• 15 تشرين الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

أثار نتنياهو الإنتباه منذ ظهر في مؤتمر مدريد عام 1991 عندما كان ناطقا باسم الوفد (الإسرائيلي) , و عرف أكثر عندما انطلق في سباقه لرئاسة الحكومة بداية من نشر كتابه ( مكان تحت الشمس ) , يذكرني هذا الكتاب بالكتاب الشهير (كفاحي) الذي كتبه الزعيم الألماني هتلر عندما بدء سعيه لقيادة ألمانيا والذي أعلن فيه نظريته العامة ثم تفاصيل خططه, قرأ العالم كتاب كفاحي باعتباره عملا من أعمال الدعاية و لكن لم يصدق أحدا أن هتلر سينفذ ما ورد فيه من مخططات عندما أمسك بالسلطة المطلقة , نتنياهو أعرب في كتابه عن آراءه و التي ظن كثير من قارئي الكتاب ما ظنه العالم سابقا في كتاب كفاحي ، و أن آراء نتياهو التي أوردها ليست إلا إنشاء كتابي ، ما يلبث أن يتجاوزها عندما يصل للحكم , و لكنه في الحقيقة بقي وفيا لما كتبه, بتطرفه و يمينيته و بدعمه المطلق للإستيطان ، و بإيمانه أن (يهودا و السامرة) أي الضفة الغربية هي إرث إسرائيل و مكان مجدها و التي لا يجوز لأي إسرائيلي أن يتخلى عنها.

الأحد الماضي أفضت المشاورات التي أجراها هيرتسوغ (الرئيس الإسرائيلي) مع الكتل البرلمانية إلى تكليف نتياهو بتشكيل وزارته السادسة ، وكان قد أعلن ، لا بل أكد في حملته الإنتخابية كما عقب فوزه على ثوابته السياسية القديمة-المستجدة من ضرورة تقزيم السلطة بتخفيض مستوى التعامل معها في الأمن و الإدارة المحلية فقط , و بتسريع الإستيطان و تشريع البؤر الإستيطانية و صولا إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية كما ورد في صفقة القرن التي تعتقد السلطة أنها لم تعد قائمة إثر رحيل ترامب, فالضفة كما ورد آنفا هي أرض (إسرائيل) الحقيقية بالفهم الديني و المشروعية التوراتية ، و هي ضرورة إستراتيجية بمفهوم السياسة المعاصرة , نتنياهو سيتحرش بالأردن و خاصة في مسألة الولاية الأردنية على القدس و المسجد الأقصى ، كما في مسائل المياه ، و باعتباره الأردن هو حصة الفلسطينيين النهائية ليقيموا دولتهم شرق النهر , لبنان سيكون أيضا مجال تحرش ، و قد سبق لنتنياهو أن رأى في حملته الانتخابية كما إثر فوزه ، أن إتفاقيتي ترسيم الحدود و الغاز ليستا إلا إذعانا من الحكومة السابقة أمام المقاومة اللبنانية, وأنه لا بد من تصعيد مع إيران التي استطاع أيام زمالته مع ترامب أن يحبط الإتفاق النووي الذي كانت قد أبرمته إدارة أوباما مع طهران ، و سيعمل على تحريض دول البترودولار عليها مما قد يورط واشنطن في مواجهه لا تبدو راغبة فيها.

في جانب أخر فلدى نتياهو رغبة عارمة في تصفية حسابات سياسية استراتيجية ثم شخصية مع جو بايدن الذي كان آخر من اتصل بنتياهو مجاملا و مداهنا إثر فوزه بالانتخابات, لكن كان قد سبق ذلك الإتصال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية بلنكن و الرئيس الفلسطيني أكد فيها الأول على التزامات الإدارة الأمريكية ( و هي التزامات لفظية) و في مجال آخر أبدى رفض الإدارة الأمريكية التعامل مع وزراء من قماشة المتطرف بن غفير الذي يطالب بوزارة سيادية, المبعوث الأمريكي للبنان عاموس هولكشتاين إتصل بدوره في من يهمه الأمر في لبنان الرسمي مؤكدا أن واشنطن ملتزمة باتفاق ترسيم الحدود و استخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية, يتبجح نتنياهو بعلاقته الحميمة بالرئيس الروسي بوتن و الذي زاره أكثر من أي زعيم آخر و حقق معه إنسجاما شخصيا و سياسيا حسب رأيه هو في أقل تقدير لن يثير حفيظة موسكو ، و إنما سيعمل على مقايضة الملف الأوكراني لصالح أخذه مكاسب و فرص على الجبهة السورية, كل ذلك يشير أن العلاقات بين نتنياهو و بايدن ستشهد توترات حاده.

مصادر القوة لدى نتياهو كانت لتكتمل لو حقق الجمهوريون نصرا مهما في الانتخابات النصفية ، و لكن حتى الساعه لا يبدو أن ذلك سيتحقق مما سيجعله أكثر تريثا في مقاربة بعض الملفات الساخنة.

السؤال المطروح: هل يستطيع نتياهو تشكيل حكومة مقبولة دوليا مع شركاء من أمثال بن غفير الذي يطمح بوزارة الدفاع أو الأمن الداخلي ، كما المتطرف الدموي الآخر سيموترتش الطامح بوزارة المالية.

الإدارة الأمريكية وحكومات غربية أخرى تقول أنها لا تستطيع التعامل مع حكومة لديها هذا النوع من الوزراء ، ويبدو أن مهمة البحث عن حل قد أوكلت للرئيس هيرتسوغ الذي يبحث عن صيغة تتشكل بها حكومة واسعه إن استطاع إقناع لبيد و غانتس بالدخول في هذه الشراكة ، فيما تفيد الأنباء أن الثنائي غانتس و لبيد قد يوافقان شريطة أن لا تكون الحكومة برئاسة نتياهو .