• 15 أيلول 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد 

 

في مطلع تسعينات القرن الماضي أدى اجتياح الجيش العراقي  عام 1990 دولة الكويت و ضمها اليه باعتبارها جزءا من لواء البصرة, الى سقوط النظام العربي فقد احتلت دولة عربية دولة عربية أخرى, و شنت لاحقا دول عربية بالتحالف مع الغرب عموما و الولايات المتحدة خصوصا حربا ضد العراق بهدف ظاهري هو إخراجها من الكويت و هدف مبطن و هو إخراجها من معادلة الصراع مع (إسرائيل), أعقب ذلك وكمكافاة للعرب المشاركين في الحرب على العراق ان عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 و استطاعت إدارة بوش الأب- وجيمس بيكر القوية إجبار حكومة (إسرائيل) بقيادة اسحق شامير على قبول وفد فلسطيني توافق عليه منظمة التحرير و يأتمر  بأمرها, ذلك الوفد الذي ترأسه الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي و هو شخصية محترمة ومرموقة في غزة ومعه لفيف من الأكاديميين المعروفين بقدر متفاوت في أوساط الأراضي المحتلة, في نهاية العام سقط النظام الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي, و تفتت حلف وارسو, مما قاد لانهيار النظام العالمي ثنائي القطبية والذي ساد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, و هكذا أخذ العالم بالتغير من حولنا. قدم الوفد الفلسطيني في مدريد أداء جيدا واستمر كذلك بعد انتقال المفاوضات الى واشنطن,

 وظهرت على وسائل الإعلام العالمية في بداية عصر الفضائيات صورة الوفد بشكل لافت  وسرعان ما تحولت من شخصيات معروفه للداخل الفلسطيني و على نطاق محدود الى شخصيات عابرة للتجمعات الفلسطينية عبر العالم لا بل الى شخصيات عالمية ذات أداء سياسي و اعلامي متميز, قضمت من الظهور الإعلامي لقيادة منظمة التحرير التي كانت تقيم في تونس, كان قد سبق لتلك القيادة ان  شددت على الوفد المفاوض بان يحصر مواضيع التفاوض بخمسة مواضيع هي القدس و اللاجئين و المستوطنات و الحدود و المياه و عدم نقاش أي ملف اخر و هو ما التزم به الوفد, في حين فتحت قناة سرية برعاية غربية عامة و نرويجية خاصة للتفاوض المباشر في أوسلو بين وفد من منظمة التحرير و وفد من الحكومة الإسرائيلية دون علم الدكتور عبد الشافي و فريقه, وافق وفد أوسلو على تأجيل بحث المسائل الخمس الى فترة لاحقة لم تأت بعد تسعه و عشرين عاما, و بناء عليه فقد تم توقيع اتفاق أوسلو في 13 أيلول 1993 في حديقة البيت الأبيض, بموجب ذلك الاتفاق تعترف منظمة التحرير بإسرائيل و حقها بالوجود ( و ضمنا بروايتها التاريخية), مقابل عدم اعتراف (إسرائيل) بالحق الفلسطيني أصلا و انما الاكتفاء بالاعتراف بان منظمة التحرير و قيادتها هما الممثلان الشرعيان للفلسطينيين , و على انشاء سلطة فلسطينية على قطاع غزة و جزء من الضفة الغربية وظيفتها إدارة السكان و التنسيق الأمني مع الاحتلال و لا تملك سلطة حقيقية و انما بعضا من مظاهر و قشور السلطة كطوابع البريد و العلم و وثيقه سفر و ان حملت اسم جواز سفر 

ونشيد وما إلى ذلك من مظاهر فارغة, هكذا تنص الاتفاقية بصراحة . ما أثبتته الأيام كذلك ما ينشر على لسان المفاوضين و شهود تلك المرحلة من فلسطينيين وغير فلسطينيين, أن قيادتنا لم تؤخذ على حين غرة و إنما كانت مدركة تماما لمضمون الاتفاق و وظيفته, وقد أوضح المستشارون القانونيون من عرب و أجانب و بجلاء تام ان الاتفاق لن يؤدي الى دولة  وانما الى حكم ذاتي محدود, و لكن الرئيس الفلسطيني السابق المسكون بهاجس الدولة و الذي كان يعتقد أن سياسات الشطارة و الفهلوية التي كانت صالحة قبل أوسلو لن تعود كذلك, و هو قد دخل الشرك الإسرائيلي المختلف عن الإشراك الفضفاضة التي خبرها في السابق, و انتهى به الأمر لمغادرة المشهد غيلة و قتلا.

منذ بضعة أيام مرت الذكرى التاسعة و العشرون لتوقيع ذلك الاتفاق الكارثي, و نرى بالعين  والسمع ان القدس تهود و يتم السيطرة على عقاراتها, وأن المسجد الأقصى قد أصبح مكانا يوميا يقيم به المستوطنون اليهود صلواتهم التلمودية و هذا الأمر الذي قد ينحو باتجاهات خطيرة مع عيد الغفران ورأس السنة اليهودية و عيد نزول التوراة في الأسابيع القادمة, و نرى الاستيطان قد ابتلع اقصى ما يستطيع من الضفة الغربية بعد توقيع الاتفاق المشؤوم, فلم يكن عدد المستوطنين في الضفة الغربية يزيد عن 70 ألف مستوطن قبل عام 1993 و قد وصل اليوم إلى قرابة 800 ألف, يعيش هؤلاء بسلاحهم و في بحبوحة من الأرض و الماء الذي يحرم منه الفلسطيني, أما الحدود فلا اخبار عنها و قد طوى أمر الاهتمام بها الزمن, فيما لا زال اللاجئ الفلسطيني في مخيم لجوئه إلا من غادرها باتجاه كندا و استراليا و الدول الإسكندنافية.

اتفاق أوسلو كانت له وظيفة مقايضة البقاء السياسي لقيادة منظمة التحرير بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وقد أدى وظيفته.