• 23 تشرين الثاني 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم :  زياد خازر المجالي* 

 

اعترف بداية إنني مع الأغلبية من عشاق السلام، وأكثر من ذلك أعتبر أن الحرب والعدوان ربما تكون حالة تخلفٍ في العقل البشري تنتج عن الأنانية والتطرف والتعصب البغيض الذي يلغي بداية فكرة العدل ويهيئ لانتقاص سمو بني آدم وتميزه بين الكائنات في إعمال العقل والقناعة أن الأرض مكان ٌ يتسع للجميع للعيش بسلام ورفاهية إذا حسنت النوايا ووسائل التعاون بين البشر أفراداً وجماعات ، ودولاً تجمعهم شرعية منظمة الأمم المتحدة.

‏وأعترف أن طرحي هذا سرعان ما يتم وصفه أنه أحلامٌ وردية، ومثالية اثبتت العلاقات البشرية عدم تحقيقها لفترات طويلة ، ومع ذلك ، فإني كإبن المؤسسة السياسية التي التزمتها قيادتنا الهاشمية وطورتها على مدار المئوية الأولى لدولتنا، لا استطيع الا أن التزم هذه النظرة المثالية و أن التزم تحصين نفسي ضد التطرف الذي ما زال يحاول أن يستحث من حوله ليولد تطرفاً مضاداً تمهيدا لتكريس علاقات القوة والعدوان على حساب علاقات الوئام والسلام التي تحترم مصالح الجميع.

وفي نفس الوقت الذي كنت أراقب به المشهد الأول: تطورات الانتخابات النيابية الإسرائيلية وطروحات المرشحين ، كنت أتابع وبفخر المشهد الثاني: كلمتي جلالة الملك في نيورك وأمس في قمة المناخ في شرم الشيخ ، والموقف الشامل الواضح الذي طرحه سمو ولي العهد في قمة الجزائر نيابة عن جلالته ، وأخيرا الطرح العميق والراقي الذي جاء على لسان جلالة الملكة رانيا العبد الله في قمة (الويب)

‏سلبية المشهد الأول الذي يعكس في مضمونه نمو دور اليمين المتطرف في إسرائيل، الذي وللأسف كان أهم ما أحرزه خلال اكثر من عقدين هو القضاء التدريجي على ثقافة السلام لدى الإنسان الإسرائيلي قبل الإنسان الفلسطيني (( شريكا عملية السلام منذ 30 عاما ))، والتحضير لنوع جديدٍ وخطيرٍ من التطرف الذي يحول الصراع من خلافٍ سياسيٍ حول الحقوق المعترف بها من قبل الشرعية الدولية، إلى صراع - للأسف - دينيٍ ينبئ بقتل كل جهود المخلصين الذين يحاولون دعم عملية سلام حقيقية تستند إلى الشرعية الدولية وشرعية الاتفاقات التي وقع عليها الطرفان وصادق عليها الشريك الأمريكي والتي ما لم يتم احترامها فإن الفوضى ستعم ومعاناة الجميع ستكون مستمرة ولن يسلم من الشر والشرر أحد.

‏أما إيجابية المشهد الثاني فهي التي تعطي الإنسان الأردني القناعة بأن لدى قيادتنا الهاشمية إيمان راسخ مستمر بالاعتدال وأهمية إرساء قواعد العدل والسلام ، وهذا الاعتدال التراكمي الموروث سيجعل الأردن محصناً ضد استيلاد تطرفٍ جديد، والأردنيون يعلمون أن قمة طموح بعض اليمين الإسرائيلي المتطرف هو ولادة التطرف في مجتمعنا للوصول إلى مرحلة تدمير الذات، فالأردن السليم المعافي المعتدل الذي بدأ ينتهج الحلول لمعالجة المصاعب الاقتصادية و تطوير بنيته السياسية والإدارية هو أردن يغيظ بعض المتطرفين في إسرائيل.

‏وفي الوقت الذي أحترم فيه حقيقة أن خمسة وعشرين نائبا في برلماننا صوتوا ذات يوم ضد معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، إلا أن المعاهدة تم تصديقها واصبحت قانوناً وموثقة لدى منظمة الأمم المتحدة، ويجب أن يعلم جيل الشباب في وطننا السبب الدقيق لقبولنا قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢- مرجعية عملية السلام - من خلال مضمون ذلك القرار ، والذي قبله اشقاؤنا الفلسطينيون قبيل إعلان دولة فلسطين في قمة الجزائر عام ١٩٨٨. وأن يعلم جيل الشباب معنى ومغزى قول الملك الباني الراحل الحسين طيب الله ثراه أن معاهدة السلام هي هديته للشعب الأردني ، ففريق إيتمار بن غفير الحائز على 14 مقعدا في الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة يتمنى لو أنه لم يكن هناك معاهدة سلام أردنية إسرائيلية خاصة مضمون البند السادس من مادتها الثانية ، والبند الثاني من المادة التاسعة ، ‏وواضحٌ أنه لا يرغب في رؤية القيادة الفلسطينية متمسكة بالتزاماتها وفق اتفاقية أوسلو وما تلاها ، والتي دأبت على انتهاكها الحكومات اليمينية الإسرائيلية منذ مطلع الألفية الثالثة كي تستولد تطرفاً لدي الجانب الفلسطيني يساهم في تحقيق غايات التطرف الصهيوني بدءاً من انهيار المنظومة الرسمية الفلسطينية ، وهو الأمر الذي شخصيا على ثقة من أن القيادة الفلسطينية التي انتهجت مبدأ أن بديل السلام هو السلام والذي تبناه ايضاً الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لن تضيق أنفاسها ولن تحقق للصلف الإسرائيلي غاياته ، وجهود الأشقاء وعلى رأسهم الأردن واستثمار مصداقية الاعتدال العربي لدى عواصم القرار يجب أن تأتي أكلها في ردع الحكومة الإسرائيلية ‏القادمة عن اقتراف جريمة إعدام السلام وتهديد الأمن والسلم الدوليين.

‏أما المخاوف التي تزاوج أيضا بين مخرجات الانتخابات الإسرائيلية ومخرجات الانتخابات النصفية الأمريكية التي من المرجح أن تعطي أغلبية أيضا للحزب الجمهوري، ففي تقديري المتواضع أنها مخاوف غير موضوعية حتى وإن كان القياس هو الخط السياسي الذي انتهجه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ، حيث من خصائص النظام السياسي الأمريكي أن فيه مؤسسات قرار تبقى مستمعة لصوت العقل والاعتدال والمصداقية ، وهذا كان صوت قيادتنا الهاشمية التي دأبت عواصم القرار على احترامه والإنصات له، وهو الصوت الموقف الذي لم تتوقف قيادتنا عن استثماره من أجل مصلحة الأردن والأشقاء الفلسطينيين خلال العقود الماضية. وسيستمر استثمار هذا الدور الإيجابي خلال المرحلة القادمة.

إن ضبابية المشهد السياسي الإقليمي والدولي لن تجرنا الى يأس لم نعرفه في تاريخ سياستنا الخارجية، وميزان الحكمة والحصافة وقوة الاعتدال هو الذي سيبقى شعارنا بمواجهة الصلف والتطرف.

  • أول سفير أردني في السلطة الفلسطينية 

 

عن شبكة عمون