• 31 آب 2022
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

بعد ما يقرب من ثلاثين عاما على توقيع اتفاق أوسلو 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و (إسرائيل), أصبح من المتفق عليه أنه كان اتفاقا سيئا, وإذا كان هذا منذ البداية رأي معارضي الاتفاق إلا أنه تحول لاحقا الى راي مؤيديه لا بل ومهندسيه, وإن احتج هؤلاء ان الاستعجال كان له ضروراته في حينه بسبب لأسباب سياسية غير مقنعة, هذا فيما تنصلت (إسرائيل) من تنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاق و ان كانت تلزم السلطة بتنفيذ حصتها لا بل وبما هو أكثر من ذلك, وإذا كان اتفاق أوسلو باتفاق معظم الشعب الفلسطيني سيء فان ما تلاه من اتفاقات وملاحق كان أسوأ من ذلك الداعي لهذا المقال, اتفاق باريس الاقتصادي عام 1994, وجدير أن الذي فاوض و عقد ذلك الاتفاق هو من قاد لاحقا الاقتصاد الفلسطيني و تسلم مسؤولية التنمية وإعادة البناء و من ثمارهم تعرفونهم.

لم يحقق اتفاق أوسلو لا الدولة الفلسطينية و آمالها, و لا الرخاء او التنمية و امنياتها, وإنما جعلت تلك الاتفاقيات الفلسطيني في الضفة الغربية أسيرا لمشغلي رئيسيين, الوظيفة العمومية و راتبها المتواضع من السلطة, و العمل في الداخل الفلسطيني لدي مشغل (إسرائيلي) و الأجر المرتفع و المرتبط (بإسرائيل) و اقتصادها, في أعمال يأنف منها اليهودي الأشقر والأسمر على حد سواء, كما العمل في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والتي أصبح بعضها يحوي مشاريع صناعية و زراعية ضخمة مثل مستوطنات بركان و ارئيل ومعاليه ادوميم, يتقاضى العامل هناك اجور اعلى بكثير من الأجر الذي يتقاضاه من عمله في الضفة الغربية إن وجد عملا, و بالطبع تفوق ما يتقاضاه الموظف العمومي من راتب.

حسب المادة 34 من اتفاق باريس الاقتصادي سيء الذكر والفعل، فان على (إسرائيل) ان تقتطع ضريبة دخل من أجور عمال مناطق السلطة الفلسطينية العاملين لديها وتحويلها لخزينة السلطة بعد ان تأخذ منها 25% عمولة لقاء هذه الخدمة ثم إجراء مقاصة تخصم بها ما لها من أموال وديون على السلطة لقاء ما تقدمه من خدمات وهو الأمر الذي تم بشكل جزئي.

كان لزيارة الرئيس الامريكي بايدن ولقاءه بالرئيس الفلسطيني في بيت لحم مفاعيل لم تنشر في حينها , وأخذت تظهر لاحقا و بالتقسيط بتسريبات في الصحافة العبرية، منها ما يتعلق بمطار رامون في أقصى الجنوب و الذي فتح مخرجا موازيا للمعابر التي عملت بين الضفة الغربية والأردن منذ عام 1967, ثم تلاها قرار تحويل أجور العمال الذين يقارب عددهم المائتي و عشرين ألف عامل عبر البنوك الفلسطينية, و سيتم بالقريب الحديث عن إعادة تنشيط مشروع المنطقة الصناعية في شمال الضفة التي تعثرت بسبب الانتفاضة الثانية وذلك باستثمارات تركية فلسطينية و (إسرائيلية).

فور الإعلان عن قرار تحويل الأجور عبر البنوك, ثارت ثائرة العمال و هددوا بالإضراب عن العمل وعدم التوجه للداخل الفلسطيني, مفضلين ان يتقاضوا أجورهم مباشرة و نقدا في نهاية كل أسبوع, اذ يخشى هؤلاء من ان تقوم السلطة الفلسطينية بالتطاول على أجورهم حتى بعد ان تكون قد خصمت منها ضريبة الدخل, انهم يرون ان نصف جهدهم وعرقهم يذهب أصلا لسماسرة التصاريح من الداخل و من الضفة الغربية يدفع العامل 800 دولار شهريا لسماسرة التصاريح حسب ما قال وزير العمل في الحكومة الفلسطيني فيما يصل معدل دخله الشهري الى حدود                2000 دولار, و في هذا ما يشير الى انخفاض ثقه العمال وهم الشريحة الأكبر في المجتمع بالسلطة رغم تأكيدات وزير العمل ورئيس الحكومة ورئيس سلطة النقد, حتى الرئيس شخصيا كما ورد على لسان نقيب العمال, أن أجورهم ستكون بأمان و لن يمسسها احد.

لكن ذلك كله لا يبدو كافيا لتبديد مخاوف العمال، بحسب ما أوردت الجزيرة الاقتصادية ان العمال يرونها مصيدة لمصادرة جزء من أموالهم والتطاول على عرق جبينهم، ويخشون في حال عاد الحديث عن صندوق الضمان الاجتماعي ان الصندوق يقتطع من حساباتهم البنكية، وان هذه الأموال ستختفي كما اختفت قبلا منها أموال صناديق عديدة، كصندوق التقاعد وصندوق مصابي حوادث الطرق وغيرها, أما أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة النجاح في نابلس فيؤكد على أزمة الثقة المذكورة آنفا, و يضيف اليها انعدام الشفافية و وجدة الرواية الرسمية فالحكومة الفلسطينية تدعو حينا ان تحويل الرواتب عبر البنوك هو مطلب فلسطيني ثم تعود للقول انه اجراء (إسرائيلي) لا علاقة لها فيه.

بعيدا عن الحمية والعنترية واناشيدهم، هل يمكن للعمل الفلسطيني ان يسير بخطين متوازيين، قد لا يلتقيان هندسيا وان التقيا في تحقيق شيء من المصلحة الفلسطينية في زمن صعب، خط المقاومة بأشكالها جميعا، وخط خدمة المواطن ليبقى على أرضه وفي وطنه، حاملا ثقافة رفض الوجود المعادي.