• 21 تموز 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :عزام توفيق أبو السعود

  

عندما تتعثر خطواتنا، علينا أن نبحث عن طريق آخر، ولا نستمر في خض المياه الراكدة، فهذا الخض لن نخرج منه إلا بفقاقيع هواء ، يمكن بدبوس واحد أن يتم  " بط " هذه الفقاعات، وتعود المياه راكدة كما كانت .. وسياستنا الفلسطينية منذ عشرات السنين قائمة على خض المياه الراكدة، وبالتالي لم نخرج إلا بالفقاقيع، نعتقد أننا عملنا حركة، لكن هذه الفقاقيع سرعان ما تختفي .. ونعود الى حيث كنا .. ودائما ما نخسر في النتيجة وقتا، يحسن أعداؤنا استغلاله، والاستفادة منه لتصعيب الأمور علينا وسد الطرق علينا .. 

خطواتنا تتعثر لأن خطابنا لم يتغير .. فنحن حعلنا تفكيرنا ينحصر في حل الدولتين .. وحصرنا أنفسنا بحدود 1967، واعتقدنا أن اسرائيل إن لم تقبل بحل الدولتين، فإن الوضع الديمغرافي سيكون لصالحنا نحن العرب، وبالتالي سيكون اليهود هم الأقلية ما بين النهر والبحر، وبالتالي ستكون اسرائيل دولة أبرتهايد " دولة تمييز عنصري" الأقلية فيها تحكم الأكثرية، وسيكون علينا حينئذ أن نسعى للتحرر من نظام الأبرتهايد كما فعلت جنوب أفريقيا .. 

من المؤكد أن هذا التفكير بات عقيما، فنحن لسنا سود جنوب إفريقيا، وبيض جنوب إفريقيا ليسوا إسرائيليين أو صهاينة ..  وجنوب افريقيا جغرافيا ليست كأرض فلسطين .. القابعة وسط العالم القديم .. والعالم الغربي دعم وتقبل إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكنه سيقبل بدولة فصل عنصري في فلسطين وسيحميها لأن الوضع مختلف كليا بين هنا وهناك .. ثم من قال أن جنوب إفريقيا قد تخلصت من الفصل العنصري ؟.. صحيح أن رئيسها الآن هو رجل أسود من المواطنين الأصليين، لكن الإقتصاد وراس المال بقي أبيضا .. وبقي البيض هم المشغلين للسود وهم الذين يتحكمون بالأمور الإقتصادية وبالشركات والمال والبنوك .. وبالتالي بقي السود عمالا عند البيض، مع تحسن في طريقة تعاملهم معهم، لأن القانون يحمي السود كمواطنين .

لقد أخطأنا في أوسلو ووافقنا على اتفاقية مرحلية، بتنا نراها اتفاقية دائمة، وليس هناك مرحلة أخرى فيها .. وأخطأنا في التوقيع على اتفاقية باريس، ووجدنا أنفسنا فيها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة علينا إقتصاديا وماليا .. والإسرائيليون أرادوا أن يكون إقتصادنا ليس تابعا لإقتصادهم فقط، بل خادم للإتصاد الاسرائيلي يوجهونه كيفما يريدون وكيفما تتطلب مصالحهم .

مما سبق فإن خطابنا السياسي، في دعم حل الدولتين، أو في محاربة نظام الأبرتهايد الاسرائيلي، لم يجدِ نفعا، ويبدو أنه لن يجدِ نفعا في المستقبل المنظور، حتى ولو فكرنا بأن النظام العالمي سيتغير نتيجة الحرب الأوكرانية، وسنعود الى عالم قوتين ثلاثة قوى عظمى ، ولن تكون أمريكا هي شرطي العالم الذي يصدر الأوامر للجميع، ويدعم من يريد ويحارب من لا يريد، ذلك أننا لا نضمن روسيا ضمانة عمياء بأنها ستكون معنا بشكل مطلق، فلروسيا حساباتها ومصالحها التي ليست بالضرورة مطابقة لحساباتنا . سياسة الدول تتغير حسب المصالح ، وليس حسب العدل والحق والقانون الدولي .

علينا أن نخرج من قمقم حل الدولتين ومحاربة نظام الأبرتهايد .. ونريد أن نفتح أفقا جديدا في تفكيرنا، وفي مطالبنا وفي خطابنا للعالم.. هذا الأفق قد يقود الى حل الدولتين .. والخروج من القمقم ايس بالضرورة أن يخرج لنا مارد يلبي طلباتنا .. بل علينا كسر القمقم لنخرج بفكر سياسي جديد، فكر يوازن بين الحقيقة وبين الأوهام.. فكر قد يجد قبولا من شعوب العالم وبالتالي من قادتها .. فكر يجعل العالم يرى ويتفهم أن مقاومتنا السلمية وغير السلمية هي حق وواجب .. وعليه أدعو مفكرينا، ومحللينا السياسيين، قبل ممتهني السياسة ومحترفي التكتيكات السياسية الذين فشلوا حتى الآن أن يخرجوا من القمقم .. وأن يطرحوا مطلبا وطنيا نتفق عليه، ولا يستطيع أحد أن يتجاوزه لأنه سيؤمن به .. دعونا لا نفكر بتشكيلات منظمة التحرير وبالسلطة ...  سواء سلطة رام الله أو سلظة غزة دعونا  لا نفكر بالإصلاح ومقاومة الفساد رغم أهميتهما دعونا لا نفكر بالإنتخابات.. دعونا نصل الى مطلب فلسطيني واحد يوجه سياستنا، ودعونا من التفكير في فتح وحماس والجبهات المختلفة والفصائل المستهلكة .. لنتفق على مطلب واحد .. دعونا نفتح باب حوار فكري يدلي الجميع بدلوه فيه كفلسطينيين .. بعيدا عن تنظيماتهم وأفكارهم المسبقة .. 

أود أن أقترح موضوعا وليت الجميع يبنى عليه أو يطوره أو يجد بديلا أفضل منه :  لماذا لا يكون مطلبنا هو الاستقلال التام.. نريد أن نصبح دولة مستقلة بالكامل، وليست دولة تابعة .. وليست مستعمرة أو محتلة ، نريد أن نلغي استعمارنا واستعبادنا واحتلالنا .. نريد الحرية والإستقلال والعيش بكرامة كباقي شعوب العالم .. هذا هو مطلبنا : هل نتفق على هذا الخطاب؟ هل من إضافات لهذا الخطاب؟ وكيف السبيل لنشر هذا الخطاب؟ وكيف نقنع ساستنا ونخرجهم من القمقم؟