• 2 أيلول 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : عزام توفيق أبو السعود

 

صديق قديم قال لي أن من يقودنا هنا أو هناك، إما حرامي وإما غبي، وأنا قد أوافقه الرأي الى حد ما، لكنيي أضيف بأن لدينا من يجمعون بين الصفتين معا، وبنسب مختلفة، قد تزيد نسبة الغباء على نسبة الرغبة في السرقة، أو السعي اليها، وبعضهم العكس تماما، لديهم رغبة أقل نسبيا في السرقة .

ولهذا فقد قررت أن لا أكتب عن الفساد، من قبيل التسليم بالأمر الواقع، كما سلّمَت بهذا الواقع الدول المانحة .. التي تعرف بالفساد عندنا، وتغض النظر عنه، لأنها ترى صعوبة مكافحة الفساد، لكن يرضيها أن الفساد سيقود حتما الى الغباء في اتخاذ القرارات مما يحقق لهذه الدول أهدافها السياسية بالتأكيد، ونحن نعرف أن المانحين الرئيسيين هم الأوروبيون والأمريكان، والدول العربية التي تأتمر بأمرهما! 

في البدايات كان تفكيرنا وطنيا مطلقا .. وتفكيرنا بالسياسة .. بالسلام .. بقبول الأمر الواقع في وبأن يكون لدينا 22% فقط من أرضنا .. فكرنا بأن اتفاقية أوسلو ستعيد الى الوطن عشرين ألفا من المناضلين الذين تبعثروا في تونس وأماكن أخرى .. كنا نحلم بدولة فلسطينية، وأن أوسلو هي مرحلة مؤقتة لخمس سنوات .. ثم بعدها سنحصل على الدولة.. فكرنا بإقامة مشاريع سيادية .. بأن يكون لنا مطار، وأن نستطيع توليد الكهرباء.. انفتحنا اقتصاديا بعض الشيء ... جائتنا مساعدات مالية كبيرة تحت اسم السلام المنشود .. قبلنا انتقاليا أن لا يكون لنا حدود، وأن تكون المعابر تحت سيطرتهم.. فهي مرحلة انتقالية، بدأنا نفاوض على حصتنا من مياهنا، ووجدنا أن مصادرنا المائية كلها تحت سيطرتهم، ركبو لنا عدادات على آبارنا الارتوازية وألزمونا بعدد محدود من الامتار التي يمكن أن نستخرجها من آبارنا، قبلنا بأن يبيعونا مياهنا .. وكنا ندفع لأن ورائنا مانحين سيدفعوا عنا، أو يزودونا بالمال لندفع لهم .. ووجدنا أنفسنا نعيش في دوامة أن المرحلة الإنتقالية أصبحت مرحلة دائما .. وأنه تم اصطيادنا بالتسويف والمماطلة في إعطائنا السيطرة على ال 22 % من أرضنا، وبتنا نستأذنهم في كل ما نفعل أو نقوم به .. وأن ال 22 % التي حلمنا بأن نسيطر عليها ونطالب بالمزيد .. باتت 4% فقط وبقيت 18% منها تحت سيطرتهم الكاملة بما فيها الطرق بين مدننا وقرانا .. 

وعندما رفضنا شروطهم الاستسلامية، وليست السلامية، ضربونا .. دمروا مطارنا، ودمروا محطة كهربائنا التعيسة التي أقمناها .. دمروا مقراتنا الأمنية، ضربوا إقتصادنا وأعادونا الى أن نكون تابعين، بل خدما لإقتصادهم .. أغلقوا معظم أسواق العمل لديهم أمامنا .. وزادوا في اعتقالاتهم واغتيالاتهم  لكل من شعروا أنه يقاومهم سياسيا أو نضاليا بأي شكل من أشكال النضال العنيف أو الضعيف بمن فيهم ياسر عرفات الذي كان يحلم هو الآخر. وبات ما بنيناه بصفة الأهمية السيادية صفرا، وعادوا لإطباق سيادتهم المطلقة علينا في كل مناحي الحياة .. وبات أكبر زعيم لنا يحتاج لإذن أو تصريح منهم للسفر أو للكلام أو حتى للحلم .. 

خلال تلك الفترة أعادوا بالتدريج تغيير مفاهيمنا القومية والوطنية .. ومنهجية تفكيرنا نحو المادة .. نحو المكسب والخسارة .. بدأنا نتناسى المفهوم الوطني والقومي والأخلاقي  وحتى الديني أيضا شوهوا مفاهيمنا بخصوصة، وشجعونا للعودة للعصور الوسطى في التفكير التعصبي للجغرافيا والفصيل السياسي كي نضعهم فوق التفكير في الوطن والأخلاق.. وأصبحت السرقة والرشوة لا يصنف مرتكبها بالفاسد، بل بالفهلوي والشاطر .. وبدأنا نرى من يزداد غنى لأنه سرق ، ومن يزداد فقرا لأنه تمسك بوظيفة تقدم له الفتات ، وتمسك بخلق بات لا يطعم أولاده .. بتنا نحسد من سرق، ونتمنى أن نصبح منهم .. أضعنا الكثير من القيم المجتمعية والدينية وبات منهجنا التفكيري مشوها .. وشعر كبارنا أنهم كانوا يعيشون أفضل في ظل الإحتلال من عيشتهم في ظل سلطة فلسطينية ، انقسمت الى قسمين، وبات الوطن وطنين . وطن مشوه في الضفة ووطن مشوه أيضا في  قطتع غزة ، وبات أملنا وحلمنا أن ننهي الإنقسام .. وضعف أملنا الأكبر في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة ، وباتت القدس شعارا لا مضمونا .. .. ساستنا يعالجون أمور الوطنين هنا وهناك يوما بيوم، يتلونون ويتنازلون للضغوط العربية والأجنبية، وبتنا نحسب حساب أن تزعل منا أمريكا، وأن نحسن علاقتنا بأوروبا أو تركيا أو الخليج أو مصر أو ايران أو بلاد جمهورية  سنسكريتيا !

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله .. 

ملاحظة : هذه المقالة هي مقدمة سلسلة من المقالات عنوانها .. بعيدا عن الفساد!