• 29 تشرين أول 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

ما بعد نابلس وجنين الآن، لا ينبغي صراحة يا اخوتي وأخواتي أن يكون كما قبل ذلك، صعب أن نتقبل بقاء الحال كما هو، هذا إن أردنا فعلا حماية أطفالنا وشبابنا..تلك مسؤوليتنا، لكن بطريقة عملية واستراتيجية: الحماية والنضال الذكي. كان هناك وما زال مجال لفعل ما مهم وطني عظيم بدلا من الانشغال بإنزال الشباب عن الشجرة، كان يمكن تشكيل حاضنة تستوعب طاقات الشباب لتصب في هدفنا الوطني، بحيث لا يضطرون لتسلقها، بل تسلق أشجار أخرى، بحيث يحتفلون معنا في الإنجازات. كان ومازال من الممكن والضروري اختيار اللغة والسلوك وطنيا ومهنيا وثقافيا.

ما بعد نابلس وجنين وشقيقات أخريات، صعب المرور سريعا، وصعب البقاء كما الآن.

استعادة الشباب والجمهور والشعب هدف سام وضروري، بدون ذلك سيكون:

اقيموا بني أمي صدور مطيكم فإني الى قوم سواكم لأميل

اقتران الفعل العملي بالفعل الاستراتيجي: الارتقاء بحال بقاء الإنسان الفلسطيني، وبشكل خاص الأطفال والشباب، لتصير هاتين الفئتين في أريحية نفسية واجتماعية واقتصادية، للاستمرار بخطوات للأمام، لا ترجع الى الوراء، في طريق التحرر الوطني، الذي يعني خلاصنا، لا خلاص فئة.

دوما هناك متسع للفعل، والطريق يا صاح واضح، لا أعمى هنا، لكن الإبصار القلبي والعقلي هو دينمو الإرادة، في ظل أمر يمكننا فعله يا عالم، وهو أن نكون معا؛ فلم يعد مقبولا ولا بأي حال ألا نكون كذلك.

الخطوة الأولى معروفة، وهي الاستجابة لهم ولهن، وتلبية الحدود المقبولة والجيدة، فعلا لا قولا، يعني أن يشعر الأطفال والشباب أسبوعا بعد أسبوع بأن المجتمع والحكومة معه، تحتضنه. هم بحاجة الى حاضنة الحكومة أولا، وهم بحاجة لحاضنة منظمة التحرير ثانيا، وهم بحاجة لنا نحن المجتمع.

تعليم أفضل، في التعليم المدرسي والجامعي، هذا يتعلق بالعمر من 6 حتى 22 عاما، وهذا فعلا بالإمكان إنجازه لو أردنا، والطريق يا سادتي وأخوتي واخواتي واضح، عقود ونحن ومن هم أكثر خبرة وعمقا يكتبون، لأنهم يفكرون، فهل من مستمع في صناع القرار، بدءا نص درس في كتاب وصورة، وليس انتهاء بتعليم جامعي نوعي.

خارج هذه الفئة، من 22 عاما حتى 30 عاما، أدنى قليلا أو أعلى، كم عددهم، وفي البيئات السكانية هم، وما مؤهلاتهم علميا ومهنيا، وما مدى الحال التشغيلي لهم: في عمل وظيفي أو ورش هنا، أو هناك بروليتاريا داخل الورش الإسرائيلية؟  هل يمكن الاستفادة من الرقم الإحصائي، ومن المجالس المحلية، والمجتمع والتنظيمات، لرصد مثلا من هو بلا عمل بلا دخل؟ وكيف نكون جميعا مجتمع وحكومة وقطاع خاص أصدقاء لهم؟

وهذا ممكن، كل من جانبه، لأن الصداقة والحنان والاحترام والتشجيع يمنح الأمل والبقاء واختيار فعل مقاوم وتحرري يمضي نحو تحقيق الهدف الأسمى.

  • يعني؟
  • ما بعد نابلس وجنين الآن، لا ينبغي صراحة يا اخوتي وأخواتي أن يكون كما قبل ذلك، صعب أن نتقبل بقاء الحال كما هو، لنتفاجأ بشبابنا يلجؤون الى فعل ليس هو الفعل الأفضل لهم ولوطنهم، في سياق مبادرتهم للبحث عن خلاص وطني هو في الأصل خلاص للشباب والوطن.

في عمر الشباب، أحببت جدا الشعر، وتركت ما كنت به، ورحت أتعلم الأدب؛ وبقي في رأسي وقلمي فيما بعد أمران استفدت بهما في مجمل حياتي، وإن لم يتجليا معا في زمن مبكر، وهما قصيدة اللامية للشنفرى، وقصائد لأبي نواس (تم هندستنا طبعا فيما قبل برأي سلبي عنه)، المهم ما علينا، تعلمت من الشنفرى:

اقيموا بني امي صدور مطيكم فإني الى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل

المهم، حتى لا أثقل، درسنا القصيدة في سياق دراسة ظاهرة الصعاليك، وقد قيل الكثير لنا عن أهمية اللغة، لكن أستاذنا عبد الرحيم زلط، تلميذ طه حسين، فهمنا كأننا طلبة مدارس القصيدة بيتا بيتا، ووضح لنا لماذا لم يبدأ الشاعر البداية التقليدية بالوقوف على الأطلال والغزل. حين عدت الى البلاد، رحت أعيد قراءة الشنفرى، وزرت أكاديميين... باقتراح أن يتم إدخال مقتطفات مهمة من التاريخ الأدبي العربي لطلبة الأدب الإنجليزي، كذلك في المقابل أن يتم وضع مساقات بالإنجليزية ومترجمة من الأدب العالمي، إيمانا من ذلك الخريج بألا يكون هناك اغتراب، لكن من ردود الفعل عما كتبته عن الشنفرى، كمثال لإدماجه في الأدب كان بسيطا، بل أحد الردود كان عن اللغة المكتوبة..لا عن المضمون، والذي يتعلق بعيش الشباب وقطاعات المجتمع بعيدا عن الاغتراب. لكن للأسف اكتشفت مبكرا أن هناك عزلا للدراسة، وليس هناك فعلا تلاق فعال، لكن لم أغسل يدي من الأكاديمية، فلا بديل عنها تماما، لكن يمكن إيجاد طريق مواز.

المهم هنا: لماذا لم ينظم الشاعر قصيدته كغيره؟ الجواب تلك كانت ربما أول ثورة شعرية عربية. رحم الله الشنفرى..لم نوفيه حقه تماما حتى اليوم.

أما نواس، فتعلمت منه ما كان بخمرياته يهدم عالما تقليديا، ويبني عالما مدينيا، فكيف ينظم البغدادي شعرا يحاكي شعرا قيل قبل قرون؟ شكلا ومضونا اجتماعيا وثقافيا (وسياسيا وفكريا في العمق)؟

لقد وقف معظم المتلقين للموضوع المباشر، ولم يفهموه حق فهمه، وكان النواسي العظيم الثائر العربي الثاني في الشعر...والأخير!

  • طيب يا أستاذ!
  • ببساطة اختار الشنفرى وأبو نواس ما يعبران به عن العصر والحاجة الإنسانية: الاغتراب في الصعلكة، والحداثة في الأسلوب والعيش والحياة.

لذلك لو يتم توزيع قصيدة الشنفرى وبعض قصائد النواسي على صناع القرار، فإنه لربما سيتعمق لديهم فعلا أمران:

  • العدالة، والاهتمام بالشباب (بس عن جد)، لاستعادتهم الى دائرة المجتمع بما يتفق مع مصالح الجميع وحفظ كرامة الجميع: حكومة وقطاع خاص وأي مشغل فردا كان أو جماعة!
  • اختيار نظام تعليمي ثقافي فني إعلامي اقتصادي (وسياسيا) يستجيب للأطفال والشباب،..يتحقق في هذا الفعل أمران: تعليم يستجيب للعصر، ونحن معا في بلد صغيرة ووزارات صغيرة وجامعات نعرف بعضنا بعضا بعد هالعمر: من المؤهل ليس لترميم النظام التربوي ولا لترميم المدارس وبناء أخرى جديدة فقط، بل لتحرير العقل واللسان.
  • ليس لدي الكثير، الطريق واضحة.
  • سنوات من التغيير بإشراك الشباب، "ووضع الرجل-المرأة، المناسب/ة في المكان المناسب"،...حزين وأنا أكرر هذه العبارة وأنا وأنتم/ن ترون ما ترون. المهم بعد بضع سنوات يتم تسليم الحكم بتصالحية وتدرج يضمن الخبرة، للثلاثينيين والأربعينيين/ات، ليستطيعوا الإنجاز بما يتبقى لهم من سنوات كافية، (يعني الخمسينيين مثلي لا). يتم فعل ذلك ليس منة من أحد، بل لأن المستقبل لهم، وهم وهن فيهم البركة، ولنكون مستشارين مؤتمنين/ات، والحديث هو عن الحكم والمجتمع الأهلي وفصائل العمل الوطني. فلا يجدي التغني بالشباب، بل ليأخذوا دورهم ليستأنفوا العمل الوطني التنموي الحقيقي والوطني التحرري.
  • ماذا تقترح؟
  • توزيع قصيدة الشنفرى على مجلس الوزراء والمكاتب السياسية.؟
  • ربما يكون فهم اختيار الشنفرى للأسلوب مدخلا للبدء بالموضوع على طول، فلسنا في رحلة صحراوية نستحضر فيها الطريق والحنين قبل الدخول بغرض القصيدة-المقال الرئيس، تلك أهم مدارس الإعلام اليوم بل والحياة العملية.؟
  • الطريق لم يكون واضحا كما اليوم، تلك هي تصالحيتنا الضرورية مع النفس ومع بعضنا بعضا أفراد وجماعات...خلص الكلام