجرات يهودية بالجملة مدججة بالعدة والعتاد ، وما حل بشعب فلسطين من بعد ذلك من نكبة تبعها بعد نحو عقدين من الزمن نكسة خلفتا آثار مدمرة حتى اللحظة على الشعب الفلسطيني وارضه ومقدراته ... 

ومنذ ذلك الحين ورغم تبوء القضية الفلسطينية المشهد العالمي بكل معطايته ، ولطالما اعلن القانون الدولي عن رفضه لكل اشكال الاحتلال ونظم العلاقة بينه وبين من يقطن الارض المحتلة حتى انهاء الاحتلال ، بل وصدرت عشرات القرارات الاممية التي تدين وتستنكر وتشجب وتحذر من ممارسات خارجة عن القانون يقترفها الاحتلال بحق السكان الاصليين وحقوقهم الطبيعية ، الا انه في الحالة الفلسطينية اختلف الوضع ، فدولة الكيان تستغل ذلك وبدلا من النظر إلى أحكام القانون كبوصلة أخلاقية فإن إسرائيل سخرته  كمرشد في تعميق الانتهاك المنهج لحقوق الإنسان وسياساتها في أنحاء الأراضي المحتلة تقوم على السلب والقمع والتجبر والقتل والعنصرية ، تحت غطاء التأويل الشكلي الأجوف لمبادئ غايتها في الأصل منع كل هذا ، بل وتتنصل من مسؤوليتها القانونية باحترام الحقوق الطبيعية للسكان الاصليين . 

وبالنظر الى المجتمع الدولي ، اتضحت سياسته مع بروز الازمة الاوكرانية الروسية الى السطح ، ولو تمعنا اكثر لنجد ان سياسته كانت واضحة من الاساس ومبنية على حساب الحقوق العربية بمجملها ، ولعل الحرب على العراق الذي قرر ان يرفع صوته ويتجه نحو فضح السياسات الغربية المهيمنة على القانون الدولي ، جرى تدميره ، بل واضحى نموذجا لكل من يحاول من الاقاليم العربية او الاسلامية الحذو حذوه ، فكانت العبرة المستخلصة ان يتم تدمير المقدرات العربية قبل ان تصبح قوة لا يستهان بها ، فوضعت الخطط لتقسيم المقسم وتجزئة المجزء وزرع الفرقة الطائفية بين ابناء الشعب الواحد ، وانسحب نموذج العراق على اقطار عربية اخرى لاجل تدميرها بتكلفة وايدي عربية ، ابسط مثال على ذلك . 

وفي الوقت نفسه اغراق الشعوب العربية بضغوطات ملحقة ببعض الاجراءات التنفيسية تجعل من الانسان العربي من المحيط الى الخليج يتقوقع حول نفسه ولا يلتفت الا لتأمين قوته اليومي . 

من دون شك ان بيانات الشجب والإدانة والاستنكار باتت من الماضي ولا فائدة منها ، ولا تصدر الا من الضعيف الذي لا حول ولا قوة له ، او ممن يتعمد الابقاء على الوضع الراهن بكل معطياته ومخارجه للحفاظ على مصالحه والتأكيد على متابعته الحثيثة الخادعة للوضع ومساعيه للرد عليها والوقوف امام عدسات الاعلام والايحاء بايماءات تدلل على الغضب وتحذر من العواقب !! بمعنى " انا اشجب واستنكر وادين واحذر اذن انا موجود " ، ما جعل من هذه البيانات ومن تصدر عنه مثارا للتندر والسخرية لدى الانسان الفلسطيني والعربي ، خاصة انه يعيش هذه الحالة منذ اكثر من سبعة عقود دون الوصول الى نتيجة تنهي معاناته وترسو بسفينته الى بر الامان . 

 الحرية لا تهدى انما تنتزع من انياب المحتل ، والفلسطينيون بحالتهم الراهنة لن يصلوا الى اهدافهم واحلامهم بالحرية والاستقلال ، خاصة مع انسداد الافق السياسي واتساع الفجوة بين القيادة التي ما زالت تتأمل خيرا من احتلال قهري ، والقاعدة التي باتت وحيدة في تقديم القرابين لاجل انتزاع حريتها ، وفقدان الثقة وضبابية المشهد الداخلي حيث مزق الوطن الواحد ، وجرى تشويش افكار المواطن ما بين اليمين واليسار وما بين المقاومة والحل السلمي وما بين الاصفر والاخضر والاحمر ، وما بين الهرولة العربية للتطبيع مع دولة الكيان ومراوغة المجتمع الدولي والكيل بمكيالين عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية . 

فما المطلوب حتى يصل الانسان الفلسطيني الى مبتغاه ويتنزع حقوقه من انياب احتلال لا يدخر جهدا في ابتلاع مزيد من الارض والتوسع الاستيطاني وانتهاك حرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية ، ويصعد من اعمال القتل التي طالت الصحافيين وقمع الجنازات والاعتداء على المشيعيين ؟ واعادة القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات العربية والدولية ؟ 

التحدث عن قرارات الشرعية الدولية وسط هذه الضبابية بات امر عبثي ولا جدوى منه خاصة ان المجتمع الدولي بسياسته الحالية المخادعة والكيل بمكيالين ، توجب على الفلسطينيين قبل اي خطوة البدء باصلاح انفسهم باعادة بناء النظام السياسي بعيدا عن تلاطم الامواج الحزبية والسياسية وتجميع اوراق قوة بين ايديهم ومن بعدها اللعب بالساحة الدولية بثبات ، ولعل اكثر الاوراق قوة تكمن في طي صفحة الماضي وانهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وبلورة رؤية وطنية شاملة منطلقة من الايمان بمبدأ الشراكة الحقيقية وذلك في اطار حوار وطني شامل خالص النوايا وبعيدا عن اذرع الاحتلال واعوانه وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية ، ما من شأن ذلك ان يرفع من معنويات الانسان الفلسطيني ويعيد ثقته وايمانه بحتمية الخلاص من الاحتلال ويعزز من صموده وتحديه لاجراءات الاحتلال التعسفية العنصرية ، والرهان الفلسطيني الاشد قوة بات الانسان والقنبلة الديموغرافية ، والشعب  برهن اكثر من مرة استعداده الدائم للعطاء . ولعل التصدي البطولي الذي تجسد في القدس وجنين وغزة ، وكسر الاحتياطات والاجراءات الاسرائيلية الامنية المشددة حول المعتقلات وتمكن ستة من الاسرى الابطال من استنشاق نسائم الحرية ولو لايام معدودة ، ولا زال يتجسد يوميا رغم الفارق الشاسع بموازين القوة بين الجانبين ، ابسط نموذج على استعداد الشعب للعطاء ، ولكنه بحاجة الى تعبئة موحدة واستراتيجية وطنية جامعة وشاملة واضحة المعالم .

 في ظل ما سبق يطفو الى السطح السؤال الاكثر جدلا في الوسط الشعبي الفلسطيني : هل القيادة الفلسطينية الحالية بمختلف اطيافها ، والتي اتخذت من خلال اطرها المختلفة ، قرارات تزيد عن القرارات العربية والدولية تحدد فيها العلاقة مع الاحتلال ، لديها النوايا الخالصة وتمتلك القدرة على فعل ذلك ؟