• 24 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

ساد العالم نظام الثنائية القطبية لقرن من الزمن و إن اختلفت الأقطاب من محور وحلفاء في الحربين العظميين إلى حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي وحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تفكك الاتحاد السوفيتي و انهار جدار برلين مؤذنا بانهيار حلف وارسو، فيما بقي حلف شمال الأطلسي و أصبحت زعيمة الحلف هي قائدة العالم من خلال نظام القطب الواحد الذي لم يستطع الاستقرار والثبات أو الاستمرار؛ فصعود الصين الهادي و السريع كان مصدر قلق دائم لواشنطن ترى ضرورة التصدي له و تحجيمه، لكن الحرب الروسية الأوكرانية جاءت في غير موعدها المناسب لواشنطن و لتدفع النظام الأحادي القطب نحو مزيد من الترنح باتجاهات متعددة، قد لا نعرف على وجه الدقة كيف ستسير في يومياتها ولكن مآلاتها النهائية تشير إلى سقوط هذا النظام، و أن نظاما دوليا جديدا متعدد الأقطاب سوف يحل محل النظام الأحادي القطب .

في الفترة التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية، كانت واشنطن تحشد قواها وحلفاءها في بحر الصين الجنوبي، بهدف تطويق الخصم الصيني، استعدادا وتحضيرا لحرب اقتصادية و سياسية مع الصين بأدوات الحصار و التحرش، و ربما مع شيء من الاشتباك المسيطر عليه متخذةً من تايوان ذريعة، في سبيل ذلك اتخذت واشنطن قرارا بتبريد جبهات عديدة منها شرقنا، بداية من العودة بجدية و نشاط لإحياء المفاوضات مع طهران حول ملفها النووي، ثم دفع حلفائها لتطبيع علاقاتهم و إنهاء خصوماتهم بعضهم مع بعض، فكانت المصالحة القطرية السعودية و المصالحة التركية المصرية، وكان السماح الأمريكي بتجاوز عقوبات قيصر التي اقرها الكونغرس الأمريكي ضد سورية، و ذلك بإدخال الغاز و النفط و الكهرباء إلى لبنان من مصادر أردنية و مصرية و أخرى عبر الأراضي السورية، طبعا بعد أن تتقاضى سورية حصتها من كل ذلك .

الحرب الروسية الأوكرانية أعادت خلط أوراق واشنطن التي فشلت – حتى الان محاولاتها في جعل التورط الروسي في أوكرانيا مصدر استنزاف لموسكو بما يشابه ما حدث معها في أفغانستان، لكن موسكو- مزودة غرب أوروبا الرئيسي  بالغاز و النفط- كانت قد حسبت حساباتها بدقه، فقد أضعفت الحرب من السياسات المشتركة لحلف شمال الأطلسي، ثم أنها وجدت في الحرب مصدر دخل إضافي بسبب ارتفاع أسعار الغاز، و قبض أثمانه بالروبل وفق أسعار صرف البنك المركزي الروسي، الأمر الذي سمح لها بتمويل حربها و عاد عليها بالربح النقدي، فيما تلهث الخارجية الأمريكية لمعالجة زلات أقدام بايدن و لسانه باتجاه الصين .

هكذا عادت واشنطن عن سياسة تبريد شرقنا إلى تسخينه من جديد، فتعثرت مفاوضات النووي مع طهران، و زادت السعودية و دول البتر ودولار الخليجية من إنتاجها بهدف تخفيض سعر الغاز و النفط و بما يعود بالخسارة على موسكو و طهران، فيما تتعرض سورية لضغط استثنائي من جهاتها الأربع، التمدد التركي في الشمال، و قسد و تحالفها مع أكراد البرزاني في الشرق، و تصاعد الهجمات ( الإسرائيلية) عليها، ومن أخطرها قصف مطار دمشق وإخراجه من الخدمة، و أخيرا الأردن و ما تدعيه من حرب مخدرات و ما تنشره عن حلول الحرس الثوري الإيراني مكان قوات روسية منسحبة من جوارها الشمالي .

بعض من الهدوء الحذر المتقطع يحيط بنا، وسببه تعليمات واشنطن تحضيرا لزيارة بايدن في منتصف تموز القادم، حيث يزور عاصمة ( إسرائيل ) القدس و بعض أحيائها الفلسطينية لأسباب إنسانية لا سياسية، ويعرّج على بيت لحم للقاء سريع مع الرئيس الفلسطيني ثم إلى جدة للمشاركة في قمة مع ولي العهد السعودي الذي سيجمع له و تحت زعامته ملوك و أمراء و رؤساء من مجلس التعاون الخليجي و العراق و الأردن و مصر فيما تكون ( إسرائيل ) الحاضر الأكبر و إن غابت عن كاميرات الصحافة، لم تدعَ حتى الساعة السودان و السلطة الفلسطينية، و لا ندري هل الغياب بسبب انعدام أهميتهما أم أن الدعوة ستصل إليهما متأخرة .

يريد بايدن  العودة إلى تسخين المنطقة و إقامة حلف امني و عسكري و سياسي و اقتصادي بين أطراف قمة جدة و ( إسرائيل )، شيء شبيه بناتو شرق أوسطي، و كما يرد في تصريحاته ان ما يهمه أمن ( إسرائيل ) و طبعا الوقوف بوجه إيران و محورها باعتبارهم العدو الجديد ثم تركيب أجهزة رصد ( رادار ) كخط دفاع عربي عن ( إسرائيل )، فيما ينقل نفتالي بينت عنه انه يريد إدماج ( إسرائيل ) في المنطقة في كل المجالات، ماذا يقدم بايدن لشركائه في القمة مقابل كل ذلك ؟ الدفاع عن مناصبهم و مكاسبهم، و يضاف إليها تصريحا كلاميا عن التزامه بحل الدولتين . من الجدير تذكره أن واشنطن لم يعرف عنها الالتزام بتعهداتها باستثناء تعهد يتيم لا زالت ملتزمة به و هو امن (إسرائيل) .