• 20 أيلول 2022
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : أحمد صيام 

 

في مثل هذا الوقت قبل عام ، وفي خطابه أمام الأمم المتحدة ، دعا الرئيس محمود عباس " ابو مازن " الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي والانسحاب من أراضي دولة فلسطين المحتلة بما فيها مدينة القدس في غضون عام معربا عن استعداده لترسيم الحدود وإنهاء جميع قضايا الوضع النهائي ، مهددا في حال عدم تحقيق ذلك بسحب الاعتراف بما يسمى " دولة اسرائيل "، معلنا انه سيتوجه الى محكمة العدل الدولية باعتبارها الهيئة الأعلى في القضاء الدولي لاتخاذ قرار حول شرعية وجود الاحتلال على ارض دولة فلسطين والمسؤوليات المترتبة على الأمم المتحدة ودول العالم ، مشددا على أهمية التقيد بنتائج ما سيصدر عن المحكمة بهذا الصدد ، مضيفا ان قبول المجتمع الدولي ومساعدته لتطبيق هذه المبادرة المستندة الى الشرعية الدولية قد ينقذ المنطقة من الذهاب الى المصير المجهول . 

في ضوء ذلك كله ووسط حالة التصعيد التي تقوم بها سلطات الاحتلال الاسرائيلي في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة ، ووفي ظل انعدام الافق السياسي وجنوح الاحتلال الى التصعيد العسكري والابتعاد عن مسار السلام ، اتضحت معالم وحروق فالكلمة التي سيلقيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة القادم امام الامم المتحدة في الدورة ال 77 للامم المتحدة ، حيث من المتوقع أن تخلو من حرف "السين" ( سننتظر ، سنرى ، سنحاول ، سنعمل ... ) وغيرها من الأفعال التي باتت في إطار الفعل الماضي ، لذا سينتقل الى الفعل المضارع وعلى الاغلب مسبوقا بفعل أمر من اعلى هيئة اممية لاقرار الحقوق الوطنية الفلسطينية الغير قابلة للتصرف ومنها ما فيه قرارات دولية لكنها ما زالت داخل "الجارور" .. لماذا ؟ الرئيس عباس وكما يبدو وصل الى قناعة باتت شبه مؤكدة ان سلطات الاحتلال غير معنية بمفاوضات ستقود من دون شك الى تحقيق ولو جزئي - وبالطبع منقوصة -  لحقوق فلسطينية حتى ولو كانت لا تلبي الحد الادنى من الطموح الفلسطيني ، ومع ذلك سلطات الاحتلال ترفضه بشكل مطلق ، بل وتسعى بكل ما اوتيت من قوة واستغلال لما يجري في العالم واستثماره للتنصل من كل ما جرى الاتفاق عليه بين جميع الاطراف ، لانها لا ترى الجانب الفلسطيني شريك يتمتع بنقاط قوة يتمترس حولها وتمكنه من فرض شروطه ، إنما تنظر اليه كأحد مستخدميها الذين تستخدمهم لتحقيق أهدافها الخارجة عن الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية . وتتمترس ببنود اتفاقيات ما يصب لصالحها فيما تلتف على ما هو مطلوب منها ،  ويتضح ذلك من ممارسات اشتدت وتيرتها في الآونة الأخيرة في الضفة الغربية حيث الاقتحامات والاغتيالات التي تقدم قرابين للانتخابات الاسرائيلية ، وارباك وضع السلطة الفلسطينية في المناطق الخاضعة لسيطرتها شكلا ، بينما ضمنا تسعى سلطات الاحتلال الى احداث حالة من الفوضى المبرمجة وتحت السيطرة لكنها تفقد ما تبقى من وجود للسلطة الفلسطينية وتنزع منها الهيبة ، ومشاريع الاستيطان المتزايدة التي تبتلع الارض الفلسطينية والتي تفقد اي أمل لاقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا وتحد من النمو الطبيعي الفلسطيني . 

وربما خروج الرئيس عباس عن النص المدون أمامه في اللقاء الأخير الذي جمعه بالمستشار الألماني ، حيث عرج في الرد على سؤال لأحد الصحفيين حول الهولوكوست اليهودية ورده العفوي بأن إسرائيل تركب خمسين هولوكوست بحق أبناء الشعب الفلسطيني ، تعبير صريح ودليل قاطع لما وصل اليه الرئيس من حالة فقدان الثقة بالجانب الاسرائيلي والى حد كبير من داعمه بلا حدود الجانب الأمريكي والمجتمع الدولي عامة الذي يكيل بمكيالين في سياسته الخارجية خاصة إذا ما تعلق الأمر بما يسمى "تهديد أمن اسرائيل" والحقوق الفلسطينية و التجاهل المطلق لما تقوم به اسرائيل من ممارسات تهدد الوجود الفلسطيني العربي الإسلامي المسيحي في القدس وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة .  

وكما يبدو ان الرئيس عباس يرغب باستثمار التوقيت الذهبي المتوفر حاليا حيث خطاب أممي ، تليه بأقل من شهرين قمة عربية في الجزائر ، ربما يتخللها تقريب وجهات النظر الفلسطينية الفلسطينية ، ليعلن عن خطوات ربما تكاد تكون مصيرية وتدفع باتجاه الإقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية والحد من التراخي مع الممارسات الاسرائيلية وحشر اسرائيل بزاوية تحاول الابتعاد عنها ، وعمدت مؤخرا الى سن قوانين لوأد اي فكرة قد يجري تداولها في الأروقة الدولية حول إلغاء ما مضى من اتفاقيات والمضي باتجاه حلول " خلاقة " . 

ومع انسداد الأفق السياسي وفشل المفاوضات حتى اللحظة  وتعثر حل الدولتين الذي أصبح أمرا شبه مستحيل بفعل واقع الحال الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية من استيطان وتهويد والذي قد يصبح سلاح فلسطيني يقتل فيه قانون يهودية الدولة ، قد يقدم الرئيس عباس على تنفيذ تهديداته واللجوء الى محكمة العدل الدولية لتطبيق قرار تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية والذي يشترط قبول عضوية إسرائيل بقيام الدولة العربية ويحمل الرقم 181 يجبر اسرائيل على ترسيم حدودها ويعطيها من فلسطين التاريخية نحو 46 بالمئة فيما الباقي دولة عربية بما فيها القدس الشرقية . 

ولكن هل يكفي ذلك ؟ وهل سيتعاطى المجتمع الدولي المنحاز للسياسة الإسرائيلية يكيل بمكيالين فيما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية ؟ ربما على القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس التفكير الجدي هذه المرة بحل " الدولة الواحدة " ، لا الدولة ثنائية القومية ، وهو ما لم اكن من المتحمسين اليه ، مع العلم ان اسرائيل ترفض وبشكل مطلق كل ما ذكر أعلاه لتعارضه والأحلام اليهودية بالتوسع والاستيطان والاحتلال والإحلال ، ناهيك عن الثقافة اليهودية الانعزالية التي ترفض الانخراط بمجتمعات أخرى ، ولكن حل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية (المدنية) والتي يتعايش فيها الشعبان العربي ( مسلمين ومسيحيين ) واليهودي في كنف نظام سياسي واحد ديمقراطي يكفل المساواة للجميع، ويسود القانون على الجميع دون أي اعتبار للدين أو اللون أو العرق إلخ… وهو حل ليس بجديد إنما كانت قد تبنته الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها ، ولكن يعتبر الان الحل الأكثر واقعية وإمكانية للتحقيق مع واقع الحال والمحال . 

وربما حل الدولتين سيدفن اتفاق أوسلو ويحرقه ويحافظ على وحدة فلسطين التاريخية من البحر الى النهر ويضمن عودة اللاجئين المهجرين عن أراضيهم من عام 1948 وبالتالي ينهي الحلم الاسرائيلي بيهودية الدولة ويكشف حقيقة الكيان الاسرائيلي القائم على سياسة الابارتهايد الآخذة بالتوسع وبوحشية في الاونة الأخيرة ، حيث تقام دولة ديمقراطية واحدة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، كدولة لكل مواطنيها، بما فيهم اللاجئين الفلسطينيين ، يتمتع فيها جميع المواطنين بحقوق متساوية ، إضافة إلى الحرية والأمن ، وهذه الدولة تكون ديمقراطية دستورية ، تنبع سلطة الحكم وسَنّ القوانين فيها من إرادة الشعب ، ويتمتع جميع مواطنيها بحقوق متساوية في الانتخاب و الترشح لأي منصب والمساهمة في حكم البلاد.