• 29 أيلول 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

قبل عام مضى ألقى الرئيس الفلسطيني خطابا مطولا في افتتاح أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة أطلق به تحذيرا شديد اللهجة لدولة الاحتلال مانحا إياها مهلة عام لتنسحب من كامل الأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس الشرقية, و لا اذكر على وجه الدقة إن كان قد صدر بيان أو تصريح لفظي عن حكومة الاحتلال ردا على هذا التحذير.

لم يلحظ الفلسطيني أن حكومته قد قامت بنشاط من أي نوع استعدادا لفعل ما في حال لم تلبي دولة الاحتلال الطلب الفلسطيني وإنما سارت الأمور كالمعتاد, و لكن الحكومة (الإسرائيلية) جاء ردها بالفعل لا بالقول, فصعدت من رعايتها للهجمة الاستيطانية ومصادرة الأراضي, و مولت بناء وحدات سكنية استيطانية في مستوطنات الضفة الغربية و على شكل تدنيس المسجد الأقصى ويوميا و بأعداد غير مسبوقة من غلاة المتدينين الذين تترافق صلواتهم التلمودية بالاعتداء على المصلين الفلسطينيين, أما الجيش والأمن فقد أصبحت اجتياحاته أمر يحدث في كل ليلة اجتياحا واقتحاما لمدينة أو قرية أو مخيم و باغتيال بواقع فلسطيني واحد على الأقل يوميا.

قبل أيام و مع انتهاء مهلة السنة التي حددها خطاب الرئيس السابق, عاد وألقى خطابا جديدا وعلى ذات المنبر في ذات القاعة التي كادت إن تكون خالية, جاء الخطاب من جزئين الأول تاريخي عاطفي و الثاني سياسي, في الجزء الأول تحدث عن مظلومية الشعب الفلسطيني وما عانى ة يعاني من قتل و احتلال و انتهاك لا لحقوقه الوطنية فحسب وإنما لحقوقه  كإنسان, لكن الجمعية العمومية ليست منبرا إنسانيا أخلاقيا بقدر ما هي منبر سياسي أممي مما جعل القسم الثاني من الخطاب ( السياسي) الأهم, و قد جاء إشكاليا يفتقد إلى الربط مع الجزء الأول كما عن خطاب العام الماضي وصولا إلى (الزيطة و الزنبليطة) التي حار في صيغتها لغات الأمم المتحدة قسم الترجمة الفورية المعروف بقدرته الواسعة.

في السياسة لم يغادر الرئيس موقعه الذي تمترس فيه و هو موقع التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض مؤكدا رفضه لأي خيار آخر و لو لم يعجب ذلك كثيرين حسب قولة، و أن المقاومة بشكلها المسلح هي منطقة حمراء محظور الدخول إليها, انه طريق أوحد.

ذكر الرئيس بصياغة إيجابية حذرة رئيس حكومة الاحتلال يئير لبيد الذي القى خطابا على ذات المنبر ذكر فيه حل الدولتين, و لحل الدولتين قصة طويلة وردت في مقالات سابقه و سترد في لاحق المقالات, و لعل الرئيس ربط هذا التصريح بالانتخابات التشريعية (الإسرائيلية) التي ستجري في مطلع تشرين ثاني القادم, و التي يخشاها محور التطبيع العربي إذ إن هناك فرصا لفوز نتنياهو بها, لكن ظني أن أحدا لم يصدق لا لبيد و لا غيره من الذين يأتون على ذكر حل الدولتين الذي طوته الوقائع على الأرض, فمن يعرف الضفة الغربية يعرف انه لم يتبق في الأرض التي التهمها الاستيطان متسعا لإقامة دولة أو دويلة.

عدد الرئيس بالسم أمثلة على ما يتعرض له الفلسطيني من أذى و أدان صمت العالم و خاصة واشنطن خاصة في حادثة استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة و التي تحمل الجنسية الأمريكية, كما تطرق إلى إغلاق مؤسسات مجتمع مدني وإلى اعتقال الأطفال, و لكنه عندما وصل إلى قضية الأسرى وتحديد ناصر أبو حميد الذي رأى انه قد نال عقوبته على الجريمة التي ارتكبها, هنا يجدر المرور بناصر و القول أن منزل  ذويه تم هدمة خمس مرات وأن له أخ شهيد فيما يقبع هو و جميع أخوته في السجن و كل منهم محكوم بما هو أكثر من مؤبد, هذا المناضل عضو في تنظيم فتح- الحزب الحاكم و ملتزم و برامجه وسياساته, و عندما قام بنشاطه المقاوم كان ينفذ تعليمات تأتيه من قيادته التي آلت بعد رحيل الرئيس السابق للرئيس الحالي, وبناء عليه فإن المسؤولية تقع على قيادة التنظيم أولا, أثارت هذه التصريحات انتقادات و منها ما جاء على لسان السيدة الفاضلة أم ناصر أبو حميد.

قد يرى البعض تبريرا لذلك بالقول إن الرئيس كان يخاطب العالم لا الشعب الفلسطيني ولكن هذا قد يستغل ويضع قرن من نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته في خانة الإرهاب والجريمة لا نضال شعب ضد احتلال من النوع العنصري الاقتلاعي، ومن المعروف أن العالم قد أصبح قرية كونية بالمنظور الإعلامي الإخباري فأي خبر أو تصريح قادر على ان يعبر العالم بكل لغاته فور صدوره فلم يعد هناك فرق بين الخطاب المحلي والدولي.

في معرض حديثة عن الانتهاكات الإسرائيلية و رفض الحكومات المتعاقبة الحديث معه في السياسة و إنما في يوميات الحياة و بما يعني الجانب الإسرائيلي كما يصرح وزير الدفاع بني غانتس, في نهاية الخطاب توقع أن يكون هذا الخطاب هو الأخير له من على هذا المنبر و تساءل أين يصرف هذا الكلام؟ والحقيقة إن الكلام عن التفاوض والحلول السياسة قد أصبح مثله كمثل عمله غير مدعومة بالذهب لا تشتري شيء، وعاد وأنهي خطابة: أريد حلا، ومن الطبيعي أن الحل يبدا في مغادرة مربع التفاوض الذي تحكم بالعمل الفلسطيني الرسمي لأكثر من عقد ونصف من دون أن يقدم إلا مزيدا من التدهور.