• 27 آب 2022
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : تحسين  يقين

 

 

يترك أرضه الزراعية في بلده ليعمل مزارعا في مستوطنة زراعية!

مفارقة لو نتأملها، لا لنخجل، ولكن لنفعل!

يأبى "آب اللهاب" إلا أن يفعل كفعل الملاكمة أو المصارعة، ليضرب ضربته القاضية؛ فيرفع حرارة الأرض هنا؛ لكن مهلا هل هذا أمر فيه مفاجأة؟ 

لو تقصينا الأمثال الشعبية، سنجد الكثير، ذلك أن أهل كنعان، (يعني إحنا) هم أهل زراعة، والزراعة هي بيت قصيد الاقتصاد، فهي الصناعة وهي التجارة، وهي الأمن الغذائي، وهي الطبيعة والجمال والأدب والفن والحياة.

جادت الأرض بثمارها هذا العام، لكن الزمان لم يكن لا جوادا ولا ذا جودة، لذلك يعاني القرويون في بيع منتوجاتهم البلدية، ولا ندري هل هناك من يضع في مكتبه مثلا: منتوجات فلسطين الزراعية، الزمان والمكان والكميات، ليبحث عن تسويق خارج فلسطين؟

عن الزراعة والصناعة، وعن الاستقلال إن ما زلنا ننشده فعلا، في طريق البقاء المقاوم لاستلاب الخصوصية والهوية. في زمن نقدم خيرة أبنائنا المتعلمين خريجي الجامعات، والخبراء المتقاعدين، ليصيروا عمالا في  والورش والمصانع الاستيطانية! 

 كل وشجره وثماره، ولنا العنب، وللآخرين ثمارهم وثمارهن.

ترى هل وصلنا إلى هذه السخرية صدفة؟

هل هناك من مسؤول أو مخطط؟

هل كان والدي وآخرون بعد هزيمة حرب 1967 مستعدين للعمل في المزارع الاستيطانية وترك كرومهم؟ طيب لماذا الأبناء والأحفاد يفعلون ذلك؟

هزمت الجيوش، لكن لم يهزم الغزاة المزارع الفلسطيني، فبقيت الأرض خضراء، ومنها وعليها عشنا!

يا عالم ما الذي يحدث هنا؟

عمال، workers، عوفيديم، هل هكذا سيتحول شعب عريق يطالب بحريته إلى شعب يبحث عن مكان عمل أي عمل؟

"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، منذ عام 1967 والاحتلال يسعى الى دمج شعبنا عمالا، وتلك قصة طويلة لها فترات، ومراحل، ربما أبرزها الانتفاضتان، حين عدنا الى الأرض، ولو بشكل متوسط.

لكن اليوم، تجري عملية تحويل ليس الفلاحون والمزارعون بشكل عام فقط، بل معظم الفئات، الى عمال، يتم تشغيلهم لبناء مجتمع آخر، على حساب المجتمع الأصلاني.

هنا سنهزم فقط، عندما نصير عمالا لدى الاحتلال، متنازلين عن الندية التي تحمل معنى الكرامة كأنبل ما يكون المعنى.

أن تكون ندا، في أي فضاء أمر غاية في الحيوية، فكيف في حالتنا، ربما يكون الدخل أقل بكثير لفرد أو شعب، لكن ذلك لا يحرمه أن يكون ندا.

هنا تصبح التربية على الندية قمة الأخلاق الوطنية، وكل وله تجاربه مع الآخرين، ولعل أساليب الاحتلال المتنوعة دوما كانت تقوم على الإغراء الاقتصادي، أكان ذلك لأفراد أم لشعب عريق!

طيب وبعدين؟

تأخرنا ووقعنا جزئيا في شرك خطط الاحتلال، لكن بظل الوعي سلاح المضطهدين.

فرديا وجمعيا وطنيا، الطريق واضحة فعلا، ربما يكون ذلك بالتدريج، لكن السؤال هل هناك إرادة؟

في الولايات المتحدة، فإن الأغلبية ليست بيضاء، لكن ما الذي فعله البيض هناك؟ تحويل البشر الى عمال في الماكينة الاقتصادية الرأسمالية.

في أوروبا، ما الذي يحدث للاجئين؟ الجواب تحويلهم مهما كانت خبراتهم الى عمال.

هنا ثمة مسؤولية فردية وجماعية،  من المهم مساءلة أنفسنا وكل من هو مسؤول من محيط صغير الى المحيط العام.

فعل فعلا يشكل هذا القلق همّا لأصحاب القرار؟ والتخطيط؟ وأولي الحكم والإدارة؟

والى أي مدى؟

نستطيع قياس ذلك من خلال تصريحات المسؤولين/ات؛ حتى نكون موضوعيين.

لنتأمل ونفكر، وعند امتلاك الإرادة، سنجد جميعا أفرادا وجماعات شعبا طرق النجاة؛ فلا يمكن تقبل أن يصير شعبا خادما لشعب آخر، في ظل ما يتم تداوله عن تقليص التوظيف، وفي ظل محدودية فتح مجالات الإنتاج.

آب يا آب، سيسلمنا آب الى أيلول، فتشرين، آخر موسم العنب وأول موسم الزيتون، هل ثمة رمز ما هنا؟

دوما أرضنا معطاءة وتسترنا، وهي من أول الربيع الى أول الشتاء، وربما طول العام، وهي تهبنا، ثمارا تسلمنا الى ثمار، فإن لم يكن، فقد تعلمنا البحث عنه بين الأعشاب.

لم تكن فلسطين يوما بخيلة ولا جدباء، بل دوما كانت أما وأبا.

ليس هذا كلاما إنشاء أدبي، بل هو أمر يتجاوز العملي الى ما هو استراتيجي.

إن آمنا بذلك، فإننا سنفكر، وهذا والإرادة والانتماء، والمحاسبة والمساءلة، ستعني للوظيفة العمومية شيئا مهما، وهو أن وجودها يتعمق فعلا في إدارة البلد، وكل في مجاله.

وهنا، ليس من المناسب اللوم والعتاب كثيرا، ولا الاتهام والتشكيك، بل هو الفعل الواعي، الملتزم، الذي يدفع كل إنسان الى التفكير بالخلاصين الجمعي والفردي، وأن يقدم كل ما هو ممكن ليأخذ بضمير مطمئن.

"الضرائب"، لم يتجنبها الكثيرون؟

كيف يقبل المواطن تلقي خدمات، إن قام بحساب ثمنها سيجدها عالية، دون أن يدفع ما عليه من نسبة لا تثقل كاهله، بل تعود عليه بالنفع؟

في العمق، ستصبح عمليات إدارة المال والصحة والتعليم والأمن والاقتصاد، عملا وطنيا بامتياز.

ماذا بقي؟

بقي أن نتعاون، بتركيز القيم داخل مجتمعنا، لأن ذلك ضمانة اقتصادية واجتماعية بل ووطنية.

هل نحن محتاجون لتفسير وتوضيح أكثر!

لننظر حولنا في:

  • الأسرة الفلسطينية آخر عقدين.
  • والمدرسة، ومعها الجامعة ومجتمع المعرفة.

ونحن ننظر، لنعمل حسبة بسيطة عما يتم إنفاقه وأين وجدوى ذلك على الأسرة والمدرسة.

لم يعد لدي الكثير لأقوله بل لنفعله معا بكل ما أوتينا من تفاؤل وأمل.

نستطيع أن نعيش بكرامة فعلا..

أما العنوان، فهو الأرض ثم الأرض ثم الأرض..

الآن فرصة كل وطني غيور، ألا يقبل بتحول شعب ينشد التحرر إلى شعب تائه مشتت بلا مبرر كاف أبدا.