• 3 آب 2022
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : احمد صيام 

 

على الرئيس محمود عباس تحمل مسؤولياته الكاملة ، ومكاشفة ابناء شعبه ، والاعلان بكل شفافية عن مساعيه الدؤوبة التي يقوم بها لتحقيق ما كان يؤمن به ورؤيته السلمية القائمة على مبدأ التعايش المشترك بحل الدولتين والى ما وصلت اليه وهل فشلت ام ما زال هناك بريق أمل ما يلزم العودة الى المربع الاول . 

الرئيس عباس قدم نفسه كرجل سلام بمعنى الكلمة ، وبذل مساعي حثيثة وبذل جل ما بوسعه لاثبات ذلك ، وكان واضحا منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية وراهن على ذلك كثيرا الى درجة الاصطدام بالموقف الشعبي الغاضب اغلب الاحيان من ممارسات سلطات الاحتلال المنافيه لكل رؤى السلام ، بل وأثر على شعبيته التي وصلت الى الحضيض ، اضافة الى بعض المزايدين هنا وهناك والذين كانوا يستغلون كل اخفاق لقول كلمة حق ولكن كان يراد بها باطلا !! 

الرئيس عباس ومنذ عقد السبعينات ادرك اهمية فتح قنوات الحوار مع الجانب الاسرائيلي ، ومضى على هذا الخط حتى الان ، لانه ربما كان مقتنعا بقرارة نفسه ان اسرائيل لا تخشى المقاومة المسلحة بكل تفاصيلها سواءا كانت صواريخ من غزة ام عمليات مسلحة في الضفة ، بالرغم من تأثيرها الايجابي اللحظي على معنويات الشعب الفلسطيني ، فهو يدرك ان قيادة الاحتلال وفي محاولة منها لاستقطاب الرأي العام الدولي تسعى خلف تأجيج الاوضاع عسكريا الا انها تخشى المساعي السلمية ، لان السلام هو العدو الاكبر لها ويكشف حقيقتها العنصرية . 

ولا اعتقد ان الرئيس عباس المعروف بذكائه ، أغفل ما يكنه الاسرائيليون له من كراهية وحقد لتشكيكه بعدد اليهود الذين قتلوا ابان الحرب العالمية الثانية على يد النازية ، والذي كان حسبما اشيع ستة ملايين يهودي ، وكشفه للعلاقات السرية بين النازية والحركة الصهيونية في مؤلفه ( الوجه الاخر- العلاقة السرية بين النازية والصهيونية -)  والتي صدرت طبعته الاولى عام 1984 ، وكشفة كيف كانت الحركة الصهيونية تتعمد تضخيم الرقم وتثبيته لكسب الرأي العام العالمي ، وتعامل الدول الاستعمارية في حينه مع نصف الحقيقة بعد ان اهملت عن قصد النصف الاخر، وملاحقة كل من يتطرق للجانب الذي يفضح نشاطات الحركة الصهيونية والتي تعتبر من المحرمات ولا يجوز المساس بها او كشف النقاب عنها ، والهدف من ذلك كله كان تسهيل السيطرة على ارض فلسطين 

الرئيس عباس عرف واشتهر بعناده وحدة رأيه وتمسكه بسياسته ، ولكن دون التفريط حتى اللحظة قيد أنملة بالثوابت الوطنية واسس عملية السلام التي انطلقت منذ مدريد عام 1991 ، وصولا الى اتفاق اعلان المبادىء في اوسلو عام 1993 وقيام السلطة الفلسطينية ، وما تلاه من اتفاقيات موسعة كان يأمل حقا ان تؤدي الى تعايش مشترك في دولتين تتمتعان بسيادة كاملة كل في حدوده ، الدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، وهو ما يعني التنازل عن نحو 78 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية ، ولكن لاجل تحقيق سلام ربما ليس عادلا بمفهوم العدل المطلق للشعب الفلسطيني لكنه اضعف الايمان وسط التحديات المحيطة بالقضية الفلسطينية . 

الرئيس عباس وبعد جملة من الممارسات الاسرائيلية العنصرية وتخاذل الموقف العربي في محاولة للالتفاف على التمثيل الفلسطيني الى درجة استبعاد الرئيس من حضور قمة جدة الاخيرة والتي جرى فيها تدوال القضية الفلسطينية ، وتحايل الوقف الامريكي والاوروبي ، فهو قاب قوسين او ادنى ان يدرك ان اسرائيل تفعل ما بوسعها للتنصل من اتفاقيات السلام والالتفاف عليها تحقيقا لمصالحها وسياستها القائمة على الضم والتوسع والاستيطان والقتل والتدمير والتشريد . 

ومن هنا جاءت لاءات الرئيس عباس المتعددة لاي حلول ومبادرات تنتقص من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره والحرية والاستقلال ، وكان تحركه الدولي ولا زال ، لحشد الرأي العام الدولي لصالح تحقيق السلام المنشود وكشف وجه الاحتلال الحقيقي وانتزاع الاعترافات الدولية الصريحة بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 ، وللحقيقة نقول انه نجح في مواقع واخفق في اخرى ولكن لم يكل او يمل ويواصل مساعيه بالرغم من كل التحديات التي تواجهه محليا واقليميا ودوليا . 

ومع هذه المعطيات وانسداد الافق السياسي وحالة الاحباط التي وصلت اليها القيادة الفلسطينية وعلى راسها الرئيس عباس ، بات من الضروري ان يتحمل الرئيس مسؤولياته كآخرقادة الرعيل الاول المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة ومكاشفة ابناء شعبه بمنتهى الشفافية ووضعهم بصورة الاوضاع وما آلت اليه والانتقال الى مرحلة القرارات المصيرية من دون مراوغات والتي لربما تكون سلاح ذو حدين ووسيلة لاعادة مسار عملية السلام الى سكتها الصحيحة ، او ربما تنقل الشعب الفلسطيني الى مرحلة جديدة تمكنه من التعبير بوسائله الخاصة لانتزاع حقوقه المشروعة . 

لو كنت مكان الرئيس عباس ومع قرب انتهاء المهلة التي منحها للاحتلال والمجتمع الدولي في الامم المتحدة العام الماضي ، والتي من المقرر ان تنتهي في الرابع والعشرين من ايلول القادم ، والظاهر انها لم تجد اذانا صاغية حتى اللحظة من اي كان ، الامر الذي ربما كان السبب اشتعال الغضب لدى الرئيس وولد شعور لديه بان هناك من العجم والعرب من يتعمد في اذلال الشعب الفلسطيني وسلطته التي كان يأمل ان تكون نواة لدولته المستقلة ، اعلن وبكل وضوح عن النتحي عن السطة واعتزال العمل السياسي بكل شرف واخلاء الساحة للاجيال القادمة ، ولكن قبل ذلك يترتب عليه ان يقوم بخطوات من ِشأنها تضييق الفجوة القائمة بين القاعدة  والهرم ، ومن شأنها ايضا ان تعيد ترميم الثقة المفقودة بين جميع الاطراف الفلسطينية بكل الوانها واطيافها السياسية ولو بحدها الادنى، ولربما اولى هذه الخطوات اعادة الهيبة لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وجمع شمل فصائلها ورفدها باجيال شابة تتمتع بحس وطني وذات اجنده فلسطينية وطنية بحتة وعلى اساس حوار وطني شامل يصل الى برنامج وطني متوافق عليه لاعادة القضية الفلسطينية الى سلم الاولويات على الصعد المحلية والعربية والدولية ، وهو ما يدعو الى اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وما يتبع ذلك من خطوات بناء لنظام اقتصادي يعتمد على المقدرات المحلية بما يتوفر، لانه يجب الاخذ بالحسبان ان هناك حصارا اكثر حدة ستواجهها القيادة والشعب الفلسطيني كاجراء عقابي ان اقدمت على السير باتجاه القرارات المصيرية ، والشروع بعملية اصلاح جذري لكل المنظومة بمؤسساتها ومرجعياتها تمهيدا لاجراء انتخابات للمجلس الوطني واللجنة التنفيذية ، شريطة ان تنطلق هذه العملية من خارج فلسطين واستغلال دعوة الرئيس الجزائري للحوار الوطني ، حتى لا تتحكم سلطات الاحتلال بحيثياتها بالتالي تفعيل منظمة التحرير، وهي بدورها تختارقيادة جماعية للسلطة الفلسطينية والتي يجب ان يقتصر دورها على تقديم الخدمات فقط لابناء الشعب الفلسطيني داخل الارض المحتلة من دون اجراء اي شكل من اشكال الانتخابات للسلطة لانه من المفروض ان تكون قد انتهت صلاحياتها مع انتهاء السنوات الخمس التي اعقبت ابرام اتفاق اوسلو ، والتمهيد للانتقال الى مرحلة الدولة ، بعيدا عن سياسة التفرد بالقرارت او التنمر بالاجهزة الامنية وهو ما يعني وقف جميع اشكال الاتصالات مع الجانب الاسرائيلي باستثناء الجانب الخدماتي، ومنها التنسيق الامني بكل اشكاله والتركيز على تعزيز الثبات والصمود ومواجهة التحديات . والاهم قبل المهم من ذلك كله ضرورة توفر الارادة السياسية المطلقة للقيادة والتي تعد العامل الاساس لاي عمل فلسطيني مستقبلي .