• 24 أيلول 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد 

 

ترامب في البيت الأبيض، عنوان كتاب سيصدر قريبا في الولايات المتحدة وقد سمحت دار النشر صاحبة حقوق الطبع لصحيفة واشنطن بوست بنشر مقاطع منه، من هذه المقاطع ان ترامب كان قد اتصل هاتفيا بالملك عبدالله الثاني في كانون اول من عام 2018 وعرض عليه صفقة مثيرة بان يفرض ولايته على الضفة الغربية مما أذهل العاهل الأردني وجعله يحبس أنفاسه كما قال لمؤلفي الكتاب اللذين ارادا التدليل على فوضى الرئيس الأمريكي السابق وارتجالية قراراته السياسية التي لا تتصف بالحكمة.

لا أظن أن هذا الاتجاه عند الرئيس الأمريكي كان قرارا ارتجاليا او رأيا متسرعا, و انما كان قرارا سياسيا مدروسا يتماهى مع ما يخطط له لإنهاء المسالة الفلسطينية وفقا لوجهة النظر(الإسرائيلية) اليمينية ووفقا لرؤى الصهيونية المتجددة التي أطلقها في عشرينات القرن الماضي فلاديمير جابوتنسكي الذي ينظر إليه اليمين باعتباره الأب الروحي والملهم لسياستهم المتطرفة التي بقي اليمين في (إسرائيل) وفيا لها من مناحم بيغن الى اسحق شامير وشارون ونتنياهو والحكومة الحالية وتلك التي ستفرزها انتخابات مطلع تشرين ثاني القادم.

ترى هذه النظرية ان وعد بلفور عام 1917 كان مرفقا به خريطة لفلسطين التي نص الوعد الإنجليزي على انها ستكون الدولة اليهودية، هذه الخريطة يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال تتجاوز منابع الليطاني بقليل فيما تمتد حدودها الشرقية الى الانبار العراقية وأطراف مدينة الرمادي، وتكمل الرؤية ان تعديلات قد طرأت عليها في العام التالي اذ اقتطع منها الليطاني واعطي لفرنسا، ثم عدلت مرة أخرى في عام 1920 عندما أصدرت منظمة عصبة الأمم قرارها بانتداب بريطانيا لحكم فلسطين.

أثر خروج الأمير عبد الله بن الحسين- الملك لاحقا من الحجاز بعد هزيمته في معركة المدينة المنورة على يد السعوديين ولجوئه الى معان, تم لقاء في القدس بينه وبين وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل, حيث قرر الوزير الإنجليزي ان يقسم فلسطين الى قسمين: شرق نهر الأردن وغربه, و أن يمنح الحكم في الجزء الشرقي للأمير عبد الله تحت الوصاية البريطانية وعلى ان يبقى تابعا للمندوب المقيم بالقدس السير هربرت صمويل الإنجليزي اليهودي, و هو ما اصبح ضمنا حصة اهل فلسطين من فلسطين الذي اختير له اسم شرق الأردن, فيما يكون غرب النهر هو حصة الدولة اليهودية .  

في هذا الإطار يفكر اليمين الإسرائيلي الحاكم- والذي وصل للحكم اول مرة عام 1977 يبدو- أنه سيحكم لفترات قادمة, اتسمت علاقات اليمن مع الدولة الأردنية بالتوتر والعداء غير المباشر فيما استشعرت عمان القلق بسبب اضطهاد ونمو قوة اليمين و لطالما دعمت حزب العمل المنافس و قدمت له التنازلات كي يحصد مزيدا من الأصوات, و لكن هذا الحزب أصبح منذ عقد من الزمن حزبا منقرضا وغير فاعل في الحياة السياسية فيما استمرت حكومات اليمين في ازعاج عمان في اكثر من ملف و أكثرها وضوحا ملف الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس والتي ينظر إليها العرش باعتبارها عنصرا من عناصر شرعية.

 هكذا يرى اليمين الإسرائيلي ان الأردن هو الوطن البديل لأهل فلسطين, و ان الدولة الفلسطينية لا مكان لها في غرب النهر وإنما في شرقه, و هكذا أدركت الدولة الأردنية ان ذهابها هو الهدف لمشروع اليمين الإسرائيلي, فكانت فرصة  ظنها الأردن فرصة ثمينة للدولة الأردنية للإسراع في توقيع (تلفيق) اتفاقية وادي عربة مع اخر حكومات اسحق رابين مفترضة ان توقيع هذا الاتفاق يضمن وجود الأردن كوطن نهائي, و ما هي إلا فترة قصيرة واذ برابين يقتل على ايدي ذلك اليمين و تصبح معه الاتفاقية سريعا في مهب الريح , فقد تسارع تراجع حزب العمل و اصبح اثرا بعد عين, فيما تعامل اليمين (الإسرائيلي) ومتفرعاته مع اتفاق وادي عربة و كأن الدولة الأردنية قد وقعتها مع حزب سياسي او شخص رابين لا مع حكومة ( دولة إسرائيل) و ان الاتفاقية ملزمة للحزب او لرابين الميت و لا تلزم اية حكومة أخرى او شخص آخر.

هكذا يمكن فهم ما ورد في الكتاب المذكور أعلاه، وبانه عرض سياسي بامتياز وبعيد عن الارتجال وان جاءت لغته ترامبية فجة، فهذا ما يمثل راي الغرب عموما منذ قرن من الزمن ولا زال يمثل العقل العميق لمجموعة العيون الخمس التي أنشأت المشروع الصهيوني أصلا الأنجلو سكسون البروتستانت البيض، إنجلترا والولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزلندا

اذن قالها ترامب صراحة وعلى طريقته، ولكن بايدن وغيره من العيون الخمس خاصة والغرب عامة يقولونها أيضا وان على طريقتهم، انهم مع حل الدولتين، فيما لم يبقي الاستيطان ما يتسع لإقامة دولة ثانية الى جانب (الدولة اليهودية) غرب نهر الأردن، فهل يعني حل الدولتين لديهم ان تكون دولة فلسطين شرق نهر الأردن.